أكدت الناشطة اليمنية، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، على أهمية الدين، مشيرة إلى أنه يلعب دورا حاسما في حياة الناس، أفراد ومجتمعات ودول، إن لم يكن ايجابا فسيكون سلبا.
وقالت في مقال مطول خصت به (الموقع بوست) بعنوان"التجديد الديني والإصلاح السياسي"، إنه لن تتحقق للمجتمعات عملية إصلاح سياسي راسخ، دون أن يسبقها ويصاحبها إصلاح وتجديد وتنوير ديني واسع، يقذف بأفكار التطرف والارهاب إلى الهامش، ويضع الدين وقيمه ومقاصده الكبرى في القلب من عملية التحول الحضاري للمجتمع، بدلا من أن يتم حشره في الطريق ككابح ومقاوم لعملية التغيير والتحول الحتمية.
وأشارت إلى أن الخيار مطروح بين يدي علماء الدين والمشتغلين في الفكر الإسلامي، إما أن يمضوا في التجديد والتنوير والإصلاح الديني، أو أن يختاروا المضي بالقناعة القديمة، وحشد الناس الى ما وجدوا عليه الآباء من أعراف وأسلاف وتسويق ذلك على أنه هو الدين الحق، وما عداه أصحابه ليسوا على شيء، حسب قولها.
وأضافت توكل كرمان مخاطبة العلماء والمفكرين: "هذا ليس الدين، هذه اجتهاداتكم المتعثرة المختلطة بالعادات المتزاوجة بالتقاليد، وإذ نقول ان ديننا شيء آخر فنحن نعلي من قدره بالقدر الذي نزداد إيمانا".
وأوضحت أن هذا النقد ليس نيلا من العلماء، وإنما إعلاء لشأنهم، ودعوة لزيارة فاعليتهم لتحقيق مقاصد الدين، في خدمة المجتمع، وليغدو أبناءه خير أمة أخرجت للناس بما يؤدونه من خير لأنفسهم وللإنسانية جمعاء.
وقالت توكل كرمان متحدثة عن التجديد الديني والإصلاح السياسي: "هناك مجال خصب لعلماء الدين والمشتغلين بالفكر الاسلامي لأن يخدموا الدين والمجتمعات معا، وذلك من خلال توجيه خطابهم للبناء والتنمية ويتعبدون الله بإشاعة مفاهيم الحرية واحترام الكرامة الانسانية، وبإعلاء قيم القبول والتعايش، وإلا فإن الطريق لدعاة القطيعة والنزاعات والمفخخات وصناعة الموت سيكون ممهدا أكثر مما هو عليه الآن، ليس هناك من طريق ثالث".
ولفتت إلى أن الحديث عن تحرير الدين من الاستغلال السياسي السيء، لا يعني الاستغناء عن الدين ودوره المحوري في الحياة، مضيفة: "إذ لا يمكننا أبدا تحقيق نهضة حقيقية بمعزل عن الدين، فالدول والمجتمعات التي حققت قدرا كبيرا من التطور قدمت تجارب حية في هذا الإطار".
وقالت إن الاستغلال السياسي السيء للدين الذي تحذر منه يتخذ وجهتين بالغتي الضرر، تلحقانأاضرارا فادحة بالدين والمجتمع معا، ويمكن أن يتأتى هذا الاستغلال من الحكومات أو الجماعات الدينية، مشيرة إلى أن إساءة استغلال الدين من قبل الحكومات يكون حينما تتحكم بالخطاب الديني ومخرجاته، بحيث يقتصر دور الدين على الإشادة بالحاكم واتخاذ موقف عدائي من منظومة الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين باعتبارها كفر وضلال، وحصر الدين في أداء الشعائر فحسب.
