بعد ساعات من انتهاء هدنة الـ48 ساعة، والفشل في تمديد وقف إطلاق النار، أجرى الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، تغييرات واسعة في قيادة الجيش، فسرها مصدر حكومي بالتمهيد لعمليات عسكرية أوسع، يذهب عسكريون وخبراء إلى أنها تشمل بالأساس التركيز على تحرير محافظة تعز (وسط) من قبضة مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثي).
فبالتزامن مع إعلان الحكومة استئناف القتال إثر فشل الهدنة، قرر الرئيس اليمني، يوم الإثنين الماضي، تعيين اللواء أحمد سيف اليافعي نائبا لرئيس هيئة الأركان العامة، وهي الجهة المشروفة بشكل رئيسي على عمليات تحرير المحافظات، مع تعيين اللواء فضل حسن بدلا عنه في قيادة المنطقة الرابعة، المشرفة على محافظات عدن، أبين، لحج، الضالع وتعز.
وأطاح هادي باللواء عبد الرحمن الحليلي من قيادة المنطقة العسكرية الأولى، المرابطة في سيئون بمحافظة حضرموت (شرق)، وعين بدلا عنه اللواء الركن صالح محمد طيمس، الذي كان قائدا للواء 37 مدرع.
وكان لافتا تعيين العقيد أحمد حسين الضراب رئيسا لأركان حرب المنطقة العسكرية الأولى في وداي حضرموت، ثم الإطاحة به يوم الأربعاء الماضي، ليحل محله العميد يحي محمد أبو عوجا في قيادة المنطقة، التي تشرف على منابع النفط (شرق) ومنفذ الوديعة، آخر منافذ اليمن البرية مع السعودية.
وبعيدا عن قادة المناطق العسكرية، جرى تعيين القائد العسكري المناهض للحوثيين، ثابت مثنى جواس، قائدا لمحور "العند"، وقائدا للواء 131 مشاه المرابط في محافظة لحج (جنوب)، والعميد فهمي محروس الصيعري، قائدا للواء 11 حرس حدود، والعميد عبد الكريم الزومحي نائبا لمدير دائرة العمليات الحربية.
تمهيد لعمليات أوسع
ولم تعلن الرئاسة اليمنية أسبابا لهذه التغييرات العسكرية، لكن مصدرا حكوميا مسؤولا، طلب عدم نشر اسمه، قال لوكالة الأناضول، إن تلك "التغييرات تفرضها متطلبات الواقع العسكري على الأرض، وتعد تحضيرا لعمليات عسكرية أوسع".
وبينما أحجم المصدر الحكومي عن تحديد ميادين العمليات العسكرية المقبلة، تتصاعد ترجيحات مراقبين باحتمال تركيز الجيش اليمني والمقاومة الشعبية، وبدعم من التحالف العربي بقيادة السعودية، بالأساس على تحرير محافظة تعز، التي يسكنها نحو ثلاثة ملايين نسمة يعانون أوضاعات معيشة صعبة للغاية جراء الحصار والقتال.
وهي ترجيحات يدعمها المراقبون بأن تغييرات هادي شملت قائد المنطقة العسكرية الرابعة، التي تضم خمس محافظات، أربع منها محررة، بينما لا تزال تعز في قبضة المسلحين الحوثيين وحلفائهم من المسلحين الموالين للرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، المتهمين بتلقي دعما عسكريا إيرانيا، وهو ما تنفيه طهران.
ولتعز (256 كم من صنعاء) أهمية إستراتيجية تننبع من إشرافها في البحر الأحمر على ميناء المخا ومضيق باب المندب، أحد أهم ممرات الملاحة الدولية، فضلا عن توسط المحافظة (10008 كم مربع) لشمال وجنوب اليمن، حيث تقع جنوب العاصمة السياسية صنعاء وشمال العاصمة المؤقتة عدن؛ ولهذا جعل مسلحو "الحوثي- صالح" من تعز مركزا ينطلقون منه إلى المحافظات القريبة.
ورأى المحلل السياسي اليمني المهتم بالشؤون العسكرية، عبد العزيز المجيدي، في حديث مع الأناضول، أن "تغييرات هادي العسكرية تمثل مؤشرا على تغيير ما قادم.. ربما يرتبط باستراتيجية الحرب عبر تغيير رؤية التحالف العربي والسلطة الشرعية لمكامن القوة والضعف التي يجب العمل عليها لتحقيق مكاسب ميدانية تسند الموقف السياسي للحكومة في مواجهة الانقلابيين".
