"إيران تشتري سوريا والعراق واليمن".. فعلى غرار ما فعله الاحتلال الإسرائيلي بفلسطين، تسير إيران على نفس الخطا أملاً في تغيير ديموغرافي بالبلدان التي سيطرت عليها سياسياً وعسكرياً عبر مليشياتها، حيث انطلق التجار والمقاولون الإيرانيون بدعمٍ من الحكومة الإيرانية وتسهيلات من حكومات الأنظمة لشراء العقارات والأراضي السكنية.
وأملاً في تحقيق حلمها بالإمبراطورية الفارسية، لا تكتفي إيران بدعم حلفائها وإنشاء مليشيات تابعة لها فحسب، وإنما تستخدم وسائل وأدوات مختلفة لإحكام السيطرة على هؤلاء الحلفاء وبلدانهم، وتنوع أساليب الابتزاز ومطالبتها برهن عقارات أو بيعها مقابل دعمها المشروط.
ولحصول تلك الأنظمة على الدعم المشروط، فإن ثمة قوانين جديدة أو قرارات رئاسية تجيز بصلاحيات واسعة أو مطلقة العقاريين الإيرانيين، بحيث تتجاوز تلك الصلاحيات والقرارات حقوقاً لا يحصل عليها المواطنون العاديون، مثلما تدخل رئيس النظام السوري بشار الأسد، على سبيل المثال، بسن قوانين وإصدار مراسيم رئاسية تسمح ببيع الأراضي وشرائها بناءً على الربحية التشاركية.
ففي عام 2013 أصدر النظام السوري القانون رقم 25 الذي يسمح فيه بتبليغ أي مدعى عليه بالدعوى غيابيّاً، عن طريق الصحف، في حال لم يحضر إلى المحكمة. ومن ثم سهّل مثل هذا القانون شراء الإيرانيين للعقارات والأراضي التي لم يوجد مالكوها بسبب الحرب الطاحنة التي يهرب منها المدنيون، ولذا يسهل امتلاكه للأرض بعد إخطار المالك غير الموجود عبر الصحف.
ولمزيد من إحكام قبضتها على عقارات العاصمة السورية، تحركت الحكومة الإيرانية بعقد لقاءات متكررة مع المستثمرين ورجال الأعمال الإيرانيين لإقناعهم بفرص الاستثمار العقاري بسوريا، ومطالبتها إياهم بالذهاب إلى هناك، وفق ما ذكره موقع بيك نت الإيراني في 2015 الماضي.
وفي اليمن، برغم أن نهب الأراضي بدأ في عهد المخلوع علي عبد الله صالح، إلا أن الفساد تفشى بكثرة بعد انقلاب الحوثيين واستيلائهم على السلطة، الأمر الذي جعل عام 2016 كاشفاً عن انتقال "فوبيا" بيع الأراضي وانتشارها في محافظات عديدة باليمن كالحديدة، وتعز، وإب، وذمار، وصنعاء.
عمليات شراء هذه الأراضي يديرها الحوثيون مباشرة أو من خلال وسطاء تابعين لهم؛ ما طرح العديد من علامات الاستفهام حول أثر ذلك في تكوين المجتمع حال انتهاء الحرب، وهو ما لاحظه مالك إحدى شركات العقارات، عبد الإله جابر، حيث قال في تصريح خاص لـ"الخليج أونلاين" إنه يوجد توجه محموم لقيادات من مليشيا الحوثي لشراء أراضٍ وفلل وشركات في العاصمة اليمنية صنعاء، في غياب تام لرقابة الدولة.
الباحث والمستشار محسن أبو نصار يقول إن الحوثيين يدركون قيمة عبارة "الأرض تبقى"؛ ولذلك سعوا لإحداث تغيير ديموغرافي في معظم أحياء العاصمة صنعاء، وهم يحاولون جاهدين نقل الفكرة إلى محافظات أخرى.
