بينما تتجه أنظار اليمنيين نحو تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، تثير التحركات الأخيرة للنيابة العامة في مأرب مخاوف متزايدة بشأن استغلال الأدوات القضائية لملاحقة الصحفيين والناشطين بدلاً من محاسبة المتورطين في الفساد، هذه الإجراءات تُلقي بظلالها على الجهود الوطنية لتعزيز دولة القانون والمساءلة.
ففي الوقت الذي تتصاعد فيه التقارير حول قضايا فساد مالي وإداري كبرى، تشمل تهريب المشتقات النفطية، المحسوبية في التوظيف، وإنشاء محطات وقود مخصصة لشخصيات نافذة، تُتهم النيابة العامة في مأرب بالتركيز على ملاحقة الصحفيين بدلاً من التحقيق في هذه الملفات الثقيلة.
استدعاء علي عويضة: نموذج صارخ
الصحفي علي عويضة، المعروف بكتاباته حول الفساد، كشف في منشور له على “فيسبوك” عن تلقيه استدعاءً من نيابة الأموال العامة في مأرب بناءً على شكوى تتعلق بمنشور إلكتروني.
وأشار عويضة إلى غياب التفاصيل الواضحة في طلب الاستدعاء، متسائلاً عن علاقة هذه القضية باختصاص النيابة في مكافحة الفساد المالي.
واعتبر عويضة هذه الخطوة انحرافاً عن الدور الحقيقي للنيابة، خاصة في ظل تجاهلها قضايا بارزة مثل تهريب النفط، استغلال المناصب العامة، والاختلاس المنهجي للمال العام، داعياً إلى إعادة توجيه الجهود نحو معالجة هذه الملفات التي تمس المواطن بشكل مباشر.
لم تكن حالة عويضة منفردة، فقد طالت استدعاءات النيابة عدداً آخر من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين سلّطوا الضوء على التجاوزات الإدارية والمالية في المؤسسات الحكومية بالمحافظة، واعتبر متابعون أن هذه الإجراءات تهدف إلى تقييد حرية التعبير وحماية المتورطين في الفساد من المساءلة القانونية، مما يفاقم أزمة الثقة بين المواطنين والمؤسسات القضائية.
التناقض مع جهود الحكومة في مكافحة الفساد
هذه التحركات تأتي في وقت تبذل فيه الحكومة الشرعية بالعاصمة عدن جهوداً مكثفة لمكافحة الفساد بمؤسسات الدولة في المحافظات المحررة، كشف خلالها عن ملفات فساد كبرى مع إحالة المتورطين إلى القضاء، مما يجعل تصرفات النيابة في مأرب تبدو متناقضة مع التوجه الوطني.
دعوات لإصلاح الأولويات
وسط هذه الأجواء، دعا نشطاء وصحفيون إلى ضرورة إعادة ترتيب أولويات النيابة العامة في مأرب، مطالبين بفتح تحقيقات شفافة في ملفات تهريب النفط، المحسوبية، واختلاس المال العام مؤكدين على أن ملاحقة الصحفيين لا تخدم إلا المتورطين في الفساد وتعرقل مسار العدالة.
في ظل التحديات الراهنة، تبدو مأرب بحاجة ماسة إلى مؤسسات قضائية تلتزم بمسؤولياتها تجاه مكافحة الفساد وتعزيز دولة القانون، لا بتجاهل الأولويات الحقيقية والتركيز على تكميم الأفواه الذي لا يُضر فقط بسمعة السلطة القضائية، بل يُهدد أيضاً مصداقية الجهود الوطنية الرامية إلى استعادة ثقة الشعب في مؤسسات الدولة، فتحقيق العدالة يبدأ بمحاسبة الفاسدين، لا بملاحقة من يكشفون عن تجاوزاتهم.