[ الصحة العالمية: اليمن في طليعة الدول العربية التي تعاني شعوبها من مرض السرطان ]
ثقيلة هي الدقائق والساعات التي تمر على الطفل اليمني أحمد محمد ذو الثلاثة أعوام، الذي يأكل سرطان الدم (لوكيميا) جسده النحيل وهو مستلق على فراش المرض باكيا تحت النظرات القلقة لوالدته على حياته، في ظل التدهور المريع للنظام الصحي في البلاد.
يرقد أحمد الذي يعاني أيضا من سوء التغذية في مستشفى الصداقة بمدينة عدن، إلى جوار عشرات المرضى الذين يترددون من محافظات يمنية عدة على مركز لعلاج أمراض السرطان هناك من أجل مساعدتهم في البقاء على قيد الحياة.
وليس المرض وحده ما يهدد حياة هذا الطفل، بل أيضا ما تعانيه أسرته من فقر وحرمان دفعا بها إلى النزوح من محافظة تعز المشتعلة بنيران الحرب وسط البلاد صوب مدينة عدن، بحثا عن علاج له، بعدما باتت عاجزة عن توفير تكاليف الأدوية الباهظة الثمن.
ويختصر أحمد معاناة أكثر من 20 ألف يمني مصابين بالسرطان بحسب منظمة الصحة العالمية، ويواجهون خطر الموت في ظل وضع صحي حرج ناتج عن انعدام الدواء الذي مكن السرطان من النهش في ما تبقى من أجسادهم الهزيلة، وأفقدهم أمل البقاء على قيد الحياة.
وتقول والدته أمة الرحمن إن أحمد -وهو الأصغر بين أولادها الثلاثة- تدهورت صحته مع انقطاعه عن تناول الدواء المقرر له، قبل أن تقرر الأسرة النزوح إلى عدن، وتضيف للجزيرة نت "أرى الموت يحوم فوق رأسه، ولا إمكانات لدينا لمساعدته".
غياب الأدوية
ومثل عشرات المرضى، تشتكي أمة الرحمن من غياب الأدوية المجانية فيتوجب عليهم شراؤها بنحو 80 ألف ريال (300 دولار شهريا)، وهو ثمن باهظ يفوق قدراتهم الشرائية التي تراجعت على نحو مأساوي مع استمرار تصاعد النزاع الذي قذف بأكثر من 80% من اليمنيين إلى دائرة الجوع.
ومع ذلك، فإن معاناة مرضى السرطان في اليمن لا تنحصر في عجز المرضى عن دفع تكاليف الأدوية أو نفقات السفر لأجل تلقي العلاج، بل أيضاً تزداد خطورة ذلك مع عدم توفّر أصناف كثيرة من الأدوية الأساسية وأخرى تساعد على بقاء المرضى على قيد الحياة.
وفي هذا السياق، تقول أزهار أحمد للجزيرة نت إن أسرتها كثيراً ما كانت تعجز عن توفير الأدوية الخاصة بوالدتها فتلجأ إلى شراء أدوية أخرى أقل فاعلية ولها آثار جانبية كثيرة، وكانت والدتها تعاني مرض سرطان الثدي وتوفيت مؤخراً في مستشفى الأمل بعدن بعد نحو عام من صراع مرير مع المرض.
وقبل أسابيع قليلة، فتك المرض بالإعلامي والناشط السياسي اليمني وليد صالح الوزير (40 عاما) بعد تدهور حالته الصحية جراء إصابته بمرض سرطان المعدة الذي انتشر في أجزاء جسده خلال ثلاثة أشهر، وسط عجز المستشفيات عن إيقافه.
وقال شقيقه عفان صالح للجزيرة نت إن وليد كان بحاجة إلى جلسات علاجية وفحوصات طبية غير متوفرة في اليمن، وحاول السفر بشكل طارئ وسريع للعلاج في الخارج، لكنه اصطدم بعراقيل كثيرة أخرت سفره، مما أدى إلى انتشار خلايا السرطان في جسده ووفاته.
حالات جديدة
ومراكز علاج السرطان في اليمن تعد على أصابع اليد، وهي غير مؤهلة لمواجهة الداء الفتاك، في بلد يأتي -بحسب منظمة الصحة العالمية- في طليعة الدول العربية التي تعاني شعوبها من مرض السرطان، بينما يتم تسجيل 25 ألف حالة جديدة سنوياً، بحسب تقارير لوزارة الصحة.
ويرى رئيس مركز علاج الأورام والدم بمستشفى الصداقة في عدن جمال زين، أن مرض السرطان يسجل ارتفاعا مستمرا في عدد المصابين، وقال "نستقبل كل يوم من 30 إلى 50 حالة، بعضها حالات جديدة، ولدينا أكثر من ستة آلاف حالة إصابة بالسرطان مقيدة في كشوفات المركز هذا العام".
وأشار زين في حديث للجزيرة نت إلى أن المركز لم يحصل على أي موازنة تشغيلية منذ العام 2014، "لكننا مستمرون في العمل من أجل خدمة مرضى السرطان، معتمدين في ذلك على ما يقدمه بعض رجال الخير من تبرعات أو أدوية، وأيضا على مشاركة المريض نفسه".
وأضاف أن المركز يفتقر إلى الكثير من مقومات العمل لتلبية احتياجات مرضى السرطان، منها عدم وجود أجهزة فحص وتشخيص دقيقة إلى جانب النقص الحاد في الأدوية، وبالتالي لا يجد المريض العناية الكافية مع قلة عدد الممرضين وأخصائيي الأورام.
وختم زين بالقول "نعاني من عدم جود أي أجهزة خاصة بنقل صفائح الدم، وهي من الأشياء الهامة جداً من أجل إنقاذ حياة المريض، وعدم وجودها يجعل كثيرا من المرضى يعانون من النزيف، وهذا قد يودي بحياة كثير منهم".