دخل التعليم على خط الصراع المحتدم في اليمن منذ أكثر من عام ونصف العام، بعد أن أقر طرفا الصراع سلسلة إجراءات مرتبطة بالعملية التعليمية في المناطق الخاضعة لسيطرتهما.
وللمرة الأولى، منذ توحيد شطريه عام 1990، يجد الطلاب اليمنيون أنفسهم بعد 26 عامًا أمام تقويمين مختلفين للعام الدراسي ومواعيد الامتحانات والنتائج والإجازات الأسبوعية والسنوية.
وبدأت ملامح الانقسام تكسو العملية التعليمية في اليمن عندما أُعلن عن بدء العام الدراسي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، الأحد 25 سبتمبر/ أيلول الماضي، فيما انطلقت الدراسة في مناطق جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، السبت الماضي 1 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
وعلى الرغم من بدء العام الدراسي المنصرم في ظل الحرب أيضا، إلا أن طرفى النزاع حاولا، آنذاك، تجنيب العملية التعليمية مخاطر الصراع قدر الإمكان، بالاتفاق على مواعيد بدء الدراسة، وتوحيد أسئلة الامتحانات للشهادتين الأساسية والثانوية، وعدم تغيير الكتب الدراسية، لكن ملامح فك الارتباط التعليمي ظهرت باكرا العام الجاري.
وشملت ملامح الانقسام أيضا تقويم العام الدراسي، فوزارة التربية والتعليم الرسمية حددت أيام الدراسة بـ181 يوما ( من 25 سبتمبر/ أيلول الماضي، وحتى11 مايو/ أيار 2017)، لكن التقويم الصادر عن وزارة التربية الخاضعة لـ"الحوثيين"، حددها بـ193 يوما ( ينطلق 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 وينتهي 31 مايو/ أيار 2017).
كما أن الإجازات الرسمية باتت محل خلاف، حيث أقرت وزارة التربية الرسمية 63 يوما كعطل سنوية، من ضمنها عيد ديني وخمسة أعياد وطنية، فيما حددتها سلطات "الحوثيين" بـ74 يوما، من ضمنها 3 أعياد وطنية.
ويعتمد "الحوثيون"، يوم الخميس إجازة من كل أسبوع في مناطق سيطرتهم، فيما تعتمد الحكومة السبت عطلة أسبوعية.
وستخضع نتائج الثانوية العامة للانقسام، حيث أكدت مصادر في مكتب التربية بمحافظة عدن، جنوبي البلاد، لمراسل "الأناضول" أن الحكومة ستعلن خلال أيام عن نتائج الثانوية العامة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، فيما لم يتمكن "الحوثيين" من تصحيح إجابات الطلاب بعد شهرين من انتهاء الامتحانات بسبب انعدام المخصصات المالية اللازمة لذلك، وهو ما يعني ظهور قائمتين منفصلتين للناجحين في الثانوية وأوائل الجمهورية اليمنية.
وحمّل نائب وزير التربية والتعليم والمكلف من قبل "الحوثيين" بمهام الوزير، عبدالله الحامدي، حكومة "هادي" مسؤولية إعلان نتائج الثانوية، وأوائل الجمهورية بشكل منفصل.
وقال الحامدي، لمراسل "الأناضول" عبر الهاتف: "نحن نسعى لتجنيب التعليم الصراع، كيف سيعلنون أوائل الجمهورية ولديهم 50 ألف طالب، والمحافظات الأخرى لديها 200 ألف طالب قاموا بتأدية امتحانات الثانوية العامة".
ويرى مراقبون، أن الانقسام الحاصل في قطاع التعليم اليمني، سيكون له عواقب وخيمة على الطلاب في كافة المحافظات، وسيعمق من مستوى الكراهية لديهم.
ووصف، أحمد البحيري، رئيس مركز الدراسات والإعلام التربوي (غير حكومي)، وضع التعليم في اليمن بـ"الكارثي".
وقال البحيري لـ"الأناضول": إنه "إضافة إلى التداعيات التي خلفتها الحرب الراهنة من أضرار جسيمة في البنية التحتية والمدارس من دمار وتحولها إلى مخازن ومقرات تدريب عسكرية، فقد أصبح التعليم ذاته وسيلة من وسائل الحرب بيد الأطراف المتصارعة وأداة لتكريس كل ما هو سيء".
وأضاف: أن "الاختلالات المتراكمة التي خلفها النظام السابق (نظام صالح)، وعلى رأسها اعتماد المعايير السياسية في التعينات والترقيات في الإدارات التربوية وفي التوسع فيه، وفي إعداد المناهج المدرسية إضافة لضعف آليات حماية التعليم، كان لها دور كبير في خلق المشهد الراهن للتعليم".
وتابع : " لم يكن باستطاعة جماعة الحوثي، أن تُحدث خرقا كبيرا في وزارة التربية، لو أن التعيينات بداخلها كانت مبنية على أسس تربوية ومهنية".
ويشكل توفير الكتاب المدرسي عقبة أخرى أمام طرفي النزاع، حيث لم يتم طباعة أي كتب جديدة منذ بداية الحرب، لكن وزير التربية والتعليم في حكومة الرئيس "هادي"، عبد الله لملس، أعلن أن وزارته تبحث عن داعمين لطباعة الكتاب المدرسي عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية (سعودي) وبعض دول التحالف العربي.
فيما أعلنت الوزارة الخاضعة لـ"الحوثيين"، أنها ستلجأ إلى" الكتاب الالكتروني" لتوزيعه على الطلاب وكذلك الكتب المطبوعة في ورق، لعدم تمكنها من طباعة كتب جديدة.
من جانبه، رأى الباحث التربوي ورئيس مؤسسة "طفولتي" للإبداع والتنمية (غير حكومية)، عبد القاهر الحميدي، أن تكريس انقسام التعليم في اليمن سيكون له عواقب غير محمودة على مستوى التحصيل العلمي للطلاب و ستحتاج معالجتها إلى سنوات وجهود كبيرة.
وشدد الحميدي، في حديثه لـ"الأناضول"، على ضرورة تجنيب التعليم مسار الصراع والسياسة، لافتا أن الائتلاف اليمني للتعليم (منظمات مجتمع مدني) يسعى في الأيام القادمة، لعقد اجتماعات مكثفة من أجل توحيد التعليم في عموم اليمن وإبعاده عن الصراع السياسي.
ويشهد اليمن حربًا منذ أكثر من عام بين القوات الموالية للحكومة مدعومة بقوات التحالف العربي من جهة، ومسلحي "الحوثي" وقوات "صالح" من جهة أخرى، مخلّفة آلاف القتلى والجرحى، فضلًا عن أوضاع إنسانية صعبة.
ومنذ 26 مارس/ آذار 2015، يشن التحالف العربي، (بقيادة المملكة العربية السعودية)، عمليات عسكرية في اليمن ضد "الحوثيين"، وذلك استجابة لطلب الرئيس عبد ربه منصور هادي، بالتدخل عسكرياً لـ"حماية اليمن وشعبه من عدوان الحوثيين وقوات صالح".