طالب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، الأطراف اليمنية بإثبات إلتزامها بالسلام عبر اتخاذ خطوات ملموسة، بما في ذلك الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين بشكل تعسفي.
وأكد غروندبيرغ، في إحاطة جديدة لمجلس الأمن أمس الثلاثاء، أن التصعيد العسكري في الشرق الأوسط يهدد بالخروج عن السيطرة ويعرض السلام في اليمن للخطر، بالتزامن مع توسع العمليات العسكرية في فلسطين ولبنان والهجمات الحوثية في البحر الأحمر.
وقال: "إن هذا التصعيد المتبادل يعرض آمال السلام والاستقرار للخطر، ويشغل التركيز بعيداً عن الحاجة الملحة لمعالجة الأزمة الداخلية في اليمن"
وأشار غروندبرغ إلى أن آمال المجتمع الدولي في إمكانية حل النزاعات عبر التعاون الدولي والدبلوماسية، في الوقت الذي نقل تطلعات الشعب اليمني لمجلس الأمن، وحثّ المجلس على التكاتف من أجل وقف نزيف الدم ودعم كل الجهود المبذولة لتحقيق السلام.
ولفت إلى أنه جدد التأكيد على نقطتين في مناقشاته مع الأطراف اليمنية والدولية وهما: الحل السلمي في اليمن هو المسار الأكثر جدوى، وهو قابل للتحقيق، والنقطة الأخرى المتمثلة في حاجة الشعب اليمني إلى دعم دولي مستمر وموحد.
وشدد غروندبرغ على أن التزامات الأطراف نحو وضع خارطة طريق تشكل أساسات ضرورية لتحقيق السلام في اليمن مشيرا إلى أنه تم البدء في عقد جلسات حوار سياسي مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، بمشاركة فعالة للنساء.
نص إحاطة المبعوث الأممي الخاص هانس غروندبرغ إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة
شكراً، سيدتي الرئيسة. السيدة الرئيسة، بينما أخاطبكم اليوم، فإن التصعيد العسكري في الشرق الأوسط، والذي نشهده منذ عام، يستمر في التفاقم ويهدد بالخروج عن نطاق السيطرة. لقد فقدنا العديد من الأرواح، وانتشر الألم والحزن في أنحاء المنطقة وأصبحت الآمال في إحراز تقدم بعيدة المنال. ومن المؤسف أن اليمن جزء من هذا التصعيد، ويواجه خطر الانزلاق بشكل أعمق.
خلال هذه الفترة، أصبح أمن موظفي الأمم المتحدة في خطر متزايد. كان هذا العام صعباً بشكل خاص على موظفي الأمم المتحدة في المنطقة. في اليمن، لا يزال أنصار الله يحتجزون موظفي الأمم المتحدة، والعاملين في المجتمع المدني، وأفراد البعثات الدبلوماسية بشكل تعسفي. ولذلك، أكرر الدعوة العاجلة التي أطلقها الأمين العام: هناك حاجة ملحة لوقف إطلاق النار بشكل فوري وخفض التصعيد في المنطقة لاحتواء هذا الصراع المتفاقم.
السيدة الرئيسة، إن اليمن وشعبه يشعرون بوطأة هذا الصراع الإقليمي المتصاعد. فمنذ إحاطتي الأخيرة لهذا المجلس، واصل أنصار الله هجماتهم على الملاحة الدولية، إلى جانب محاولات متعددة لاستهداف إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيرة. إن تكرار هذه الهجمات، بما في ذلك الضربات الأخيرة على ناقلات النفط، زادت بشكل كبير من خطر وقوع كارثة بيئية - وهي كارثة تم تجنبها بصعوبة بعد الهجوم على الناقلة MV سونيون. هذه الهجمات على الملاحة المدنية غير مقبولة على الإطلاق ويجب أن تتوقف فوراً. البحر الأحمر هو ممر مائي دولي، ويجب أن يبقى ممراً آمناً يستفيد منه الجميع.
