[ أرشيفية ]
يعاني أكثر من 30 مليون نسمة في مثلث الموت (اليمن، الصومال، وجنوب السودان) من نقص حاد في الغذاء، ويواجه نسبة منهم خطر المجاعة.
بل إن بينهم من فارق الحياة فعلا بسبب الجوع، الذي يعد من نتائج الحرب الأهلية، وانتشار الأمراض والأوبئة، ناهيك عن الجفاف الذي يضرب بلدان القرن الإفريقي.
ورغم أن الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها وجهت نداءات استغاثة لدول العالم لدعمها لمواجهة المجاعة وانعدام الأمن الغذائي في البلدان الثلاثة، لجمع مليارين و300 مليون دولار، إلا أن نسبة محدودة جدا من هذه المساعدات تم تسليمها للمنظمات المعنية.
ويزداد الأمر سوءاً في ظل تخوفات من أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الجديد دونالد ترامب بتقليص كبير لمساعداتها الإنسانية، خاصة وأنها تعتبر أكبر دولة مانحة في العالم.
* الصومال.. شبح مجاعة 2011 يلوح في الأفق
تشهد المناطق متعددة في الصومال جفافاً حاداً قضى على رؤوس الماشية التي تعد المصدر الرئيسي للدخل للكثير من العائلات الصومالية، مما أدى إلى نزوح أعداد كبيرة منهم إلى جنوب غربي البلاد.
ومن بين نحو 11 مليون نسمة، إجمالي عدد سكان البلاد، يوجد نحو 6 ملايين و200 ألف نسمة يحتاجون لمساعدات إنسانة عاجلة، وتسبب الجفاف في وفاة ما بين 350 و400 شخص، خلال شهر ونصف الشهر، حسب هيئة الإغاثة الإنسانية التركية "IHH".
ونظرا لشح المياه إجمالا، ناهيك عن المياه الصالحة للشرب، تم تسجيل 13 ألف إصابة بالكوليرا، و343 حالة وفاة.
ورغم دعوات الأمم المتحدة للدول المانحة لتزويدها بـ864 مليون دولار لإغاثة الصوماليين، إلا أنها لم تحصل سوى على ما نسبته 32 بالمئة من هذا المبلغ، جزء كبير منه جاء بفضل المنظمات الإنسانية التركية العاملة في هذا البلد الإفريقي الفقير، على غرار الهلال الأحمر التركي، وهيئة الإغاثة الإنسانية.
ويتخوف نشطاء في الإغاثة من أن تتكرر مجاعة 2011، التي حصدت أرواح 260 ألف إنسان بسبب الجفاف بشكل خاص.
ويقول حسان أينجي، الناشط في هيئة الإغاثة الإنسانية التركية "IHH" إنه إن لم تنزل الأمطار خلال شهرين أو ثلاثة أشهر في الصومال، فنتوقع مأساة أكبر من مجاعة 2011.
لكن أينجي، أشار إلى أن خبراء الطقس أخبروهم أنهم يتوقعون هطول الأمطار خلال الـ40 يوماً القادمة، مما يساعد النازحين في العودة إلى قراهم وممارسة حرفة الرعي.
ولفت إلى أن مدينة بيدوا (جنوب غرب) تنتشر بها 75 مخيم عشوائي، ويضم كل مخيم ما بين 500 إلى 1500 شخص.
وأشار إلى أن خريطة الجفاف تتوزع على كامل أرجاء الصومال، لكنه في المنطقة الجنوبية الغربية أشد، والأوضاع الإنسانية صعبة جدا، خصوصا بالنسبة للأطفال.
وذكر أن بعض الأطفال الصوماليين في سن الثلاث سنوات لا يزنون سوى نحو كيلو ورطل، أي لم يبق في أجسادهم سوى الجلد والعظم والأعضاء الداخلية (القلب والرئة والكلى..)، ويعتبر هؤلاء من المحظوظين الذين تمكنوا من الوصول إلى المستشفى والحصول على وجبة غذائية (طبق من المعكرونة).
وتحدث أينجي، عن توزيع الـ"IHH"، لطرود غذائية على 11 ألف و500 أسرة صومالية على ثلاثة دفعات، تكفيهم لمدة تتراوح ما بين 15 و20 يوماً، كما قاموا بحفر ألف و100 بئر سطحي و5 آبار ارتوازية (عميقة تقدر بمئات الأمتار)، بالإضافة إلى 35 بئراً ارتوازياً بالشراكة مع البنك الإسلامي للتنمية، وإرسال وفد طبي بالتعاون من منظمة أطباب بلا حدود إلى البلاد.
* اليمن.. 19 مليون نسمة يحتاجون للمساعدة الإنسانية
بسبب الحرب الأهلية، التي تضرب البلاد منذ 2014، وصعوبة إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة وأبرزها مدينة تعز (جنوب غرب)، يحتاج نحو 19 مليون نسمة (أكثر من ثلثي سكان البلاد) لمساعدات غذائية، حسب الأمم المتحدة.
