[ ضغوط دولية حالت دون تحرير ميناء الحديدة - أرشيفية ]
بعد أن كانت الحديدة على أبواب المعركة الفاصلة التي ستقلب موازين القوة في اليمن، وبرغم التحضيرات العسكرية المكثفة التي قام بها التحالف العربي المساند للشرعية، والضوء الأخضر الأمريكي الذي منح لهم، إلا أن كل شيء توقف، وتغيرت بوصلة الحل الجذري نحو التحييد الضبابي الغامض.
حالت الضغوط الكثيرة التي مارستها منظمات عديدة مشبوهة دون تحرير الحديدة، بالإضافة إلى أقلام تابعة للقوى الناعمة التابعة للانقلابيين، سُخرت للحديث عن أن تحرير الحديدة يعني تسليمها لما يُسمى بـ"داعش".
وكان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، قدم مقترحا لحل أزمة ميناء الحديدة من شقين أمني وعسكري، تقوم خلاله الشرعية والانقلابيين بتشكيل لجنة من العسكريين المقبولين من الطرفين، والذين لم يكونوا جزأً من القتال، لتسيير الأمور الأمنية في الميناء، والآخر اقتصادي يتعلق بلجنة اقتصادية مالية تتعامل مع مداخيل الميناء وبإشراف غرفة التجارة.
سارع التحالف عقب ذلك للترحيب بمقترحات ولد الشيخ المتعقلة بتسليم الميناء إلى طرف محايد.
الحكومة اليمنية هي الأخرى أعلنت تأييدها للمقترحات المتصلة بترتيبات انسحاب المليشيا الانقلابية من الحديدة، وآلية تسليم الموارد بما يضمن صرف رواتب موظفي الدولة، وبقي السؤال هنا: هل يمكن أن يوافق الحوثيون على ذلك؟
واعتبر مراقبون خطوة الحكومة تلك مراضاة واضحة وتنازل جديد تقدمه الشرعية للانقلابيين، تحت ضغوط مارستها جماعات الضغط كالعادة على الحكومات الغربية، في انتهازية سياسية صارخة لإنقاذ الحوثيين من الإفلاس والعزل الجيوسياسي الذي كان التحالف خطط له منذ بداية عملية "عاصفة الحزم" التي أطلقت في مارس/آذار 2015.
عدم الرغبة بالسلام
حتى اللحظة لا توجد أي بوادر تؤكد رغبة المليشيا الانقلابية بالسلام، ولا حتى خطوط عريضة يمكن القول بناء عليها إن الانقلابيين سيوافقون على مقترحات ولد الشيخ.
برغم أن الحديث يدور حول تسليم الحديدة إلى طرف ثالث تتفق عليه الحكومة اليمنية والانقلابيون، وليس لإدارة دولية محايدة، إلا أن الأخيرين يصرون على رفض ذلك بحجة تقسيم البلاد، وانتهاك السيادة.
يحرص الانقلابيون على بقاء الحديدة ومينائها -ثاني أكبر موانئ البلاد- تحت سيطرتهم، نظرا لأنها تُعد المنفذ البحري الأبرز الذي يربطهم بالعالم الخارجي، وهي أكبر ثالث محافظة يمنية من حيث الكثافة السكانية، وأبرز مصادر الوقود والتموين لهم.
كما أن الحديدة تمتد على شريط ساحلي هو الأطول في البلاد، يبلغ حوالي 329 كيلومتر يمتد على طول البحر الأحمر، استغلته إيران بتهريب السلاح إلى ذراعها في اليمن، مخالفة بذلك قرار 2216 الدولي الذي يحظر تزويد الانقلابيين بأي أسلحة.
وهي تتميز كذلك بموقع إستراتيجي، فإلى جانب أنها تقع على البحر الأحمر، فهي حدودية مع صنعاء الخاضعة لسيطرة الانقلابيين ولا تبعد عنها سوى 226 كيلومترا، ومع حجة، وتعز، والمحويت، وذمار، وإب أيضا.
الحديدة كذلك تُعد ورقة إستراتيجية مهمة، نظرا لقربها من خطوط الملاحة الدولية، ويحرص الانقلابيون على بقائها بأيديهم، للخروج بامتيازات كثيرة فيما لو تم استئناف مشاورات السلام اليمنية المتعثرة منذ أغسطس/آب 2016.