ورداً على هذه الهجمات، شنت الولايات المتحدة غارات جوية على أربع محافظات يمنية، كما نفذت إسرائيل غارات جوية على الحديدة. التقارير التي تتحدث عن وقوع ضحايا في الحديدة وتضرر البنية التحتية الأساسية المدينة تثير قلقاً بالغاً. هذا التصعيد المتبادل يجر اليمن بشكل أعمق نحو الصراع الإقليمي، مما يهدد آماله في تحقيق السلام والاستقرار. علاوة على ذلك، يُشغل التركيز بعيداً عن الحاجة الملحة لمعالجة الأزمة الداخلية في اليمن.
لا يزال اليمنيون يتطلعون إلى السلام ويبذلون الجهود لتحقيقه بعد أكثر من تسع أعوام من النزاع الذي أنهك البلاد، وهجّر الملايين، وفرق العائلات، ودمر الاقتصاد. ومع ذلك، فإنهم يشهدون تضييقاً على مساحات المشاركة الفعّالة وبناء السلام، إذ يتعرضون للاعتقالات التعسفية والتهديدات بالقتل والترهيب، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها أنصار الله. أدعو أنصار الله إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين تعسفياً، بمن فيهم 17 من موظفي الأمم المتحدة - منهم أربع نساء وأحد أعضاء فريقي- وإنهاء حملة الاعتقالات. أعوّل على دعم هذا المجلس في إيصال هذه الرسالة الواضحة.
السيدة الرئيسة، لقد تحدثت مؤخراً مع العديد من منظمات مجتمع مدني ومجموعات النساء والناشطين وصناع السلام المحليين، وقد شاركوني كيف تأثروا بشدة من موجة الاعتقالات التعسفية الأخيرة التي نفذها أنصار الله. هذه الاعتقالات، المصحوبة باتهامات مبهمة وكاذبة وغياب تام لأي إجراءات قانونية عادلة، تهدف إلى تشويه السمعة وخلق بيئة من الخوف وانعدام الثقة. إن الإحالة الأخيرة لبعض المعتقلين إلى ما يسمى "الملاحقة الجنائية" تمثل ضربة إضافية لجهودنا الجماعية لبناء السلام والاستقرار في اليمن. ولقد أوضحت لأنصار الله مراراً أن مثل هذه الإجراءات لا تعكس عن نية في التفاوض لتحقيق السلام.
يواصل نشطاء المجتمع المدني والمدافعون عن حقوق الإنسان لعب دور حاسم في تلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة وتعزيز التماسك الاجتماعي. ويستحقون الحصول على حماية قوية ودعم دولي يتيح لهم مواصلة عملهم بأمان.
السيدة الرئيسة، منذ إحاطتي الأخيرة لهذا المجلس، أجريت مناقشات بناءة مع أصحاب المصلحة اليمنيين والدوليين خلال زياراتي إلى نيويورك وطهران وموسكو. بالإضافة إلى طلب الدعم للإفراج عن المحتجزين، ركزت في لقاءاتي على إيصال رسالتين أساسيتين أود مشاركتهما مع هذا المجلس. أولاً، إن الحل السلمي للنزاع في اليمن ليس فقط الخيار الأكثر واقعية للمضي قدماً، بل الأهم من ذلك، أنه قابل للتحقيق. ثانياً، يحتاج الشعب اليمني إلى دعم دولي مستمر وموحد، وعلينا جميعاً أن نبقى ملتزمين بجعل السلام واقعاً ملموساً.
هذه ليست مجرد تطلعات. لدينا المقومات والأدوات اللازمة لتمهيد الطريق. اسمحوا لي أن أوضح:
أولاً، لدينا الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف تجاه وضع خارطة طريق تتضمن وقف إطلاق نار شامل على مستوى البلاد، وتلبية الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية، والتحضير لعملية سياسية شاملة. وعلى الرغم من التصعيد، تظل هذه الالتزامات أساساً جوهرياً لبناء السلام في اليمن ونقاط مرجعية في مناقشاتنا مع الأطراف. وفي إطار دعم هذه المناقشات، بدأ مكتبي هذا الشهر جلسات حوار سياسي مع ممثلي الأحزاب السياسية اليمنية ومكونات المجتمع المدني، بمشاركة فعّالة من النساء والشباب.