وطلبت الأمم المتحدة من المجتمع الدولي جمع مليار و200 مليون دولار لمواجهة انعدام الغذاء الحاد بعد أن وصلت اليمن إلى حافة المجاعة، إلا أنها لم تحصل سوى على 7 بالمئة من المساعدات، مما يعكس عدم وعي إنساني بخطور الوضع في هذا البلد، بالرغم من المساعدات الدولية التي قدمتها أو وعدت بتقديمها دول الخليج وخاصة السعودية.
ووصف حسان أينجي، المسؤول في الـ"IHH" الوضع في اليمن بالصعب جداً، وأعطى مثالاً بأمهات لم يتمكن حتى من إرضاع أطفالهن، بسبب وضعهن النفسي الصعب ونقص الغذاء، واضطرار البعض للمشي خمسة أيام هربا من مناطق الصراع.
وأشار إلى أن اليمن يعاني هو الآخر من الجفاف إلى جانب الوضع الأمني الصعب.
وكشف عن وصول وفد تركي إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، وتنقله بمناطق قريبة من مدينة تعز (المحاصرة)، وسنتقلون أيضا إلى مدينة المكلا (جنوب)، حيث تم توزيع الطرود الغذائية على آلاف الأسر، بالإضافة إلى طرود النظافة إلى الأمهات وأطفالهن، فضلا عن توزيع المياه.
وأكد أن أوضاع الأطفال في اليمن صعبة جداً.
* جنوب السودان.. المجاعة تدفع مئات الآلاف إلى الوطن الأم
عندما انفصل جنوب السودان عن الوطن الأم (السودان) في 2011، كان الاعتقاد السائد أنه بالنظر إلى احتياطات النفط الكبيرة التي تملكها البلاد - مقارنة بعدد سكانها الذي لم يتجاوز حينها 8 ملايين نسمة - فإن جنوب السودان سيتحول إلى أحد بلدان "البترو دولار" بدعم من الدول الكبرى التي ساعدته على الانفصال.
إلا أنه وبعد ست سنوات من الانفصال، يواجه 100 ألف شخص خطر الموت جوعاً، وأعلنت الأمم المتحدة أن 7 ملايين ونصف المليون نسمة في مختلف محافظات جنوب السودان يحتاجون مساعدات إنسانية، أي ثلثي سكان البلاد البالغ عددهم حاليا نحو 11 مليون نسمة.
وتحتاج البلاد إلى 205 مليون دولار قيمة المساعدات الإنسانية لمواجهة المجاعة خاصة في محافظة الوحدة (شمال) الحدودية مع السودان، والتي تحاصرها القوات الحكومية، باعتبارها احد معاقل المتمردين ومسقط رأس زعيمهم ريك مشار.
واضطر السودان إلى فتح ممرات إنسانية لإيصال المساعدات إلى سكان المحافظة، حيث فر نحو 350 ألف فرد من جنوب السودان إلى السودان من أصل مليون ونصف المليون لاجئ خارج البلاد منذ اندلاع الحرب الأهلية في 2013.
وفي هذا السياق أوضح الناشط الإنساني التركي، أن مأساة جنوب السودان ليست بسبب الجفاف، كما هو الحال في كل من الصومال واليمن، ولكنه يعود إلى عدم الاستقرار بسبب الحرب الداخلية، وعدم سماح حكومة جنوب السودان بدخول المساعدات الإنسانية إلى ولاية الوحدة.
أينجي، لفت إلى أن الأطفال والنساء أكبر المتضررين من المأساة الإنسانية في دولة جنوب السودان، حيث توجد مستشفيات بدون أطباء أو تفتقد الكثير من الأدوية اللازمة.
لكنه أوضح أن جنوب السودان لا تعاني من انشار الأوبئة الخطيرة، على غرار الكوليرا التي تنتشر في الصومال واليمن، ولكن مشكلة جنوب السودان سياسية أكثر منها متعلقة بالجفاف أو الأوبئة.
وذكر أينجي، أنهم علموا أن الهلال الأحمر التركي يسعى لإيصال المساعدات الإنسانية إلى محافظة "الوحدة" عبر الحدود السودانية، بعدما فتحوا ممرات إنسانية.
وأشار إلى أن الـ"IHH" أرسلت مؤخرا وفداً إلى "جوبا" عاصمة جنوب السودان، لأنها لا تملك دائما في البلاد عكس اليمن والصومال، وقدمت مساعدات غذائية للنازحين من "الوحدة" إلى "جوبا" في الجنوب.
وأشاد أينجي، بتعاون المنظمات التابعة للأمم المتحدة معهم على عكس الأمر في الصومال.