شهدت اليمن منذ استيلاء المتمردين الحوثيين على العاصمة صنعاء، في 21 سبتمبر/أيلول 2014، انتهاكات غير مسبوقة لحقوق الإنسان، خصوصا حق العيش، بحسب منظمة رايتس رادار الحقوقية.
وقالت المنظمة في تقريرها الأول، الصادر في يناير 2017، والذي رصدت فيه انتهاكات الحوثيين بحق اليمنيين، إن استيلاءهم على العاصمة صنعاء أفرز واقعا جديدا تميز بانتهاكات حقوق الإنسان ضد النشطاء السياسيين والحقوقيين والصحفيين والمتظاهرين السلميين والمهنيين العاملين مع وسائل الإعلام.
وذكّر التقرير بالإجراءات التي سبقت الانقلاب، منها تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة خالد بحاح، في نوفمبر 2014، والتي ضمت جميع الأحزاب والكيانات السياسية المختلفة التي وقّعت على المبادرة الخليجية ومن جماعة الحوثيين والحراك الجنوبي أيضاً، مشيرا إلى أنه بالرغم من ذلك، واصلت جماعة التمرد الحوثية خطاب الكراهية ضد معارضيها وتسميتهم بأنصار داعش أو والتكفيريين، جنباً إلى جنب مع الاغتيالات الغامضة ضد قيادات سياسية رفيعة بما فيهم أعضاء من جماعة التمرد نفسها.
مشهد من انتهاكات حقوق الإنسان
تقول المنظمة إن المتمردين الحوثيين قاموا بمهاجمة مدن يمنية عدة من بينها مدينة تعز، منذ بداية عام 2014، متسببين في سقوط ضحايا من المدنيين، بالإضافة إلى قيامهم بحملات اعتقال تعسفية، وعمليات تعذيب وقتل للسجناء، وقصف للمنازل والمباني، مع الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى.
ليس هذا فقط -بحسب التقرير- بل قام الحوثيون بفرض العقاب الجماعي على المدنيين في المدن التي يهاجمونها عن طريق فرض حصار كامل على المدنيين والمواد الأساسية للعيش، وقطع مرتبات الموظفين وجميع المساعدات الأجنبية وتسخيرها في أعمالهم العسكرية "المجهود الحربي".
انتهاك حق العيش
أشارت المنظمة إلى أن انتهاك حق العيش هو من أكثر الحقوق الإنسانية المنتهكة من قِبل جماعة التمرد الحوثية منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء وحتى وقتنا الحاضر، حيث جاء على رأس تلك الانتهاكات القتل العشوائي، والذي وصل مستوى لم يصل إليه من قبل.
وأضافت المنظمة "اتخذ الحوثيون وسائل عدة لانتهاك حق العيش، حيث بدأ هذا الانتهاك بقمع الاحتجاجات السلمية بإطلاق الرصاص الحي والقصف العشوائي على التجمعات السكانية والأحياء السكنية وانتهت بزرع الألغام الأرضية على الطرقات أو التعذيب الشديد في السجون".
وتقول المنظمة بأن جماعة الحوثيين لم تكتفي بقتل المدنيين بدم بارد فقط، بل اتخذت وسائل خطيرة جداً ضد الحقوقيين عن طريق وضعهم كدروع بشرية في مواقعهم العسكرية لغرض استهدافهم بطائرات التحالف العربي.
الإغتيالات السياسية
وأشارت منظمة رايتس رادار، في تقريرها، إلى أن جرائم الاغتيالات السياسية ضد القادة السياسيين لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف به دولياً والتجمع اليمني للإصلاح وأيضاً الجناح المعتدل من جماعة الحوثيين أصبحت متفشية جداً عقب انقلاب الحوثيين وحلفائهم.
ولفتت إلى حادثة اغتيال الدكتور أحمد شرف الدين، القيادي البارز في حزب الحق وعضو في مؤتمر الحوار الوطني، عن طريق إطلاق الرصاص عليه في أحد الطرق الرئيسية من قبل مسلحين مجهولين، في يناير/كانون الثاني من العام 2014.
وفي 18 نوفمبر، أُغتيل الأمين العام المساعد لحزب التجمع اليمني للإصلاح، صادق منصور الحيدري، في مدينة تعز عن طريق قنبلة وضعت في سيارته، إضافة إلى اغتيال الناشط في المجال الإنساني والعضو في حزب الإصلاح عبده المدومي، في 21 مايو 2015، بعد تلقيه تهديدات من مسلحين حوثيين في حي السنينة بصنعاء.
