[ رأفت الثقلي قاد تمردا في سقطرى ثم أصبح محافظا لها بقرار جمهوري ]
أعاد تعيين رأفت علي إبراهيم الثقلي محافظا لمحافظة أرخبيل سقطرى، وفق القرار الجمهوري رقم (19) لسنة 2022م، الذي أصدره مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، اسم الرجل إلى واجهة الأخبار، وحديث اليمنيين، الذين ذكروا بدور الثقلي خلال العامين الماضية كقائد للانقلاب المسلح المدعوم إماراتيا في الجزيرة في التاسع عشر من يونيو2020.
احتفاء إماراتي
صحف ومواقع إماراتية احتفت بالقرار، واعتبرته صحيفة العين الإماراتية صفعة لجماعة الإخوان في إشارة لحزب التجمع اليمني للإصلاح، على الرغم من أن سقطرى كانت قبل الانقلاب تحت قيادة المحافظ رمزي محروس المعروف بانتمائه للحزب الاشتراكي اليمني، ونقل موقع إرم نيوز الإماراتي عن مصادر وصفها بالمطلعة أن قرارات جمهورية مرتقب صدورها، خلال الساعات المقبلة، تتضمن تغيير محافظي مأرب وأبين ولحج، وأن ذياب بن معيلي سيكون محافظًا لمحافظة مأرب، خلفًا لسلطان العرادة.
في هذه المادة نستعرض مسيرة رأفت الثقلي القيادي في المجلس الانتقالي الذي تموله الإمارات، وعين محافظا لسقطرى الارخبيل اليمني الخاضع للسيطرة الإماراتية.
نشأة الثقلي وتوجهاته
ولد الثقلي في مدينة حديبو عاصمة أرخبيل سقطرى أواخر سبعينات القرن الماضي تقريبا، أي أن عمره حاليا يتجاوز الأربعين عاما تقريبا، ودرس المرحلة الابتدائية والإعدادية "المتوسطة" في سقطرى، قبل أن يكمل المرحلة الثانوية في مدينة عدن، ويلتحق بكلية الهندسة المعمارية، لكنه لم يكمل دراسته الجامعية، وعاد إلى الجزيرة، ليعمل بشكل شخصي كمقاول ومهندس معماري بسيط، وبات اليوم أبا لخمسة أبناء، اثنين من الذكور، وثلاثة إناث.
بحسب مصدر مقرب من الثقلي نرمز له بالاسم المختصر (ع.س) - وفقا لطلبه - فقد عرف الرجل بانتمائه لجماعة "التبليغ والدعوة"، متأثرا بوالده علي بن إبراهيم الثقلي، الذي يعتبر مؤسسا لهذه الجماعة الدينية في الارخبيل، ومع اندلاع الثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح في العام 2011م، كان رأفت الثقلي خطيبا وإماما لجامع النور في الجزيرة، وله موقفه المناهض لثورة الشباب منطلقا من اعتقاده بأنها خروج على الحاكم.
أول نشاط سياسي
وفي أكتوبر من العام 2011 سجل رأفت الثقلي أول نشاط سياسي له حين التحق بعضوية "المجلس الوطني لشباب أرخبيل سقطرى"، وهو مجلس تم إنشاؤه برئاسة فهمي شقيق رأفت الثقلي، وبدعم من الشيخ القبلي الملقب بالسلطان عبدالله بن عيسى آل عفرار، ورفع المجلس شعار المطالبة بإعلان سقطرى "إقليما مستقلا كامل الصلاحيات".
وخلال فعالية "للمجلس الوطني لشباب أرخبيل سقطرى" أقيمت في يناير من العام 2014 ظهر السلطان عبدالله بن عيسى آل عفرار وإلى جواره فهمي الثقلي، ومعهم عضو مجلس الشورى في محافظة المهرة توكل ياسين، والبرلماني عن حزب المؤتمر سعيد سالم سعد باحقيبة، الذي عين لاحقا في مارس من العام ذاته 2014 أول محافظ لمحافظة سقطرى التي أعلنها الرئيس عبد ربه منصور هادي في الثامن عشر من ديسمبر محافظة جديدة، بناء على القانون رقم (31) لسنة 2013م، بعد شهرين من زيارته للأرخبيل في أكتوبر من العام ذاته.
