في بداية هذا المقال، لا بد من لفت نظر بعض الإخوة من الإعلاميين والمثقفين السعوديين إلى أن الخطاب الذي يركّز – بصورة مجتزأة – على أهمية حضرموت للأمن القومي السعودي، أو على العلاقات التاريخية مع الحضارم، أو على ملف الحدود والمصالح، هو خطاب مفهوم من زاوية المصالح، لكنه سيفتقر إلى المشروعية إن انفصل عن الخطاب العام الذي يستند إلى الأهداف التي تدخل بموجبها التحالف العربي في اليمن.
وسيُنظر إلى هذا الاختزال على أنه:
•صراع نفوذ سعودي–إماراتي،
•أو تنافس جيوسياسي على مناطق شرق اليمن.
بينما الحقيقة أن أقوى خطاب شرعي على الإطلاق، والذي لا تستطيع حتى الإمارات الوقوف في وجهه، هو: الدفاع عن الجمهورية اليمنية، ووحدتها، وسلامة أراضيها، في مواجهة مليشيات مسلحة منفلتة تدعو صراحة إلى تقسيم بلد عربي شقيق.
السعودية لا تحتاج إلى ابتكار غطاء جديد، فشرعيتها السياسية والقانونية قائمة على:
• قرارات مجلس الأمن الدولي،
• مواقف مجلس التعاون لدول الخليج العربية
• والتحالف العربي الذي حظي بتأييد دولي واسع على أساس هدف واضح: استعادة الدولة اليمنية وهزيمة الانقلاب الحوثي.
وأي خروج عن هذا الإطار لا يخدم التحرك السعودي، بل يضعفه، وقد يقوده لاحقًا إلى تسويات تقاسم نفوذ، وهنا يكمن مقتل الدور السعودي في اليمن.
في قلب هذا المشهد تقف شبوة، بوصفها الحلقة الفاصلة بين غرب الجنوب وشرقه. تحريرها يقطع الامتداد الجغرافي للمليشيات، ويكسر وهم السيطرة المتصلة، ويضع حدًا فعليًا للمشروع التقسيمي التفتيتي المدعوم إماراتيًا.
والحديث عن تحرير شبوة لا يعني بأي حال مواجهة أبنائها، بل استعادة المحافظة من المليشيات الدخيلة القادمة من خارجها.
وهنا يبرز دور مجلس شبوة الوطني العام بوصفه إطارًا شبوانيًا جامعًا، يضم قيادات دولة، وأكاديميين، ومثقفين، وشخصيات اجتماعية وازنة، وهو مؤهل لقيادة هذا الجهد وضمان انتقال منضبط. ويمكن للمملكة العربية السعودية التنسيق معه باعتباره الجهة القادرة على ربط أي تحرك سياسي أو أمني بقاعدته الاجتماعية والجماهيرية داخل المحافظة.
تحرير شبوة ليس مجرد معركة عسكرية، بل استعادة لمفتاح استراتيجي تتقاطع عنده الجغرافيا والاقتصاد والتاريخ والسياسة. فالمحافظة، بثرواتها النفطية والغازية، وساحلها الممتد على بحر العرب، وموقعها الذي يربط الداخل اليمني بالساحل والربع الخالي، تمثل القلب النابض لشرق اليمن وممره الحيوي.
وهي أيضًا أرض ذات إرث حضاري عميق، وهوية وطنية راسخة، ونسيج اجتماعي متماسك، يمنحها ثقلًا سياسيًا يجعلها قادرة على إفشال مشاريع التفتيت والتقسيم.
وبدعم مجلسها الوطني ونخبها الأكاديمية والثقافية، تستطيع شبوة قيادة انتقال متوازن من حكم المليشيات إلى رحابة الدولة الشرعية. ونجاح هذا المسار لن يقتصر على حدود المحافظة، بل سيفتح الطريق نحو حضرموت والمهرة، ويؤسس لشرق يمني موحد وآمن، تُغلق فيه بوابات الفوضى، وتُستعاد فيه الشرعية الوطنية والدولية مرجعية وحيدة.
إن استعادة شبوة ليست خيارًا تكتيكيًا مؤقتًا، بل لحظة فاصلة في مسار الصراع على اليمن كله. فمن شبوة يبدأ تصحيح البوصلة، ويتحدد إن كان شرق اليمن سيتحول إلى مساحة نفوذ متنازع عليها، أم ركيزة لدولة يمنية موحدة وقادرة.
وعندما يُبنى التحرك على الشرعية، ويُدار بعقل الدولة، ويستند إلى إرادة المجتمع المحلي، فإن شبوة لن تكون فقط مفتاح تحرير الشرق، بل بوابة استعادة اليمن من مشروع الفوضى إلى أفق الدولة والاستقرار، وهو الأفق الذي يخدم اليمن أولًا، ويصون أمن المنطقة، ويعيد للدور السعودي ثقله ومكانته التي لا تُبنى إلا على الحق والشرعية.
نقلا عن حساب الكاتب في منصة إكس