[ أحد بائعي الخضروات - اليمن ]
تختفي مظاهر استقبال شهر رمضان تماما في الأسواق اليمنية، لا بضائع معروضة ولا تمور ولا إقبال على الشراء في ظل تأخر الرواتب وتدني القدرة الشرائية للناس واستمرار الحرب التي دخلت عامها الثالث دون توقف، بينما تفاقمت انعكاسات وباء الكوليرا الذي أصاب أسواق الخضروات في مقتل.
وخلال جولة في أسواق الخضروات بصنعاء، يلاحظ توقف تام للبيع والشراء. وفي سوق "ذهبان"، وهو أكبر أسواق الخضروات والفواكه في العاصمة اليمنية، يشتكي البائعون من توقف حركة البيع والشراء بسبب تفشي الكوليرا وبعد تحذيرات طبية بتجنب شراء الخضروات باعتبارها ناقل للوباء.
وقال محمد حسان -تاجر خضروات بالجملة، لـ"العربي الجديد"- "أكبر موسم ينتعش فيه سوق الخضروات هو شهر رمضان، حيث يقبل الناس بكثافة على شراء الخضروات بكميات كبيرة وبمختلف أنواعها، وسيكون هذا أسوأ موسم على الإطلاق. لقد توقف سوق الخضروات بشكل تام منذ مطلع مايو/أيار الجاري بسبب الكوليرا".
وأكد تجار خضروات في أسواق صنعاء أن 90% من تجارتهم توقفت بسبب تحذيرات الأطباء بانتشار وباء الكوليرا عن طريق الخضروات والفواكه، وأن أغلب التجار نقلوا تجارتهم إلى مدينة ذمار (100 كلم جنوب صنعاء) حيث لا ينتشر الوباء ولم يعلن عن وفيات.
وأعلنت الأمم المتحدة قبل يومين، أن اليمن يمر في الوقت الراهن بأكبر وباء لمرض الكوليرا في تاريخه.
وأوضح منسق المساعدات الإنسانية لليمن في الأمم المتحدة، جيمي ماكغولدريك، أن دوائر الصحة في اليمن سجلت خلال الأسابيع الأخيرة أكثر من 35.5 ألف حالة إصابة محتملة بالكوليرا، مشددا على أن الثلث منهم على الأقل أطفال.
وذكر المسؤول الأممي أن ما لا يقل عن 361 شخصا توفوا خلال هذه الفترة جراء المرض، مبينا أن حالات الموت تم رصدها في 19 من أصل 22 محافظة يمنية.
وتعتبر صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين، أكثر المدن اليمنية سوءا من حيث التعرض للمرض، بحسب بيان لمنظمة الصحة العالمية.
ويقول الأطباء إن الخضروات ناقل رئيس لوباء الكوليرا. وأصدرت منظمات دولية، منها منظمة الصحة العالمية، تحذيرات بتجنب شراء الخضروات، أو أن يتم تعقيمها، وفي ظل عدم قدرة الكثيرين على التعقيم فإنهم يتوقفون عن الشراء.
وتأتي الخضروات إلى أسواق العاصمة من مزارع في محيطها الريفي، وتوجد أكبر المزارع في منطقة "الرحبة" ببلدة "بني الحارث" بجوار أحواض مياه الصرف الصحي.
وتسقى بعض مزارع الخضروات بمياه الصرف الصحي، وفق تأكيدات لمزارعين وتجار ومنظمات دولية.
وأكد مسؤول الاتصال في منظمة يونسيف بصنعاء محمد الأسعدي، لـ"العربي الجديد"، أن "محطة معالجة مياه الصرف الصحي في العاصمة صنعاء كانت تقوم بتحويل فضلات الإنسان إلى سماد صالح ومياه يستخدمها المزارعون في ري مزارع الخضروات، لكن المحطة توقفت بسبب الحرب وعدم تزويدها بالوقود، ونتيجة لذلك يقوم المزارعون بشفط مياه المجاري غير المعالجة بواسطة مولدات وري مزارعهم".
ويقول خبراء في علم السموم، إن استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالجة في ري الخضروات سبب رئيس لانتشار وباء الكوليرا ومختلف الأوبئة والأمراض.
ويلجأ المزارعون إلى ري مزارع الخضروات بمياه الصرف الصحي، بسبب شح المياه الجوفية الصالحة في اليمن التي يصنف مناخها ضمن المناخ الجاف وشبه الجاف وتتساقط عليها الأمطار لفترتين فقط ولا تلبي احتياجات السكان.
وأعلنت السلطات الأمنية بمدينة إب (وسط البلاد)، نهاية أبريل/نيسان الماضي، عن ضبط مجموعة مزارعين في ضواحي المدينة يسقون الخضروات من مياه الصرف الصحي.
ولا تقتصر تأثيرات الكوليرا على ضرب سوق الخضروات وتوقف حركة البيع والشراء، فقد حرم الوباء مئات العاطلين من فرص عمل مؤقتة كانت توفرها أسواق الخضروات خلال شهر رمضان، فضلا عن ضرب تجارة مئات الباعة المتجولين.
وقال خالد درهم -موظف بمدينة تعز، لـ"العربي الجديد"- "أنا موظف وراتبي لا يكفي لتغطية الاحتياجات، وقد توقفت الرواتب منتصف العام الماضي، وحتى منذ ما قبل الحرب كنت في كل عام أعمل مؤقتاً في بيع الخضروات خلال شهر رمضان حيث توفر لي دخلاً أكبر من رواتب عام كامل".
وتابع "لا أملك أي فرصة أخرى لتوفير المال وإعالة أسرتي المكونة من 4 أولاد سوى بيع الخضروات، وقد توقفت أسواق الخضروات تماما بسبب وباء الكوليرا وفقدت فرصة مهمة، لا أدري كيف أتصرف".
وقال مواطنون في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب البلاد)، إنه مع انتشار الكوليرا في المدينة وتسجيل وفيات، امتنع السكان عن شراء الخضروات التي تتكدس في أسواق المدينة ولا تجد مشترين.
وحذرت منظمة "أنقذوا الأطفال"، قبل يومين، من تحول مرض الكوليرا في اليمن إلى وباء بسبب ندره المياه الصالحة للشرب وشح المواد الطبية، وذكرت أن 250 شخصا لقوا حتفهم بسبب المرض في هذا الشهر فقط.