[ أحمد علي وضاحي خلفان ]
تقف الإمارات موقفًا معاديًا من ثورات الربيع العربي، حيث تآمرت على كل ما من شأنه أن يحيي ثورة تكون أيقونة لبلد ديمقراطي، وفتحت أبوابها وسخرت طيرانها وفنادقها لاستضافة الهاربين من دول الربيع العربي، لتكون ملجأ لرموز الأنظمة التي أطاحت بهم الثورات، بداية من أحمد شفيق أحد المرشحين الخاسرين في انتخابات الرئاسة المصرية، التي فاز بها الرئيس الشرعي د. محمد مرسي، مرورًا بالقيادي المطرود من حركة فتح الفلسطينية محمد دحلان، وأسرة رئيس النظام السوري بشار الأسد، وغيرهم من أنصار وأقارب القذافي، والرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح.
وبعد مقتل 45 من جنود الإمارات باليمن على يد ميليشيات الحوثي المتحالفة مع المخلوع صالح والمدعومة من إيران، وسعي الإمارات إلى الثأر لقتلاها بغارات كثيفة ومشاركة برية مع قوات التحالف، تطرح بقوة التساؤلات عن أسباب إبقائها على نجل صالح، وسط حديث حول وجود اتفاق سري بين الطرفين، حيث تأوي الإمارات عائلة صالح التي جاءت للبلاد وفي جعبتها مليار الدولارات في شكل استثمارات وعوائد بنكية وغيرها، مما قد يجعل الإمارات متخوفة من اتخاذ موقف بطرد عائلة صالح، فيما يشير مراقبون إلى أن الإمارات مازالت ترى نجل صالح بديلًا له.
تورط صالح وميليشياته في دماء جنود الإمارات
قال المحلل السياسي اليمني فيصل المجيدي- رئيس مركز إسناد لتعزيز سيادة القانون- إن هذه القضية ظلت طوال الفترة الماضية، مدار جدل ونقاش كبير من المهتمين والمتابعين للشأن اليمني الخليجي، وبالتحديد منذ عاصفة الحزم في 26 مارس الماضي، مشيرًا إلى زيادة الجدل منذ سقوط الـ 45 شهيدًا إماراتيًا في مأرب عبر عملية استهدافهم بصاروخ "توشكا" من تشكيلات الحرس الجمهوري.
وأوضح المجيدي، في تصريحات خاصة لـ"شؤون خليجية"، أن هذه التشكيلات كان يقودها أحمد- نجل علي عبد الله صالح- قبل تعينه سفيرًا في الإمارات، مشيرًا إلى أن البعض يحاول الحديث عن ارتباطات استثمارية ومشاريع اقتصادية كبيرة للرجل ووالده في الإمارات، إضافة إلى طبيعة العلاقات الخاصة التي كونها خلال سنتين من فترة عمله كسفير في الإمارات، وهي ما أثرت على الموقف من بقائه في الإمارات.
تغيير في الخطاب الإماراتي تجاه صالح
وأوضح "المجيدي" أن الموقف يظهر من خلال تغريدات ضاحي خلفان، وهو المسؤول الإماراتي الأرفع الذي رفض الحديث بما يسيء للرجل أو والده طوال السنوات الماضية، على الرغم من أنه شهير بحديثه العنيف في مواجهة كافة القوى الأخرى التي يرى فيها عداء للإمارات أو الخليج، قبل أن ينقلب مهاجمًا للرئيس المخلوع صالح مطالبًا بضرورة القضاء على الحوثي وعفاش.
وأكد أن الغريب ليس فقط تواجد "أحمد علي" بالإمارات، بل إن هناك من يتحدث عن تواجد خالد علي عبدالله صالح وعمار محمد عبدالله صالح في الإمارات، وهما من القيادات العسكرية السابقة، قائلًا: "الضربة العسكرية وحجم الشهداء الإماراتيين ربما يكون له تأثير سلبي على بقاء أحمد علي صالح، وبالتالي هناك من يتحدث عن بدء ترتيب مكان آخر في إشارة لخروجه منها.. بل إن هناك أخبارًا ربما تحتاج إلى تأكيد بأنه قد يكون خرج إلى صنعاء".
وأشار "المجيدي" إلى أن هناك من يربط بين بقائه ومشروع سابق قبل انقلاب الحوثي بمشاركة والده، بتجهيزه ليكون رئيسًا للجمهورية اليمنية بعد حين، غير أن مخرجات الحوار الوطني اليمني أوقفت هذا الأمل، فقام مع والده بالاشتراك بالانقلاب على الشرعية.
أنباء عن تعاون صالح مع الإمارات
لم يكن الحديث عن استثمارات اقتصادية أو تأهيل نجل صالح ليكون رئيسًا هي الأسباب التي طرحت فقط لشرح أسباب إيواء الإمارات لنجل صالح، بل خرجت أنباء تفيد بأن صالح يتعاون في الخفاء مع الإمارات ضد الحوثي، حيث ترددت أنباء تؤكد تسريب المخلوع الإحداثيات التي تحدد مواقع الحوثيين وأماكن قياداتهم إلى الإماراتيين، لامتصاص غضب الإمارات بعد حادث صافر وتخفيف ضغط الإمارات على نجل صالح، الذي يعتبر في إقامة جبرية منذ حادث الجمعة الدامي، بحسب ما تناقله نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلق الباحث السياسي اليمني على الشريف، على هذه الأنباء بقوله: إن هذه الأنباء ليست مستبعدة، لأن العلاقة تأزمت بين صالح والإمارات كثيرًا، حيث كانت علاقته بالإمارات هي الشيء الوحيد المتبقي له، وكان الإماراتيون يفرقون في الخطاب بين علي صالح وبين الحوثيين، ويعتبرون أن المشكلة في الحوثي وليس في صالح.