وبدعوى المعاناة من تهميش اقتصادي وإقصاء سياسي، سيطر تحالف "الحوثي- صالح" المسلح على العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، ثم محافظات أخرى، وهو ما رد عليه التحالف العربي بإطلاق عملية عسكرية يوم 26 مارس/ آذار 2015، بناء على طلب الرئيس هادي؛ لدعم السلطة الشرعية في اليمن.
ولا يمكن الحكم على فعالية تغييرات هادي في القيادة العسكرية، بحسب المجيدي، "حتى نرى تحركا عمليا للقطع الحربية، خصوصا باتجاه تعز، المحافظة المنسية، والتي تشكل مفتاح الانتصار الحقيقي للسلطة الشرعية والتحالف".
وموضحا، مضى قائلا: "عندما نرى تحركا من الغرب من اتجاه باب المندب، ذوباب والمخا، وشرقا من كرش والراهدة، وإطلاق عملية واسعة لتحرير تعز، بالتزامن مع متابعة المعارك في بقية الجبهات، سنكون وقتها نشهد إرادة سياسية حقيقية تبحث عن النصر، وليس تبديل ولعب الأوراق لممارسة المزيد من الضغط السياسي فقط".
حسم معركة تعز
ومنذ تغيير قائد المنطقة الرابعة، التي تشمل تعز، والذي كان يتردد أنه لا يتجاوب جيدا مع قرار تحرير المحافظة، تتصاعد آمال مقاتلي المقاومة الشعبية والجيش الوطني في تحرير المحافظة، التي تشهد معارك متصاعدة مع الحوثيين منذ منتصف أبريل/ نيسان 2015.
وقال الناطق باسم المجلس العسكري في تعز (يضم قيادات من الجيش والمقاومة بهدف التنسيق)، العقيد منصور الحساني، للأناضول: "نحن متفائلون بأن التغييرات في القيادة العسكرية ستحمل بشارات حسم معركة تعز.. تحريك جبهة كرش (شرق المحافظة) وجبهة مضيق باب المندب (غرب) في اتجاه مدينة تعز سيسرع من عملية تحرير المحافظة".
وبشأن كيفية تلقيهم لنبأ تغيير قائد المنطقة العسكرية الرابعة، أجاب الحساني: "نكن للجميع كل الاحترام، وقضية تحرير تعز لا ترتبط بأشخاص، فهي قضية قرار سياسي وإمكانيات وترتيب وأولويات".
وفي تلميح ربما يعكس عدم رضا، تابع قائلا: نقدر القائد السابق للمنطقة ونلتمس له العذر، فالوضع استثنائي والظروف مختلفة، وندعو للقائد الجديد بالتوفيق، ونبدى كل الاستعداد للتعاون وتذليل الصعوبات أمام المهام العسكرية".
حتى تنصيب ترامب
توقيت التصعيد العسكري المحتمل، بحسب المصدر الحكومي، خصوصا بعد فشل اتفاق مسقط، الذي رعاه وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، يرجعه مراقبون إلى رغبة الحكومة الشرعية في استغلال الفترة القادمة حتى تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب (يوم 20 يناير/ كانون الثاني المكقبل)، في استعادة السيطرة على مزيد من الأراضي، وتحسين شروط التفاوض، تمهيدا لاحتمال العودة إلى طاولة المفاوضات.
ودون جدوى، قدم المجتمع الدولي العديد من المبادرات لحل النزاع اليمني، ورعت منظمة الأمم المتحدة 3 جولات من مشاورات السلام، لكنها أخفقت في وضع نهاية لهذه الأزمة، لا سيما مع رفض خارطة طريق أممية ينص أحد بنودها على نقل صلاحيات الرئيس هادي إلى نائب رئيس جديد توافقي حتى إجراء انتخابات عامة.
ومع كل استئناف للقتال، إثر فشل أكثر من هدنة إنسانية، تتفاقم معاناة اليمنيين، فبحسب الأمم المتحدة، بات 80% من سكان اليمن، البالغ عددهم حوالي 26 مليون نسمة، بحاجة إلى مساعدات إنسانية، فيما يعاني نحو مليون طفل يمني من سوء التغذية.
وإضافة إلى قرابة ثلاثة ملايين نازح داخل اليمن، لجأ ما يزيد عن 170 ألف يمني إلى خارج البلد العربي؛ هربا من الحرب، التي أودت بحياة أكثر 10 آلاف شخص، وأصابت أكثر من 35 ألف آخرين بجروح، وفقا لأحدث إحصاء للأمم المتحدة في أغسطس/ أب الماضي.