[ ارشيفيه ]
يشهد اليمن منذ بداية 2017 تصعيدا عسكريا على مختلف جبهات القتال، ترافقه تصريحات ملتهبة من طرفي الصراع، في مؤشر على أن الخيار العسكري سيكون الأبرز في العام الجديد، مقابل تراجع فرص الحل السياسي.
وبدعوى تهميشهم اقتصاديا وإقصائهم سياسيا، سيطر مسلحو تحالف جماعة "أنصار الله" (الحوثي) والرئيس السابق علي عبد الله صالح، على العاصمة صنعاء، في 14 سبتمبر/ أيلول 2014، ثم محافظات أخرى، وسط اتهامات لهم بتلقي دعم عسكري إيراني.
وهو ما رد عليه تحالف عربي تقوده السعودية، بإطلاق عملية عسكرية، في 26 مارس/ آذار 2015، بناء على طلب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي؛ لردع "الحوثي وصالح"، لكن ورغم مرور أكثر من عشرين شهرا، لم ترجح المعارك كفة طرف على آخر.
اجتماع عمان
وفيما كان الشارع اليمني يأمل أن تنجح منظمة الأمم المتحدة في إخماد الحرب من خلال اجتماع لجنة التهدئة الذي كان مقررا بالعاصمة الأردنية عمّان، تضاءلت فرص السلام لصالح التصعيد العسكري.
مصدر حكومي، طلب عدم نشر اسمه، صرح للأناضول بأن "الحوثيين وحزب صالح (المؤتمر الشعبي العام) يحاولون إفشال مشاورات الأردن برفضهم إرسال أسماء ممثليهم في اللجنة العسكرية.. الجانب الحكومي أبدى استعداده لإرسال ممثليه، لكن تخلف وفد الحوثيين عرقل الاجتماعات التي كانت مقررة الأسبوع الجاري".
لكن مصدرا مقربا من مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، قال للأناضول إن "الجهود متواصلة لعقد اجتماعات عمان مطلع الأسبوع المقبل، خصوصا بعد انتهاء إجازة مبعوث المنظمة الدولية".
أزمة الخارطة الأممية
وبينما لا يوجد سبب معلن لتخلف الحوثيين وحزب صالح عن إرسال أسماء ممثليهم، أوضحت مصادر سياسية للأناضول أن "الحوثيين وصالح يتخوفون من احتمال تعديل خارطة الطريق الأممية، بناء على طلب الوفد الحكومي، بما يضمن عدم المساس بشرعية الرئيس هادي، وعدم نقل صلاحياته إلى نائب رئيس توافقي كما تنص النسخة الراهنة من الخارطة".
ولا تزال الأمم المتحدة تبحث عن حل توافقي ينهي النزاع المتصاعد منذ أكثر من 600 يوم، ففرض الخارطة الأممية بنسختها الراهنة لن يجلب السلام إلى هذا البلد.
إذا تتمسك الحكومة الشرعية ومؤيدوها بتعديل الخارطة، ليبقى هادي رئيسا كامل الصلاحيات حتى إجراء انتخابات، وهو تعديل لن يقبل به تحالف الحوثي وصالح، رغم أنهم سيكونون شركاء في حكومة وحدة وطنية.
تكثيف للقتال
مع تعقد المشهد السياسي، لجأ طرفا النزاع إلى فرض سيطرتهم على المزيد من الأراضي، قبيل انطلاق مشاورات الأردن، على أمل أن يحسن ذلك من مواقفهم التفاوضية.
القوات الحكومية من جانبها كثفت قصفها لمواقع الحوثيين في نهم شرقي صنعاء، والبقع في محافظة صعدة (شمال)، وما تبقى من جيوب لهم في محافظتي شبوة (شرق) وتعز (جنوب غرب).