ولم يكن لرأفت الثقلي أي دور سياسي بارز سوى عضويته في المجلس الوطني لشباب سقطرى، لكنه في العام 2014 بالتزامن مع تحضيرات الحوثيين للانقلاب في صنعاء بمبرر إسقاط الجرعة على أسعار الوقود التي أقرتها حكومة الوفاق برئاسة محمد سالم باسندوة، ظهر رأفت الثقلي في تصريح متلفز لقناة المسيرة التابعة للحوثيين وهو يردد شعار الجماعة، ما وضع الرجل تحت دائرة الاتهامات بارتباطه بالحوثيين، وتردده على زيارة صنعاء برفقة شقيقه فهمي.
محاولات فاشلة للسيطرة على سقطرى
ومع اندلاع الحرب في البلاد عقب تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية، شهدت سقطرى تزايدا ملحوظا لأنشطة الإمارات الساعية للسيطرة على الجزيرة في اليمنية، وكان أبرزها الإنزال العسكري الإماراتي الكبير الذي انتهى بالسيطرة على مطار وميناء الجزيرة في أبريل 2018 بالتزامن مع زيارة لرئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر، وهي أزمة انتهت بوساطة سعودية أقنعت الإمارات بسحب معداتها العسكرية وتسليم المطار والميناء للقوات اليمنية، وارسال قوات سعودية ترابط فيها بجانب القوات الإماراتية.
وعقب هذا الحدث الكبير الذي شهدته سقطرى، وفشل الإمارات في السيطرة الكلية على الجزيرة لجأت الإمارات إلى استقطاب مئات الشخصيات الاجتماعية والمواطنين لتجنيدهم في أبوظبي، وكان رأفت الثقلي من بين من استقطبتهم الإمارات بتزكية من القيادي في الانتقالي عبدالله بن عيسى آل عفرار، وعاد الثقلي إلى الجزيرة ليقود حملات التحريض ضد المحافظ رمزي محروس، والمشاركة مع بعض القيادات العسكرية، وقيادات الانتقالي في محاولة إسقاط المحافظة، وكانت من أهم تلك المحاولات الفاشلة التي نفذت في الثلاثين من أكتوبر 2019 حين هاجم مسلحون تابعون للانتقالي مقر السلطة المحلية في حديبو.
العام الأهم في مسيرة الثقلي
لكن العام 2020 كان العام الأهم في مسيرة رأفت الثقلي، فعقب فشل المحاولة الانقلابية في أكتوبر 2019 أزاح الانتقالي رئيس القيادة المحلي للمجلس في سقطرى يحيى مبارك، وكلف ناظم قبلان بمهمة القيادة، لكن الثقلي الذي كان له ارتباط مباشر بالمندوب الإماراتي في الجزيرة العميد خلفان المزروعي، تمكن من كسب ثقة الإماراتيين متجاوزا الكثير من قادة الانتقالي، وبات القائد الفعلي، بسبب موقفه المتشدد الذي كان يدفع نحو استخدام القوة المسلحة لإسقاط الجزيرة، والانقلاب على المحافظ رمزي محروس.
وعقدت قيادة الانتقالي في سقطرى أول اجتماع بقيادة الثقلي في 26 أبريل من العام 2020، وبدأ الرجل أول مهامه بالضغط لإخراج شيخ مشايخ سقطرى عيسى سالم بن ياقوت، الذي غادر الارخبيل بخديعة سعودية بمبرر نقله إلى الرياض لمقابلة الرئيس هادي، قبل أن يتم وضعه في محافظة المهرة، لتخلوا جزيرة سقطرى في حينها لرأفت الثقلي الذي بدأ بحشد القبائل وتحريضها على المحافظ محروس، ونجح في شراء ولاء الكثير من القادة العسكريين والحكوميين والقبليين بالمال الإماراتي، فيما تم ترهيب المعارضين لحركة الانقلاب التي كان يتم التحضير لها.
