[ عاصفة الحزم ]
26 مارس من عام عاصفة الحزم 2015، حتما لن يكون تاريخا عابرا في حاضر الأمة العربية والإسلامية ومستقبلها، بل نقطة فارقة وخالدة في ذاكرة ووجدان أجيالها المعاصرة، حين انبرى في ذلك اليوم ملك الحزم المقدام وقائد العزم الشجاع الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة، لنجدة وتلبية استغاثة الشعب اليمني ورئيسه الشرعي فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي، شاهرا قراره التاريخي بإطلاق وقيادة تحالف عربي للتصدي للمشروع الفارسي التوسعي والتدميري، معيدا لهذه الأمة كرامتها وأمجادها القومية واعتزازها بهويتها العروبية الأصيلة ونهجها الإسلامي القائم على الاعتدال والوسطية.
وما من شك أن المؤرخين سيقفون طويلا بالدراسة والبحث أمام ذلك التاريخ الذي سيشكل بالتأكيد علامة ومنطلق في حاضر ومستقبل الأمة العربية والإسلامية، بين ما قبل عاصفة الحزم وما بعدها، حيث استعاد العرب في مرحلة مفصلية استثنائية زمام المبادرة من جديد، وانتفضوا في وجه مشروع مليشيا إيران وأدواتها الذين استخدمتهم كمطايا تمهيدا لتحقيق حلمها البائس في إعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية، وطمس الهوية والانتماء العربي الراسخ في أعماق وجذور التاريخ، وتحاول تصدير تجربتها الفاشلة والعقيمة لنظام الملالي الرافضين منذ حوالي أربعة عقود، أن تتحول ثورتهم المزعومة إلى دولة، ويتمسكون بولاية الفقيه المغلفة بغطاء ديني للمذهب الشيعي الاثني عشري، الذي ينبغي -بحسب زعمهم- أن يدين أتباعهم في أي دولة بالولاء لذلك الكهنوت في (قم)، دون اعتبار للهوية أو الجنسية، في سبيل تحقيق طموحاتها الواهمة.
ويتزامن انقضاء العام الثاني من عاصفة الحزم، مع اقتراب الحسم وبشائر الانتصار الكبير على مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية الذين باتوا محاصرين في رقعة محدودة، ووصول طلائع الجيش الوطني والمقاومة الشعبية إلى مشارف العاصمة صنعاء، بعد أن نجحوا بدعم وإسناد التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن من استعادة أكثر من 80% من الأراضي التي كانت تحت سيطرة أذناب إيران قبل أن يباغت مشروعهم عودة التماسك والوحدة العربية مع استشعار الخطر الفارسي الشيعي الداهم الذي انتحر وسحق على جدار عروبة اليمن الأزلية.
ولم يكن غريبا انطلاق عاصفة الحزم لقطع رأس الأفعى للمشروع الفارسي، الذي تمادى وراهن على أن العرب في حالة "ضعف وتشرذم"، ليطل بوقاحة وغطرسة في مهد وأصل العروبة اليمن، الذي استغاث شعبها واستنجد رئيسها الشرعي عبد ربه منصور هادي بجيرانه الأوفياء في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي المستهدف الحقيقي من إيران وأياديها وأدواتها القذرة داخل اليمن.
عامان منذ انطلاق عاصفة الحزم في السادس والعشرين من مارس، وقد نجحت في سحق وإفساد خطط إيران ومشروعها، فأدواتها المتمثلة في مليشيا الحوثي وصالح احتاطت لكل الاحتمالات بعد شروعها بتنفيذ أوامر سادتها وداعميها في قم، باستكمال السيطرة على اليمن بقوة السلاح عقب انقلابها على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014 واجتياحها للعاصمة صنعاء، لكن ما غاب عنها ولم يدر في خلدها أو حتى في أشد كوابيسها رعبا، أن هناك قائد عربي استثنائي في لحظة تاريخية فاصلة لن يقبل أن تتحول مهد العروبة وشعبها الأصيل إلى خنجر صفوي مسموم في خاصرة الخليج.
اجتاح طرفي الانقلاب (الحوثي وصالح)، وهم يستكملون بغطرسة وصلف آخر مراحل العملية الانقلابية بتحريض ودعم إيراني واضح، بالتمدد إلى عدن جنوبا وشبوة شرقا والحديدة غربا ومأرب والجوف شمالا، وخروج سادتهم في طهران معلنين سقوط صنعاء العاصمة العربية الرابعة في قبضتهم، نشوة عارمة لكنها لم تدم طويلا وانتزعتها أنياب ومخالب عاصفة الحزم، مجهضة أحلامها ومنذرة باقتلاع مشروعها الفارسي من المنطقة العربية والإسلامية بشكل عام.
وحينما شعرت إيران بأن العرب بقيادة ملك الحزم والعزم بات لهم درع وسيف وأنياب برزت بعد صبر طويل من إفساح المجال للدبلوماسية وعدم تحقيق نتيجة، لدرء تدخلاتها السلبية في العالَم العربي براً وبحراً وسياسات، بدأت تعيد حساباتها وتتخلص من سكرة غطرستها واستقوائها وتوجهها العدائي وتحريضها السافر، لتظهر مؤخرا أصوات ساستها وجنرالاتها في الحرس الثوري للمرة الأولى مطالبة بالحوار مع السعودية والخليج والعرب بصورة عامة، فالردع القوي لأدواتهم في اليمن وقبلها في البحرين، وتغيير معادلات التوازن الإستراتيجية لصالح الأمة العربية، جعلهم يستخلصون العبرة أن تجربتهم محكومة بالفشل، ولم يعد الأمن القومي العربي بعد الآن عرضة لابتزازهم وأطماعهم.
وسبق ذلك ان إيران مع بدء الإنهاء التدريجي لعزلتها الخارجية والحصار المفروض عليها من المجتمع الدولي، بعد التوصل إلى اتفاق حول ملفها النووي مع الدول الكبرى وأمريكا التي كانت تعتبرها الشيطان الأكبر وأن أي اتفاق معها يشكل خيانة عظمى، كرست جهدها للهجوم على العرب والعروبة ورموزها وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، وجاهرت أكثر من أي وقت مضى بسياساتها العدائية الفجة وتدخلاتها السافرة في شؤون الدول العربية الداخلية، وبالغت في مضاعفة تصدير الفتن الطائفية وإطلاق عواصف التعصب المذهبي، ونشطت في سياسة تصدير عابرة للحدود لثورتها الإسلامية المزعومة مدعومة من نظرية "ولاية الفقيه"، والمنصوص عليها في دستورها، وذلك برعاية ودعم ميليشيات مسلحة في دول عربية بمن فيها اليمن، العراق، سوريا ولبنان.
لذا لم يكن أمام الأمة العربية والإسلامية متسع من الوقت للتغاضي عن استمرار ازدواجية إيران الدولة والثورة، في رعونتها ومضيها بغطرسة وراء أحلامها الإمبراطورية دون مراعاة للقوانين والأعراف ومبادئ حسن الجوار، وتغولها في تفكيك الدول العربية واحدة تلو الأخرى، وتغذية الإرهاب والتطرف، وانتهاج سياسة التدمير وطمس الهوية العربية وتشييع الإسلام، كوسيلة لتحقيق مشروعها غير آبهة بالتداعيات الكارثية لتصرفاتها الميليشاوية التي تؤثر على العالم بمجمله.