ويشير أبو نصار في حديث لـ"الخليج أونلاين" إلى أن أحياء "الجراف، والروضة" وغيرها العشرات من أحياء صنعاء، أصبحت مقصورة على المليشيا وأنصارها، وهي مناطق يصعب الوصول إلى معظم الأماكن فيها، وذلك يجسد سياسة زرع الفكر الحوثي المتطرف، وجعل مسألة القضاء عليه أمراً في غاية الصعوبة. مضيفاً أن سياسة تقسيم المدن إلى أحياء طائفية تجعل من المستحيل التعايش بين مختلف فئات المجتمع، وتعيد استنساخ صعدة أخرى خارجة عن سيطرة النظام والقانون في وسط صنعاء.
التغيير الديموغرافي كان من الأسباب القوية التي تدفع إيران بوكلائها من رجال الأعمال والمستثمرين لإحداث تغيير ديموغرافي، في وقتٍ غاب فيه أهل البلد الحقيقيون إثر هروبهم خشية فتك النظام ومليشياته بهم، ومن ثم فإن التحرك الإيراني سوف يكون له انعكاس في رسم خريطة المنطقة الديموغرافية مستقبلاً، بزيادة عدد الشيعة والموالين لها على حساب السكان الأصليين.
الفوضى الخلاقة التي أحدثتها إيران ساعدت على إحداث هذا التغيير الديموغرافي، وفق ما ذكرته صحيفة الشرق الأوسط السعودية في 26 مارس/آذار الماضي، مؤكدةً أن الأراضي التي تقع تحت سيطرتها باتت محل إغراء للإيرانيين، خاصةً أنها تقع تحت حماية قوات كبيرة من الحرس الثوري.
وبالرغم من ترقب إيران انتهاء الحرب في سوريا، إلا أن خطتها في التمكين مرتبطة بمدى طويل يسهل من خلاله السيطرة على مناطق نفوذها سياسياً واقتصادياً وجغرافياً، حتى لو رحلت الأنظمة الموالية لها، فيبقى الوضع لمصلحتها من خلال ملكيتها الواسعة للعقارات والأراضي وتمكين رجال الأعمال والمستثمرين.
والخطة التي تنتهجها إيران في سوريا هي ذاتها التي انطلقت فور خروج الأمريكيين من العراق، وبدأت في تنفيذها في اليمن، بعيداً عن أعين الإعلام وفوضى أمنية انشغلت بها الأطراف المقاومة للوجود الإيراني؛ ما يدفع لأن تصبح طهران اللاعب الأكبر في اقتصاد تلك البلدان.
وتكمن الخطورة في الخطة الإيرانية، أنه بجانب التغيير الديموغرافي القائم حالياً، فإنها بصدد محو آثار العرب في تلك البلدان، وهذا ما نلمسه في قلعة دمشق التي تضم رفات العشرات من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكبار قادة الجيوش الإسلامية التي صنعت التاريخ أمثال الظاهر بيبرس ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي وابنه الملك العادل، وفي المقابل، بدأ انتشار الحسينيات في ربوع البلاد في محاولة لترسيخ الحضور الإيراني عبر تكوين ولاءات جديدة لها بعد انتهاء الأنظمة الداعمة.
مؤسس صوت بيروت، جيري ماهر، قال عبر تغريدة له في موقع التواصل الاجتماعي في أبريل/نيسان الماضي:
ايران تشتري عقارات دمشق واسواقها واحيائها لزرع مناصرين لها في هذه العاصمة الاموية، الخطر الفارسي على عواصمنا اشد من خطر اسرائيل. #جيري_ماهر
وفي 2015 سجل وصول نسبة الصادرات الإيرانية للسوق السورية نحو 36%، فضلاً عن أن مناقصات حكومة الأسد مفتوحة فقط للإيرانيين وفق ما ذكره موقع سكاي نيوز في 31 مارس/آذار 2016.
وبرغم أن عمليات البيع والشراء تتم عادةً بسلاسة قانونية، إلا أن مصادر كشفت عن يأس البائع من مقاومة الأسعار المغرية، أو أنه يضطر إلى البيع خوفاً من التشبيح أو تعرضه للإجبار والإكراه؛ مخافة الفتك به أو بأحدٍ من أبنائه.