[ سجون إماراتية بعدن ]
تقف اليمنية سناء سعيد في باحة المجمع القضائي بمدينة عدن، حاملة بين يديها صورة ابنها محمد ناصر المختفي قسريا، وقد سارعت لعرض قضيته ضمن مئات من قضايا المواطنين، اكتظت بها المحكمة مع بداية عودة القضاء للعمل، بعد عامين من التوقف بسبب الحرب.
وتأمل هذه الخمسينية في الحصول على أمر قضائي عاجل يمكنها من زيارة فلذة كبدها بالمعتقل، والذي لم تره منذ لحظة اعتقاله قبل أكثر من عام، وهي تنتظر أن يُنادى على قضيتها، إلى جوار عشر سيدات يشاركنها المحنة والأمل نفسه بمنحهن الحق القانوني في محاكمة ذويهن أو الإفراج عنهم.
وتروي والدة ناصر للجزيرة نت واقعة اختطافه قائلة "ابني اختطف من قبل الأمن دون سبب أو تهمة منتصف سبتمبر/أيلول العام الماضي، والآن لا نعلم عنه شيئا".
وتضيف "رغم معرفتي فيما بعد بمكان اعتقاله إلا أنني لم أستطع زيارته أو أجد الجهة التي أتقدم إليها بشكواي حتى تقوم بإنصافي".
ظروف استثنائية
وكانت عجلة القضاء استأنفت دورانها، في العاصمة المؤقتة عدن، حيث عقدت المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة في قضايا أمن الدولة الخميس أولى المحاكمات، مستأنفة بذلك عمل الجهاز القضائي بعد انقطاعه منذ 2015 بجنوب البلاد بسبب الحرب.
وخلال توقف السلطة القضائية بالمدن المحررة وعدن، ظلت سناء -كشأن العشرات من أمهات المخفيين قسرا والمعتقلين تعسفيا بسجون عدن- يعشن في خوف دائم على فلذات أكبادهن الذين لا يعلمن مصيرهم، في ظل غياب أي معلومات أو تفاصيل حول أماكن احتجازهم والتهم الموجهة إليهم.
لكن عودة القضاء للعمل -التي استبشرت بها هذه الأم خيرا في وقف البطش والظلم الذي مُورس ضدها- لم تحقق لها ما تحلم به حتى الآن، إذ لا تزال -كما تقول- تتردد منذ أسبوع على المحاكم والنيابات للحصول على إذن لزيارة ابنها لكن دون فائدة.
وتضيف "الأمن مازال ينفي وجود ابني لديه، رغم معرفتي أنه كان في سجن بئر أحمد" الذي يقع غربي عدن، ويعد واحدا من السجون السرية التي تديرها دولة الإمارات بالمدينة الجنوبية ويقبع فيها عشرات المعتقلين والمخفيين قسريا.
ويواصل السلك القضائي نشاطه بمدينة عدن في سبيل تطبيع الأوضاع بشكل كامل، مع عودة نشاط المحاكم والنيابات المتخصصة في قضايا الحق العام الخميس الماضي.
ويعمل في ظل ظروف استثنائية تعيشها المدينة، أبرزها هشاشة الوضع الأمني وقلة الكادر القضائي فضلا عن كون معظم مباني السلطة القضائية لا تزال مهدمة بسبب الحرب.
آمال وتحديات
ويمثل ملف المخفيين قسريا أحد أبرز القضايا الشائكة أمام القضاء، خاصة في ظل استمرار صراع النفوذ بين معسكر الشرعية اليمنية ومعسكر الإمارات، وما خلفه من انقسام السلطات الأمنية التي أصبحت تخضع للنفوذ الإماراتي وليس للسلطة القضائية التابعة للحكومة الشرعية.
وقال المحامي والناشط الحقوقي في عدن فواز العويضاني -في حديث للجزيرة نت- إن ما شهدته المدينة منذ فترة نتيجة الحرب وما خلفته من دمار ونهب في المباني واهتزاز في البنية القضائية واختلالات سيزول تدريجيا بوجود القضاء العادل والنزية والقوي ويعود الاستقرار والأمان إلى عدن.
ومن جانبه، أكد رئيس رابطة المحامين لسيادة القانون المحامي صالح ذيبان وجود تحديات عديدة وعلى رأسها التحدي الأمني، معتبرا أن عودة المحاكم بمختلف درجاتها للقيام بمهامها -في المناطق التي تخضع للمؤسسة الشرعية- خطوة مهمة لإعادة ملف تطبيع الحياة وبسط نفوذ الدولة على المناطق التي تسيطر عليها.
وقال ذيبان إن التحدي الأبرز -الذي تواجهه المؤسسات القضائية حاليا- هو قلة الكادر القضائي الذي يمكن أن يلبي الحد الأدنى الذي يلزم وجوده لضمان استمرار عمل المحاكم والنيابات العامة.
وأضاف "بإمكان السلطة القضائية معالجة هذا التحدي" والمضي قدما لتجاوز تركة الماضي المليئة بالانتهاكات من قتل خارج نطاق القانون وإخفاء قسري وتشكيل المليشيات والاعتقالات، وتضييق حرية الرأي والتعبير وتعطيل العمل بالقوانين والاستيلاء على الأموال العامة والخاصة.