ومع انطلاقة عاصفة الحزم لدول التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية وملكها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أدرك الجميع على المستوى الإقليمي والدولي أن وضع العالم العربي الذي عرفوه واعتقدوا في مرحلة ما أنه فريسة سهلة ذهب بغير رجعة، وها قد أصبح لقرابة 400 مليون عربي قيادة جامعة، نصيرة لقضاياهم ومؤتمنة للحفاظ على حاضرهم ومستقبل أجيالهم، ومن المنطقي أن يحسب الآخرون لهذه الأمة ألف حساب بعد أن أبرزت أنيابها مدافعة عن العروبة في اليمن، بأنها يمكن أن تبرزها مرة أخرى متى ما استدعت الحاجة لذلك.
وها هي اليمن قيادة وحكومة وشعبا ومعها أشقائها الأوفياء في دول التحالف العربي بقيادة السعودية وبعد عامين من عاصفة الحزم وإعادة الأمل المؤيدة والمباركة بدعم وإجماع عالمي غير مسبوق، وبالاتكاء على قرارات الشرعية الدولية ممثلة في مجلس الأمن الدولي، قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلم وتطلعات الشعب اليمني باستعادة كامل دولته ومؤسساته المختطفة من قبضة المليشيا الانقلابية، لمواصلة بناء اليمن الاتحادي الجديد وتنفيذ بقية خطوات الانتقال السياسي التي انقضت عليها المليشيا المسلحة بإيعاز إيراني في واحدة من أسوأ تقديراتها وخياراتها غير المحسوبة.
وكما كانت دول التحالف العربي طوال عامين من عاصفة الحزم حاضرة بالدعم والإسناد العسكري اللوجستي لاستعادة الشرعية وإنهاء الانقلاب، فإنها أولت إعانة الشعب اليمني المنكوب اهتماما مضاعفا بالإغاثة والمساعدات الإنسانية، وتخفيف المعاناة التي زرعتها ميليشيا الانقلاب في كل شبر من أراضي اليمن دنسته بمسلحيها، تاركة قصص مرعبة من حكايات القتل والتدمير والتنكيل والانتهاكات وجرائم الحرب التي يندى لها جبين الإنسانية.
لقد شكلت نجدة دول التحالف العربي والدور المشهود بقيادة السعودية ملكا وقيادة وحكومة وشعبا، رسالة بالغة الأثر والعرفان في نفوس الشعب اليمني الذي لن ينسَ وسيخلد في ذاكرته بأحرف من نور هذا الدور والموقف الأخوي الصادق والمشرف، بالوقوف إلى جانبهم ومساندتهم للتغلب على أعنف مليشيا إجرامية وانقلابية حاقدة عرفوها على مدى تاريخهم، وتخليصهم من هذا الطارئ والمحنة التي عصفت بهم، وكادت أن تتحول إلى جائحة تهدد أمن واستقرار المنطقة والإقليم والعالم والملاحة الدولية في مضيق باب المندب.
ويقتضى واجب الإنصاف والوفاء، في هذه اللحظة أن نتذكر بإجلال وإكبار شهداء دول التحالف العربي الأبطال الذين امتزجت دماؤهم مع دماء إخوانهم اليمنيين في ملحمة عربية أسطورية على تراب هذا الوطن الطاهر، وهم يقومون بواجبهم في حماية العروبة والإسلام وإيقاف المد الفارسي ومشروعه التدميري والتخريبي أينما حل، فلكم أيها الشهداء الأبرار الرحمة والخلود والدرجات العليا في الجنة، ولرفاقكم من الجرحى الشفاء العاجل، والعهد لكم أن ما ضحيتم من أجله وقدمتم في سبيله أرواحكم ودمائكم سيتحقق قريبا جدا، فنحن مدينون بذلك.
وهي تحية واجبة لأولئك الأبطال الصناديد الذين يسطرون يوميا الانتصارات المتوالية ويحققون التقدم في كل الجبهات على بقايا المليشيا الانقلابية المهزومة والمنكسرة، وباتوا على وشك أن يزفوا البشرى الكبرى للشعب اليمني وكل الشعوب العربية بضرب المسمار الأخير في جسد أدوات إيران ومرتزقتها في موطن ومهد العروبة.