التحضيرات الأخيرة
في السابع عشر من يونيو 2020 ظهر الثقلي برفقة قيادات عسكرية وأخرى تابعة للانتقالي وخلفهم علم الإمارات، وأعلن في تصريح شهير ومتلفز ولائه الكامل لقيادة أبوظبي وعيدروس الزبيدي، ومثل التصريح إعلان حرب على الحكومة المعترف بها دوليا وقيادة السلطة المحلية في الارخبيل اليمني.
وفي التاسع عشر من يونيو من العام ذاته بدأت مجاميع مسلحة لميليشيا الانتقالي ينتمي غالبيتها إلى محافظات يمنية تقع تحت سيطرة الانتقالي، وتلقت تدريباتها داخل الإمارات، بالزحف نحو مقر السلطة المحلية، وإدارة الأمن، ومعسكرة القوات الخاصة في حديبو، وبعد مواجهات محدودة سقط فيها قتيل واحد تمكن الانتقالي من السيطرة على حديبو بعد انسحاب القوات السعودية التي كانت مكلفة بتأمين عاصمة الجزيرة كطرف محايد، وتم بعد ذلك إخراج المحافظ رمزي محروس خارج الارخبيل ليعلن رأفت الثقلي في اليوم التالي من داخل مكتب المحافظ الإدارة الذاتية التابعة للانتقالي في الجزيرة.
عامان تحت قيادة الثقلي
وبعد يومين من نجاح الانقلاب المدعوم من الإمارات أعلن الانتقالي في 22 يونيو 2020، تكليف رأفت الثقلي بمهام رئيس الإدارة الذاتية بمحافظة أرخبيل سقطرى، ليتولى الرجل بعد ذلك مهمة تحويل الجزيرة إلى ثكنة عسكرية إماراتية، وتدفقت السفن القادمة من أبوظبي تحمل معها المعدات العسكرية، لتبدأ تدشين المعسكرات، والقواعد العسكرية في مواقع حساسة داخل الارخبيل، وخلال عامين فقط وصلت عشرات الرحلات الجوية المحملة بالسياح والخبراء الأجانب عبر رحلات جوية مباشرة من أبوظبي بتأشيرات إماراتية تحت أنظار القوات السعودية، ودون موافقة الحكومة الشرعية.
ولم يقتصر الوضع على هذا الحال، بل إن الثقلي ذهب إلى أبعد من ذلك، حينما شرعت الإمارات من خلاله بوضع يدها على الحياة العامة في الجزيرة، كفرض عملتها للتداول العام، والتخلص من مؤسسات الدولة، وإحلال مؤسسات تابعة لها، كما حصل مع شركة ديكسم باور التي احتكرت مادة الكهرباء، وفرضت رسوما باهظة على السكان، وسيطرت على ميناء المحافظة، وتحكمت فيه، بإدخال السفن وإخراجها وإفراغ حمولاتها بعيدا عن الحكومة، والأجهزة الرسمية.
وخلال تلك الفترة مارس الثقلي عبر المليشيا التي يقودها حملات مناطقية لطرد العمال المنتمين لمحافظات في شمال اليمن من الجزيرة، وظهر مطالبا بانفصال اليمن، وعودة ما يعرف بالجنوب العربي، وعلى المستوى الخدمي شهدت الجزيرة ترديا كبيرا للخدمات الأساسية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتراجع دور الجهات الحكومية في ممارسة مهامها، بل إنها غابت تماما من الحضور الرسمي للحكومة اليمنية المقيمة في الخارج، وبدت وكأنها خارج دائرة اهتمامها، وغيبت الجزيرة والأوضاع فيها بشكل تام عن الاتفاقات السياسية التي جرت كاتفاق الرياض، وكل ذلك جاء انطلاقا من مقولته الشهيرة التي ظهر فيها يؤكد بأنه مع الإمارات شاء من شاء وأبى من أبى.