ثانياً، على الصعيد العسكري، نشهد هدوءاً نسبياً على خطوط المواجهة، وعلى الرغم من بعض التصعيدات العرضية التي تذكرنا بهشاشة الوضع، تظل قنوات التواصل مع القيادات العسكرية العليا عبر لجنة التنسيق العسكري نشطة، مما يعزز الرسالة بأن الأسس التي يتم وضعها الآن ستكون حاسمة لضمان استقرار وقف إطلاق النار في المستقبل والترتيبات الأمنية الأخرى. استضفنا مؤخراً وفداً من حكومة اليمن للتخطيط والتحضير لآلية وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ونتطلع إلى عقد جلسات إضافية مع أنصار الله وغيرهم من الشركاء في المستقبل القريب.
ثالثًا، على الجانب الاقتصادي، قمنا بتحديد خيارات على المستوى التقني ونعمل على حث الأطراف بأن التعاون في المسائل الاقتصادية هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والاستدامة الاقتصادية. نبقى على اتصال وثيق مع أصحاب المصلحة الرئيسيين، خاصة في القطاع المصرفي، حيث يبرز احتمال انهيار أحد البنوك التجارية الرئيسية مدى أهمية التعاون العاجل. السيدة الرئيسة، دعوني أكون واضحاً. ان الأدوات اللازمة متاحة. أدعو الأطراف إلى إظهار الإرادة اللازمة ووضع احتياجات اليمنيين في مقدمة الأولويات. وفي هذا السياق، أتطلع إلى إحاطة الدكتورة نجاة جمعان.
السيدة الرئيسة، بينما نحيي الذكرى السنوية لاعتماد قرار مجلس الأمن رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، يجب أن نعترف بالعبء الكبير الذي ما زالت النساء اليمنيات يتحملنه في هذا النزاع ونقدر شجاعتهن. لطالما كانت النساء اليمنيات في طليعة جهود بناء السلام على مدى سنوات، واليوم بات من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن نعزز أصواتهن. أدعو جميع الأطراف إلى تمكين النساء لتشكيل القرارات التي ستمهد الطريق نحو سلام دائم في اليمن.
في سبيل تحقيق هذه الغاية، قام مكتبي، بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، بعقد مشاورات مركزة مع ما يزيد عن 400 من النساء والرجال اليمنيين حتى الآن تهدف لتعزيز الرؤية لعملية سلام شاملة في اليمن. تسعى هذه المشاورات إلى تحقيق مشاركة فعالة للنساء في المفاوضات، وإرساء الأسس لسلام أكثر شمولاً واستدامة. وتعكس هذه الجهود التزامنا بتعزيز المشاركة المباشرة للنساء في كافة مسارات عملية السلام.
السيدة الرئيسة، يظل مكتبي ملتزماً بالسعي وراء كل فرصة لتحقيق السلام في اليمن. وعلى الأطراف أن تُثبت التزامها بالسلام عبر اتخاذ خطوات ملموسة، بما في ذلك الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين بشكل تعسفي. اليمن في أمسّ الحاجة إلى توحيد الهدف في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى. أود أن أؤكد مرة أخرى أنه رغم النزاع الإقليمي الواسع، لا يزال تحقيق السلام في اليمن ممكناً، ويجب علينا أن نظل متمسكين بتحقيق هذه الغاية.
يحمل هذا المجلس آمال المجتمع الدولي في إمكانية حل النزاعات عبر التعاون الدولي والدبلوماسية. وبصفتي المبعوث الخاص إلى اليمن، أنقل تطلعات الشعب اليمني وأدعو هذا المجلس إلى التكاتف من أجل وقف نزيف الدم ودعم كل الجهود المبذولة لتحقيق السلام في منطقة بأمسّ الحاجة إليه. شكراً لك السيدة الرئيسة .