وأشار تقرير المنظمة إلى أنه لم تعلن أي من الجهات الأمنية أو المسؤولة في جماعة المتمردين الحوثيين عن بدء أي تحقيق في جرائم الاغتيالات أو جرائم قتل المتظاهرين السلميين أو القادة السياسيين ولم يقوموا سوى بإعلان الاتهامات السياسية التي تم توظيفها آنذاك للتخلص من خصومهم السياسيين.
القتل بدم بارد
تقول المنظمة بأن جماعة المتمردين الحوثيين لم تكتفِ بشن الهجمات ضد المدن اليمنية وإستهداف معارضيهم السياسيين والصحفيين والمتظاهرين السلميين فيها فقط، بل قامت بقتل المواطنين العزل، مستدلة بالعديد من حالات الإعدام المروعة التي لم تشهدها اليمن من قبل، والتي كشفت عدم احترام هذه الجماعة (الحوثيين) لحق المدنيين في العيش.
وسجلت منظمة رايتس رادار ووكالات حقوقية أخرى العديد من حالات القتل غير القانونية التي قامت بها جماعة المتمردين الحوثيين بدم بارد، عند نقاط التفتيش العسكرية وطوابير المواطنين في محاطات التزويد بالبنزين وأثناء مداهمة المنازل وأيضاً في المؤسسات الحكومية.
وأشارت إلى أن الحوثيين أعدموا، في أغسطس 2016، أربعة من زعماء قبيلة آل عمر في محافظة البيضاء بعد اختطافهم من منازلهم، وهم الشيخ أحمد صالح العماري، والشيخ محمد أحمد العماري، والشيخ صالح سالم البنا، وصالح أحمد صالح العمري، حيث تم العثور على جثثهم لاحقاً في إحدى الأراضي الزراعية في المحافظة.
كما قامت قوات موالية للرئيس المخلوع علي صالح وللحوثيين، في 14 أبريل من عام 2014، بقتل بشير شحرة بدم بارد أمام أفراد عائلته بعد محاصرة وإقتحام منزلة في محافظة إب، بالرغم من استسلامه المطلق لهم أثناء اقتحامهم لمنزله، حيث أفاد مواطنون أن سبب قتله هو رفضه لأن يحل محل إمام المسجد إمام آخر من جماعة الحوثيين.
الموت بالتعذيب
أشار تقرير منظمة رايتس رادار إلى أن وتيرة التعذيب للسجناء القابعين في سجون الحوثيين زادت بشكل كبير، حيث تحدث العديد من الناشطين عن سوء المعاملة في هذه السجون أثناء مدة اعتقالهم، في حين قدرت بعض منظمات حقوق الإنسان الوفيات من المدنيين الذين يتعرضون للتعذيب بحوالي 71 حالة وفاة في مختلف أنحاء اليمن.
ولفتت إلى أن هناك أنواع مختلفة للتعذيب الذي يستخدمه الحوثيون ضد معارضيهم في السجون التابعة لهم، كالضرب الجسدي والصدمة الكهربائية والحرمان من الاتصال بأفراد أسرهم، بالإضافة إلى حالات الاحتجاز السيئة، في حين يطلب الحوثيون أحيانا فدية من أهل السجين مقابل إطلاق سراحه.
وأشارت المنظمة في تقريرها إلى أنه تم العثور على جثة مجاهد محمد حمد الزيدي، وهو أحد مواطني منطقة بعدان مقتولاً، في يوم 7 فبراير 2016، في سجن الأمن السياسي الذي تستخدمه ميليشيات الحوثي كسجن لمعارضيها، مبيّنة أنه تم احتجاز مجاهد وإخوته في السجن لأكثر من 47 يوما، في حين قالت أسرته إنه تعرض لجلسة تعذيب وحشية في اليوم الثالث من اختطافه على أيدي المتمردين أدت إلى وفاته على الفور.
وفي 29 يناير 2016، تلقت عائله الجابري ابنها منيف، البالغ من العمر 27 عاماً، مقتولاً نتيجة لشدة التعذيب الذي تلقاه على أيدي جماعة التمرد داخل السجن في حي الكرامة في أمانة العاصمة، حيث وُجدت آثار كثيرة للتعذيب في كافة أنحاء جسمه، كما تم تهديد عائلته بعدم نشر هذه القضية في وسائل الإعلام أو منظمات حقوق الإنسان، حسب تقرير المنظمة.
الجدير بالذكر أن منظمة رايتس رادار هي منظمة غير حكومية تقوم بمراقبة والدفاع عن حقوق الإنسان في العالم العربي، تأسست من قِبل مجموعة من الداعمين والناشطين في مجال حقوق الإنسان الذين يغطون جميع موضوعات وحقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة وحقوق الطفل والأشخاص ذوي الإعاقة وحقوق الأسرى وغيرها.