بالمقابل، شن مسلحو جماعة "أنصار الله" هجمات على مواقع سعودية في الشريط الحدودي مع اليمن، واعتبر الناطق باسم الجماعة محمد عبد السلام، في بيان بمناسبة العام الجديد، أن نقل المعارك إلى "جبهة ما وراء الحدود هو حق مشروع".
"عام التحرير والنصر"
بدورها، تنظر القوات الحكومية إلى 2017 على أنه "عام النصر"، إذ قال المتحدث باسم الجيش الوطن في تعز، العقيد منصور الحساني، إن "العام الجاري سيكون عام التحرير والنصر واستعادة دولتنا والخلاص من الانقلاب التدميري"، في إشارة إلى تحالف الحوثي وصالح.
الحساني، وفي تصريح للأناضول، تابع بقوله: "لم نعد نثق بأن هناك حلا سياسيا وعملية سلام مع مليشيا لا تعرف معنى السلام وتقتل الشعب كل يوم؛ لذا نحن نتجه هذا العام نحو حسم المعركة عسكريا، وليس أمامنا من خيار سواه.. نحن في الجيش الوطني بمحافظة تعز نرى أن هذا العام سيكون عام تحرير ما تبقى من المحافظة، وهو 20%".
التوجه الحكومي الكبير نحو الخيار العسكري في 2017 أكده مصدر في الجيش الوطني، طلب عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث للإعلام، حيث قال للأناضول: "في العام الماضي استنزفنا قوة الحوثيين بشكل كبير، وهذا هو عام النصر الكامل".
معتبراً أن "الحديث عن السلام في ظل استمرار الانقلاب ليس سوى تخدير.. سنمضي نحو هدفنا، والجيش الوطني أصبح الآن قوة ضاربة، وبمقدوره قلب الموازين في أكثر من جبهة".
تفاقم المعاناة الإنسانية
مع تعمق الانقسام السياسي وتوقف صرف رواتب موظفي الدولة، وتصاعد التحشيد العسكري للمقاتلين من الجانبين، يتوقع خبراء أن يكون عام 2017 أشد ضراوة من سابقيه.
الكاتب والخبير السياسي اليمني، عبد الباري طاهر، اعتبر أن "كل الدلائل والمؤشرات والمعطيات والخطوات المنفردة من قبل الأطراف، والإصرار على حسم عسكري، تفيد بأن الحل السياسي لا يزال بعيد المنال".
طاهر أضاف في حديث للأناضول أن "الإرادة الوطنية للحل السياسي غائبة مع الإصرار على الحسم العسكري، كما أن استمرار الصراع في المحيط الإقليمي، من العراق إلى سوريا وليبيا، لا يبشر بحل سياسي قريب للأزمة اليمنية".
ومع استمرار الصراع، توقع الخبير اليمني أن "تتفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل أكبر مما هي عليه، بسبب الصراع الدائر على الحكم فقط دون الاهتمام بالمواطن، وظهور قوى جديدة على ستكون أكثر دموية وميلا للحرب".
وجراء الحرب سقط حتى الآن أكثر من 10 آلاف قتيل، وجُرح ما يزيد عن 35 ألف، فضلا عن نزوح قرابة ثلاثة ملايين شخص، فيما بات 80% من السكان البالغ عددهم قرابة 26 مليون نسمة، بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بحسب الأمم المتحدة التي بينت أن نحو مليوني طفل يمني يعانون من سوء التغذية، ويموت طفل منهم كل عشر دقائق، وذلك وسط تحذيرات من انهيار القطاع الطبي خلال 2017.
بدوره، اعتبر الكاتب والخبير السياسي اليمني، أيمن نبيل، أن "2017 سيكون عاما ضاريا على كافة المستويات، وخصوصا في الجانب العسكري"، مرجحا في حديث للأناضول أن "تحقق القوات الحكومية ما فشلت فيه خلال العام الماضي"، في إشارة إلى استعادة السيطرة على مناطق سيطرة تحالف الحوثي وصالح، ولاسيما العاصمة.