واستغلت الإمارات بتواطؤ سعودي خروج المحافظ رمزي محروس بعد الانقلاب عليه، ومنعت عودته للجزيرة لأكثر من عامين، وظل منصب المحافظ شاغرا، باستثناء مهام تتم عن بعد، وتمكنت خلال ذلك من تجذير حضورها، والسيطرة على الجزيرة، عبر الثقلي، الذي منع أي انعقاد للمكتب التنفيذي للمحافظة بقيادة محروس، وفي المرة الوحيدة التي عقد فيها أعضاء المكتب لقاء عبر تطبيق الزوم مع محروس، داهمت المليشيا التي يقودها الثقلي اجتماع الأعضاء، وفضته بالقوة وتهديد السلاح.
تداعيات القرار
إن تعيين الثقلي محافظا لسقطرى أصبح بمثابة المكافأة بعد الإخلاص الذي أبداه في خدمة الإمارات بالجزيرة، والتمرد الذي قاده ضد الحكومة الشرعية، حتى بات المتابعون لتطورات الأوضاع بالجزيرة بأنها صارت خارج السيطرة اليمنية، بالتزامن مع اهتمام إماراتي لافت، وتصريحات لقيادات إماراتية تعطي الحق لنفسها في التواجد بالجزيرة، ومنح السكان الأصليين جنسيات إماراتية.
ويعد منح الثقلي الصفة الرسمية لإدارة الجزيرة، الخالية من موظفي الدولة، والمعطلة من مؤسساتها المدنية والأمنية والعسكرية، والواقعة فعلا تحت الهيمنة الكاملة لدولة الإمارات منذ سنوات، تعزيزا للقبضة الإماراتية، ويمنح أبوظبي حرية التحرك والتواجد، وممارسة أعمالها، وتنفيذ أجندتها، واستكمال ما تبقى لديها من أعمال، وهي بذلك تكون قد انتقلت من الوجود المشبوه الذي ظل محط انتقاد لها، وبعيدا عن الدولة، وافتقادها للتنسيق الرسمي مع الحكومة طوال الفترة الماضية، إلى الحضور الفعلي الواضح في الجزيرة تحت غطاء حكومي يمنحه لها قرار التعيين الثقلي محافظا للأرخبيل، بعد تخلصها من كل الشخصيات المحلية في الجزيرة والحكومة المعارضة لتواجدها هناك.
لقد أبان قرار تعيين الثقلي محافظا لسقطرى عن اهتمام الإمارات بالجزيرة، ورغبتها في إبقاء الجزيرة تحت قبضتها وسيطرتها، والبقاء هناك، ما يشير إلى تطورات قادمة ستشهدها الجزيرة، خاصة مع حالة الضعف التي يظهر بها مجلس القيادة الرئاسي، الذي قدم للإمارات هدية ثمينة في ذاك القرار.
صراع تاريخي
وشهدت الجزيرة خلال عامين من السيطرة الإماراتية الكاملة، تحت قيادة الثقلي ترديا غير مسبوق للوضع المعيشي والأمني، وخرج مئات السكان في احتجاجات غاضبة تم إخمادها بالقوة، كما ظهرت خلافات بين قيادات الانتقالي الاشتراكية والثقلي محملة بإرث تاريخي من الصراع الممتد منذ العام 1973 حين أعدمت الجبهة القومية التابعة للحزب الاشتراكي الوزير في السلطنة العفرارية إبراهيم الثقلي، وهو جد رأفت الثقلي، إلى جانب 11 وزيرا ومعهم السلطان عيسى بن علي آل عفرار، الذي تم تعذيبه وسجنه لسنوات طويلة، وهو والد القيادي في الانتقالي عبدالله بن عيسى آل عفرار.
لكن اللافت أن ممن شارك في ارتكاب تلك المجزرة الجماعية هو العقيد علي عمر كفاين الذي يعمل اليوم قائدا لميليشيا الحزام الأمني في سقطرى، وعلى الرغم من هذا العداء التاريخي فقد تمكنت الإمارات من جمعهم في كيان واحد بأموالها، لكن هذا الكيان مهدد بالانفجار في أي لحظة، بحسب مؤرخين في الجزيرة، ما قد يضع سقطرى أمام تهديد عودة هذا الصراع التاريخي، خصوصا بعد تعيين الثقلي محافظا للأرخبيل، ومنحه السلطة الكاملة لإدارة الجزيرة.