في حين أوضحت أن الاستغلال السيء للدين من قبل الجماعات الدينية يتم حين اتخاذها موقف عدائي من منظومة الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، والدفاع عن نظرية شمولية في الحكم قائمة على تأويل تعسفي واجتهادات قاصرة أعدها أصحابها على أنها هي الدين، وأنها كل ما قاله الله، وما عداها كفر وردة والحاد، مضيفة أنه في كلا الحالتين يتجلى الاستغلال السيء للدين في أخطر صوره، وتكون النتائج الكارثية مدمرة لكل من الدين والمجتمع، حيث يتم تعطيل الدين وإفراغه من محتواه من جهة، وجعله في مواجهة حقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية وأي محاولات للمطالبة بها من جهة أخرى .
وأوضحت توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل، أن الارتكاس الحضاري والفشل الشامل الذي تعيشه الأمة لا علاقة للإسلام به، مشيرة إلى أنه فشل مؤقت مرده إلى غياب التنوير والتجديد الديني والحكم العادل، مضيفة أنه حينما يحدث مثل هذا التنوير وهو آت لاريب، فستصطف الأمة الإسلامية بين الأمم، رائدة وقائدة ومصدر خير للعالمين، حسب قولها.
وأضافت: "لقد آن الأوان للعلماء والمشتغلين بالفكر الديني أن ينظروا إلى العصر ومتطلباته، وأن يتجاوزوا معضلة حشر الدين في الموروث، وإيهام الناس أن ما توارثوه عن آبائهم هو الدين الذي عليهم أن يتعبدوا الله به، وأن من يدعوهم إلى تفكير متنور مغاير قد نقض عرى الإسلام".
وشددت توكل كرمان، على أن معركة التنوير لم تعد أمر قابل للتأجيل، مشيرة إلى أن المجتمعات العربية والإسلامية على وشك أن تبلغ المراحل الأخيرة للانهيار، لافتة إلى أن "من يتخلف أو يتردد عن خوض معركة التنوير والتجديد الآن وتوجيه المجتمع لها ونحوها، فإنه وكلما خاض في الدعوة وحشد الناس في اتجاه مغاير، فسيخلق مزيد من تجهيل المجتمع وجعلهم فقط يتشاركون مع آبائهم القبور، لا أن يحجزوا لأجيالهم مقاعد الريادة والقيادة والمجد، وهذا لعمري، هو الفصل الحقيقي للدين عن الدولة والسياسة واحتياجات المجتمع، وإن زعم أصحابه أنهم يحققون مبدأ الحكم لله ويتعبدونه على حرف".
واستطردت قائلة: "من يظن أن العلماء التنويريين والمجددين المشتغلين في الفكر الديني لا يمضون بأمتهم قدما، ولا يقفزون بها قفزات هائلة إلى الأمام فهو لا يعلم كيف تقفز الأمم وتصنع مراحل تحولاتها، ومن يعتقد أن الدين مجرد أعراف واسلاف وشعائر نمطية معزولة عن الجوهر والمقاصد فهو لا يعلم حقيقة الدين، ولما يدخل الايمان في قلبه".
وأشارت إلى أن هناك فرق "بين من يتجمد عند القشور، فيتجمد معه ضحايا كثر ظنا منهم أن هذا ما أراده الله، ومع اتساع دائرة الجامدين تتوقف حركة الاسلام ويكبو الدين عن إداء دوره في خدمة تحولات المجتمع الحضارية الكبرى، وبين من هو متحرر من اغلال الموروث ينفذ إلى الجوهر بحيث يبث الدين نورا وتنويرا، فتكون الحضارة ويكون الدين الحق".
وأضافت: "الأول محجوب عن الدين بعادات آباءه منشغل عن الله بأسلاف اجداه، أحل العادات والموروث محل الدين، والآباء والاجداد والفقهاء والوعاظ مكان الله ورسوله فضل وأضل، والثاني مؤمن رباني موصول بالله معلق بروح الدين الحق، محلق بجوهره ومقاصده".
ولفتت كرمان إلى أن هناك من يقدم الإسلام كسوط لجلد المذنبين، ونصل لقطع رقاب المخالفين، ومشانق ومفخخات، ثم يدعون أنهم نقلوا إلينا تعاليم الإسلام، مشيرة إلى أنه قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، أعلن الإسلام المبادئ الأساسية لحقوق الانسان.