[ ظل ميناء الحديدة مثار جدل واسع حول عملية تحريره ]
مصير غامض ينتظر محافظة "الحديدة" التي كانت على شفا التحرير، عقب الاستعدادات المكثفة التي قامت بها القوات الشرعية المسنودة من التحالف العربي، ضد مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية التي تخشى تقليص مساحة نفوذها في اليمن، وحصارها في منطقة جغرافية لا تشكل أي أهمية.
لكن وبرغم ذلك، إلا أن هناك بوادر تشير إلى أن ثمة متغيرات ستحرك المياه الراكدة في "الحديدة"، خاصة بعد تصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال جوزيف دانفورد، الذي أكد أن إيران لم تغير تصرفاتها العدوانية، وما زالت تدعم الحوثيين بصواريخ كروز للتأثير على مضيق باب المندب.
وهو ما يعني -حسب خبراء- أن الحديدة ستظل مصدرا لتهريب الأسلحة إلى الحوثيين، كونها تمتد على شريط ساحلي هو الأطول في البلاد، يبلغ حوالي 329 كيلومترا، استغلته إيران بتهريب السلاح إلى ذراعها في اليمن، مخالفة بذلك قرار 2216 الدولي الذي يحظر تزويد الانقلابيين بأي أسلحة.
بعيدا عن التحرير
وعوضا عن المُضي في طريق استعادة محافظة "الحديدة" التي يوجد بها ثاني أكبر ميناء في البلاد، اقترح المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، إيقاف تحريرها، وتسليم ميناء الحديدة الإستراتيجي إلى طرف محايد، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والإمدادات الأساسية الأخرى، بالإضافة إلى دفع أجور الموظفين الحكوميين في عموم البلاد، وكذا تشكيل صندوق مالي محايد يتسلم موارد الدولة المالية من الشرعية والانقلابيين.
وفي وقت سابق، أكد مجلس الأمن الدولي دعمه لمقترح ولد الشيخ الذي سيحول دون تحرير الحديدة، كما شكلَّت كذلك عديد من المنظمات المشبوهة، حجر عثرة أعاق تحريرها.
موقفان متناقضان
عقب إعلان ولد الشيخ لمقترحاته بشأن الحديدة، أعلنت الحكومة اليمنية على لسان وزير الخارجية عبدالملك المخلافي، قبولها بخطة الأمم المتحدة بشأن تسليم ميناء الحديدة، وهو الموقف الذي ينسجم كذلك مع التحالف العربي.
على النقيض، أكد الناطق باسم مليشيا الحوثي محمد عبدالسلام، في بيان صادر عنه، أن مجلس الأمن يشجع ببياناته تحالف ما وصفه بـ"العدوان" على مواصلة شن الغارات، وفرض الحصار، وهو ما يفاقم مأساة الملايين من اليمنيين، ويبعد أي أمل بحل سياسي يطوي الحرب، ويؤسس لسلام عادل يضمن سيادة اليمن وكرامة الشعب اليمني، ملوحا بخيار استمرار الحرب.
ضربة خاطفة
وأمام المواقف المتناقضة تلك، يأتي السؤال حول مصير الحديدة والبدائل الممكنة بعد وصولها إلى طريق مسدود.
وعلى هذا الصعيد يقول المحلل السياسي فيصل علي، إن تحرير "الحديدة" دخل في مسألة الخلافات الخليجية-الخليجية التي حدثت مؤخرا، وما قبلها أيضا والمتمثلة بتأجيل التحالف العربي استعادة تلك المحافظة الإستراتيجية لأسباب ربما تكون مرتبطة بالدول المشاركة فيه، منها الخشية السعودية من بسط الإمارات يدها على السواحل اليمنية بالكامل.
ويرى في حديثه لـ"الموقع بوست" أن "استهداف الحوثيين لسفينة إماراتية مؤخرا قُبالة سواحل المخا جنوبي غرب تعز، سيحرك المياه الراكدة، ويُعيد عملية تحرير الحديدة إلى الواجهة، وقد نشهد عمليات عسكرية مفاجئة تستهدف الحوثيين".
وتبحث الإمارات عن موطئ قدم في السواحل الغربية اليمنية -كما يشير علي- لتعوض عن خسارتها في السودان والصومال، جراء الاضطراب الذي تشهده منطقة القرن الأفريقي.
ويعتقد "علي" أن تحقيق الإمارات أهدافها عن طريق السواحل اليمنية سيكون سهلا، وذلك لأنها تعد ثاني قوة في التحالف العربي، بالإضافة إلى وجود قوى جنوبية تعمل لصالح أبوظبي كمرتزقة وليس ضمن تشكيلات الجيش الوطني.
وحول البدائل المتاحة بالنسبة للحديدة في ظل هذا الوضع الضبابي، يؤكد "علي" أن على المواطن في الحديدة أن يتحرك، ويدافع عن مدينته، ولا يسمح بأن يتم العبث بمصير محافظته، التي تتفاقم الظروف الإنسانية فيها يوما بعد آخر.
عراقيل
هناك كثير من العراقيل أمام مقترحات المبعوث الأممي إلى اليمن بشأن محافظة الحديدة، منها تسليم الميناء -الذي تصل إليه 80% من واردات الغذاء- إلى طرف ثالث محايد، وهو أمر شديد الصعوبة نظرا لعدم وجود قوات يمكن أن يتفق (الشرعية والانقلابيون) على حيادها في اليمن.
بالإضافة إلى ذلك فإن روسيا التي حذرت في وقت سابق على لسان نائب وزير الخارجية جينادي جاتيلوف، من أي هجوم يستهدف الحديدة ومينائها، ما يضفي مزيدا من التعقيدات على المشهد في تلك المحافظة، لكن الخشية الأمريكية من زيادة موسكو لنفوذها في المنطقة، يقضي على بعض المخاوف، خاصة بعد سعيها إلى لعب دور أكبر في اليمن.
يُذكر أن رئيس اللجنة العليا للإغاثة عبدالرقيب فتح، اتهم المليشيا الانقلابية بعرقلة واحتجاز ونهب أكثر من 63 باخرة إغاثة مقدمة من دول مجلس التعاون الخليجي، في مينائي الحديدة والصليف، مما ساهم في تردي الأوضاع الإنسانية في عموم البلاد.