إضعاف الشرعية
على هذا الصعيد، يقول المحلل العسكري علي الذهب إن تسليم الحديدة لأي جهة محايدة لن يكون سهلا، ويعني أنها ستخضع لسلطة ذلك الطرف ودول التحالف التي تقف خلفها، في ارتهان واضح للخارج وعزل مدرك للأطراف اليمنية (الشرعية والانقلابيين).
وبالنسبة للسلطة الشرعية فإن ذلك الحل -كما يؤكد الذهب في حديثه لـ"الموقع بوست"- لن يحقق لها أي قوة إضافية، بل فيه إضعاف لموقفها، علاوة على ما تعانيه من ضعف سابق جراء عدم سيطرتها الفعلية المباشرة على أي ميناء في المدن المحررة مثل عدن وشبوة وحضرموت.
ويمثل خروج الميناء من قبضة الحوثيين، خنق وتضييف آخر على مواقفهم، وتحييدهم في حيز جغرافي عديم الموارد، بالإضافة إلى حرمانهم من فرصة المناورة بهذه المدينة ومينائها في حال أي ترتيب يمس الوحدة الترابية لليمن، كما يذكر الذهب.
ولدى المحلل العسكري الذهب بعض المخاوف من وضع الميناء خارج سلطة الشرعية والانقلاب، وتعطيل ورقة اقتصادية وسياسية وعسكرية يخشى من توظيفها في مواجهة فرض نظام الأقاليم بالصيغة المرفوضة من قبل الانقلابيين والتي اتخذوها ذريعة لإعلان الحرب، وتقسيم الدولة.
الخلاص وممانعة الروس
كانت القوات الشرعية المسنودة من التحالف العربي على أهبة الاستعداد لخوض معركة الحديدة، التي تشكل استعادة السيطرة عليها أهمية بالغة، كونها ستساهم في تحرير العاصمة صنعاء التي ما تزال خاضعة لسيطرة الانقلابيين، ومحافظة تعز التي تعيش في ظل الحرب منذ أكثر من عامين.
موقف الولايات المتحدة الأمريكية بدا واضحا وداعما للشرعية والتحالف في مسألة استعادة الحديدة، خاصة بعد الهجمات الإرهابية التي طالت السفن الأمريكية في خطوط الملاحة الدولية، ونفذتها المليشيا الانقلابية باستخدامها لسواحل الحديدة، بالإضافة إلى سياسة واشنطن الجديدة تجاه إيران التي تتهمها برعاية الإرهاب.
لكن التحالف لم ينتهز الفرصة وظل يؤجل عملية التحرير المنشود للميناء المتبقي في أيدي الانقلابيين، هذا التباطؤ هو الذي منح الحوثيين الفرصة للضغط عبر منظماتهم لأجل التحييد الوهمي الذي يتم الحديث عنه، وما هو إلا تنازل بدون مقابل للحوثيين الذين أجبرت الشرعية على قبوله، كما يرى محللون.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن حضور الروس ما يزال قويا في المشهد اليمني، خاصة بعد أن ظهرت تداعيات الضربة الأمريكية التي استهدفت قاعدة جوية في سوريا في أبريل/نيسان الماضي في مسرح الأحداث في اليمن. ويبدو أن موسكو تسعى للعب دور أكبر في البلاد، عبر حماية مصالحها في خطوط الملاحة الدولية، وقيامها بتأمين ممرات الطاقة التي باتت في خطر.
وبرغم حرص المملكة العربية السعودية على امتصاص تداعيات تلك الواقعة والحيلولة دون تدخل موسكو في الملف اليمني، لكن ذلك لم يمنع نائب وزير الخارجية الروسي جينادي جاتيلوف، من التحذير من أي هجوم يستهدف الحديدة ومينائها، وحديثه صراحة عن عدم سماحهم بذلك أو التحرك نحو صنعاء.
وهنا يمكن أن يصطدم توجه الشرعية نحو الحسم بالموقف الروسي، الذي يمكن إذابته إذا ما نظرنا إلى حجم العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين موسكو والرياض، وقد يتعقد المشهد بشكل أكبر فيما لو شكَّل الدب الروسي سدا لإعاقة تحرير الحديدة.
يُذكر أن الحكومة اليمنية اتهمت في وقت سابق المليشيا الانقلابية باحتجاز السفن الإغاثية الدولية، ومضاعفة معاناة اليمنيين الذين بات أكثر من 82 بالمئة منهم بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة.