[ الزرقة تطرق لممارسات الإمارات في اليمن ]
لم تعد قراءة الدور الإماراتي في اليمن ممكنة بوصفه “مساهمة ضمن التحالف” فحسب، لأن عدداً متزايداً من تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية وثّق أنماطاً من السلوك تتجاوز منطق العمليات العسكرية إلى بناء ترتيبات أمنية موازية للدولة، وإدارة منظومة احتجاز خارج الضمانات القانونية، والتأثير المباشر في مسار السيطرة على مناطق ومرافق استراتيجية، بما يفاقم تفكك السلطة الشرعية ويعطل شروط الاستقرار.
هذه المقاربة لا تعتمد على الانطباعات أو السرديات السياسية المتداولة، بل على خلاصات آليات أممية للتحقق (خصوصاً فريق الخبراء البارزين التابع لمجلس حقوق الإنسان) وعلى تقارير حقوقية دولية وثّقت الانتهاكات وأطر الإفلات من العقاب.
1) بناء “قوة على الأرض” خارج سلسلة القيادة الوطنية
في تقريره لعام 2020، وثّق فريق الخبراء الأممي أن الإمارات سحبت معظم قواتها البرية، لكنها أبقت “وجوداً محدوداً” في مواقع محددة، مع استمرار كتلة كبيرة من المقاتلين اليمنيين المدعومين منها على الأرض. التقرير يذكر صراحة: وجوداً محدوداً في المخا وعدن وبلحاف والمكلا وسقطرى، وأن “نحو 90,000 مقاتل يمني مدعوم من الإمارات” ظلوا على الأرض في اليمن.
الدلالة العملية هنا ليست رقم القوة فقط، بل ما يعنيه ذلك: بنية أمنية–عسكرية فاعلة لا تمر بالضرورة عبر مؤسسات الدولة، وقادرة على فرض وقائع ميدانية وسياسية حتى في لحظات الخلاف داخل المعسكر المناهض للحوثيين.
2) ضربات إماراتية ضد قوات الحكومة اليمنية في لحظات مفصلية
التقرير الأممي نفسه يوثق أن الإمارات نفذت ضربات جوية في عدن وزنجبار يومي 28 و29 أغسطس/آب 2019، بينما قالت الحكومة اليمنية إن الهجمات استهدفت قواتها النظامية.
هذه الواقعة، بحد ذاتها، تُستخدم في التحليل كقرينة أممية على أن أدوات القوة الإماراتية لم تكن محصورة في قتال الحوثيين أو “الإرهاب” وفق التوصيف المعلن، بل امتدت إلى إدارة توازنات الداخل بالقوة عندما تتعارض خيارات الحكومة مع ترتيبات الحلفاء المحليين المدعومين إماراتياً.

3) نمط دعم جماعات مسلحة وعمليات قصف عشوائي مرتبطة بها
في تقرير 2019، أشار فريق الخبراء إلى تلقيه وتحقيقه في مزاعم “قصف عشوائي” نفذته القوات المسلحة اليمنية و”جماعات تابعة” بما فيها “جماعات مسلحة مدعومة من الإمارات”، خاصة في تعز منذ 2015 وفي الحديدة خلال 2018.
المعنى التحليلي هنا أن “الدعم” لا يظل سياسياً أو مالياً، بل يُترجم إلى سلوك قتالي على الأرض له آثار مباشرة على المدنيين ويُنتج مسؤوليات قانونية مركبة (للفاعل المحلي ومن يدعمه).
4) منظومة احتجاز سرية: البريقة وبير أحمد كنموذج موثق أممياً
أشد ما يثقل ملف الدور الإماراتي في التقارير الأممية هو جانب الاحتجاز. في “الاستنتاجات المفصلة” لفريق الخبراء (A/HRC/42/CRP.1)، ورد توصيف واضح لمنشأتين بوصفهما “محوراً” لمنظومة الاعتقال:
• “مرفق الاعتقال السري في قاعدة البريقة للتحالف” و”مرفق اعتقال بير أحمد 2” يعملان كمراكز تُنقل إليها المحتجزون من مواقع تجميع للاحتجاز لفترات أطول، مع توثيق استخدام البريقة للتحقيق والتعذيب والعنف الجنسي.
• التقرير يضيف أن البريقة وبير أحمد كانا أيضاً “نقطة انطلاق” لنقل محتجزين إلى مرافق أخرى في حضرموت و”عصب في إريتريا”.
• ويذكر أن بير أحمد 2 يقع شمال قاعدة البريقة “التابعة للتحالف–الإمارات العربية المتحدة”، وأن الإمارات “شيدت بير أحمد 2 وبدأ تشغيله” في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وأن تنفيذ الاعتقالات كان يتم غالباً عبر قوات “الحزام الأمني”.
• الأكثر حساسية: يخلص التقرير إلى أن السيطرة الفعلية على الاعتقال والإفراج ليست بيد مؤسسات الدولة اليمنية، وأن “الإفراج لا يمكن الموافقة عليه إلا من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة”.
هذه النقاط، إذا جُمعت، تصف دوراً يتجاوز “الدعم” إلى ممارسة وظائف سيادية صلبة (الاحتجاز، التحقيق، التحكم بالإفراج، والنقل خارج البلاد) خارج أي إطار رقابي وطني فعال.