وأشار "الشريف" في تصريحات خاصة لـ"شؤون خليجية"، إلى أن أحداث الجمعة الدامي الذي أودى بحياة نحو 60 جنديًا إماراتيًا وبحرينيًا وسعوديًا وأكثرهم بالطبع إماراتيين، قد قلبت المعادلة ووترت العلاقة بين علي صالح والإمارات، لافتًا إلى أن المراقبين يرون أن هذا الحادث قضى على تلك العلاقة إلى الأبد، خاصة بعد أن نشر موقع الحرس الجمهوري التابع لعلي صالح تباهيًا بهذه الحادثة، وتوعد بالمزيد، وأنها البداية ليس إلا.
وتحدث "الشريف" عن أن نجل المخلوع علي صالح يتواجد في الإمارات بعدما تم تعيينه سفيرًا لليمن، بموجب قرارات اتخذت خلال العملية السياسية، ولكن هناك أيضًا من يرى أن الإمارات تتمسك بنجل الرئيس المخلوع بسبب أنها تراه البديل الأنسب لتيار الإسلام السياسي، حتى أنها لم تراع مثلًا رفض الشارع اليمني للمخلوع ونجله اللذين خرجت ضدهم ثورة شعبية تتجاوز اختزالها في تيار الإسلام السياسي، بل ذهبت لأبعد من ذلك، أنها غضت الطرف عن تحالف المخلوع مع ميليشيات الحوثي ذات الأجندة الإيرانية.
وقال إنه يرى أن دول مجلس التعاون الخليجي وصلت إلى قناعة بأن المخلوع والحوثي باتوا يشكلون تهديدًا للأمن القومي الخليجي والعربي، وأصبحت أيضًا علاقة نجل المخلوع بالإمارات مهدده بشكل مطلق، بعد أحداث صافر بمحافظة مأرب التي أعلن الحرس التابع لنجل صالح مسؤوليته عنها، وأصبحت السعودية بالدرجة الرئيسية ترى في الحوثي والمخلوع تهديدًا لأمنها بشكل أساسي، وحددت موقفًا واضحًا في اتجاه كسر هذه الميليشيات عسكريًا وإنهاء خطرها على السعودية والخليج.
وأضاف "الشريف": "لا أعتقد أن دولة الإمارات ستختار الرئيس المخلوع ونجله، وتترك علاقتها الاستراتيجية بالسعودية وتصريحات الإماراتيين واضحة في هذا الشأن، وبالذات بعد الحادث الأخير".
محاولات إماراتية لتأمين خروج 60 مليار دولار
يذكر أن المغرد السعودي "مجتهد"، سبق أن كشف معلومات مفادها أن ولي عهد أبو ظبي زار السعودية لتأمين خروج علي صالح وحصانة أمواله في الإمارات المقدرة بـ60 مليار دولار من القرار الدولي، إلا أنه لم يحصل على أي موافقة على طلبه.
كما كشف مصدر دبلوماسي يمني مقيم في الرياض، عن معلومات مفادها أن دولة الإمارات تدعم الحوثيين وحليفهم، قائلاً: "إن صالح ذاته كان يهذي (قبل أيام)- يوليو الماضي- وهو تحت تأثير الكحول، ويقول: إن (الإمارات تدعمنا وتقصفنا في آن واحد.. كيف هذا؟)- بحسب موقع أسرار عربية.
وبحسب المصدر الدبلوماسي اليمني، فإن اعتراف صالح جاء خلال جلسة خاصة مؤخرًا، كان الرجل خلالها ثملاً ويهذي، بسبب مخاوفه من الحرب التي تهدد حياته ومستقبله السياسي بالكامل، مشيرًا إلى أنه غادر اليمن هارباً إلى السعودية في أعقاب تلك الجلسة مباشرة، بعد أن تأكد بأن صالح والحوثيين يلعبون بالبلاد والعباد في اليمن.
ثروة المخلوع صالح بالإمارات
وكانت صحف يمنية قد سربت مطلع العام الماضي، معلومات مفادها أن صالح يملك عدة أبراج في دبي وقام بتهريب مئات الملايين من الدولارات إلى بنوك دبي في عام 2011، مشيرة إلى أنه تم تهريب تلك المبالغ على متن الخطوط الجوية اليمنية إلى مدينة دبي، عند اشتعال ثورة الشباب في اليمن.
ولفتت المصادر التي سربت المعلومات لوسائل إعلام يمنية، إلى أن نجل صالح قام بترتيب وتوسيع استثمارات الأسرة في الإمارات، موضحة أن إقدام صالح على نقل استثماراته جاء كخطوة استباقية، في أعقاب خطوات اتخذتها الحكومة اليمنية ومجلس الأمن الدولي والدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، لاستعادة الأموال المنهوبة .
وكان فريق خبراء تابع لمجلس الأمن قد كشف أن "صالح" جمع ما قد يصل الى ٦٠ مليار دولار خلال ٣ عقود تولى فيها رئاسة اليمن، من خلال أعمال الفساد والاختلاس وفرض العمولات على شركات النفط، وأنه وزع أمواله في نحو ٢٠ دولة بأسماء شركات وأفراد آخرين.