5) العنف الجنسي والانتهاكات ضد مهاجرين ولاجئين تحت سيطرة قوات مدعومة إماراتياً
ضمن الاستنتاجات المفصلة ذاتها، يورد فريق الخبراء أنه وجد أسباباً معقولة للاعتقاد بأن قوات الحزام الأمني ارتكبت عنفاً جنسياً، بما في ذلك الاغتصاب، ضد مهاجرين ولاجئين أفارقة في عدن، ومن بين المواقع المذكورة “مركز اعتقال المهاجرين في البريقة” وحي البساتين، مع إشارات لاحقة لاستمرار اعتقالات واسعة في ظروف قاسية.
في التحليل السياسي–الحقوقي، هذا النوع من الانتهاكات ليس “تفلتاً” فقط، بل مؤشر على طبيعة القوة التي جرى تمكينها أمنياً خارج منظومات المساءلة.
6) الاغتيالات والبيئة الأمنية التي تُنتج الإفلات من العقاب
الاستنتاجات المفصلة تتضمن أيضاً إشارات إلى أن عدداً من وقائع الاغتيال التي حقق فيها الفريق وقعت في إقليم يسيطر عليه الحزام الأمني، مع حالات تعرف فيها الشهود على الجناة كأفراد في الحزام الأمني، وإشارة إلى حالة وُجد فيها وجود لقوات الإمارات.
هذه المادة الأممية لا تكفي وحدها لتحديد “سلسلة أمر” لكل حادثة، لكنها تُستخدم تحليلياً لإثبات أن الترتيبات الأمنية المدعومة إماراتياً اقترنت ببيئة انتهاكات، وأن التحقيقات الأممية وجدت مؤشرات اتصال أو تلازم مكاني/تنظيمي في بعض الوقائع.
7) ماذا تقول التقارير الحقوقية الدولية؟ تعزيز الصورة وتثبيت نمط الانتهاكات
تقرير العفو الدولية (2018) وثّق نمط الإخفاء القسري والتعذيب في جنوب اليمن، واعتبر أن هذه الممارسات، لكونها جرت في سياق نزاع مسلح، قد ترقى إلى جرائم حرب، مع الإشارة إلى دور قيادات/قوى مرتبطة بالإمارات وغياب الرقابة القضائية.
ومن جانب آخر، هيومن رايتس ووتش وثّقت مبكراً مزاعم التعذيب والإخفاء القسري على يد قوات يمنية مدعومة من الإمارات، ووجهت نداءات رسمية للتحقق من دور القوات “الحليفة” في هذه الانتهاكات.
كما أن تقارير حقوق الإنسان لوزارة الخارجية الأمريكية تضمنت إشارات إلى “مراكز احتجاز سرية” تديرها الإمارات في اليمن ووقائع تعذيب مرتبطة بها.
ويمكن تلخيص الدور التخريبي للإمارات في اليمن في التالي:
1. تقويض احتكار الدولة لأدوات القوة عبر إبقاء كتلة مسلحة كبيرة محلية الولاء خارج ضبط المؤسسات، مع قابلية استخدامها في صراعات داخل المعسكر الواحد.
2. نقل وظائف سيادية إلى فاعل خارجي أو وكلاء محليين (الاحتجاز والتحقيق والتحكم بالإفراج والنقل خارج البلاد)، بما يكسر أي إمكانية لبناء منظومة عدالة انتقالية أو مساءلة وطنية لاحقاً.
3. ترسيخ الإفلات من العقاب: فريق الخبراء وثّق أيضاً عدم تعاون أطراف بينها الإمارات مع آليته، وهو ما يحد من الوصول للضحايا والمعلومات ويضعف إمكانات التحقيق الفعال.
التحرك القانوني في مواجهة الانتهاكات الاماراتية في اليمن
عمليًا، يمكن تلخيص مسار التحرك القانوني لليمنيين ضد السلوك الإماراتي في حزمة إجراءات متدرجة: يبدأ الأمر بـ بناء ملف وقائعي–قانوني محكم (وقائع مؤرخة، تحديد الفاعلين بالأسماء والصفات، أدلة أصلية وسلسلة حيازة، وتكييف قانوني لكل واقعة)، ثم تفعيل القنوات الأممية غير القضائية سريعًا عبر بلاغات إلى الإجراءات الخاصة وملفات موجهة للجنة عقوبات اليمن 2140 ولوحة الخبراء لدفع إدراج أفراد وكيانات، بالتوازي مع ضغط دبلوماسي لإعادة إنشاء آلية تحقيق دولية مستقلة تحفظ الأدلة وتنتج مخرجات قابلة للاستخدام. وفي المسارات القضائية، تتحرك الحكومة اليمنية—إن قررت—نحو مسار المحكمة الجنائية الدولية عبر التصديق أو إعلان قبول الاختصاص وفق المادة 12(3) (مع إدراك أن هذا يطال مسؤولية الأفراد لا الدول)، بينما يُنظر إلى محكمة العدل الدولية فقط إذا توافر أساس اختصاص معاهدي صالح وغير معطّل بتحفظات. وأخيرًا، كأداة شبه-قضائية عالية الأثر، يُدفع باتجاه العقوبات الموجهة (Magnitsky/أنظمة مماثلة في بريطانيا والاتحاد الأوروبي) ضد أسماء محددة مع ملف إسنادي قوي، مع تجنب التعميمات غير القابلة للإثبات وحماية الشهود والناجين كشرط لاستدامة أي مسار مساءلة.