[ عدة فصائل يمنية ظهرت بعد الحرب ]
تتواجد في اليمن العديد من الفصائل العسكرية المسلحة التي تشكلت منذ تدخل التحالف العربي في اليمن بعيدا عن إدارة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وتعمل بدعم من السعودية والإمارات، وتتركز فيما بات يعرف بالمناطق المحررة من البلاد، وحلت مكان الجيش اليمني الذي تعرض للعديد من الانقسامات والتشرذم منذ العام 2011م.
كانت المحطة الأولى لانقسام الجيش في العام 2011م، حين توزع بين جيش موال للرئيس السابق علي عبدالله صالح، وآخر انشق والتحق بالثورة الشعبية التي أطاحت بصالح، وظل الانقسام مهيمنا، ولكن في إطار داخلي في القوات المسلحة، ثم جاء انقلاب جماعة الحوثي في العام 2014م وقضى على ما تبقى من جيش، وتسبب في تشرذمه، ونزيفه الكبير، وتزامن ذلك مع اندلاع الحرب التي قادتها السعودية في اليمن منذ مارس 2015م.
أدت الحرب الجارية في اليمن إلى انقسام الجيش لنسختين، الأولى تلك التي ظل يسيطر عليها الحوثيون في صنعاء، والأخرى نواة جديدة تشكلت من قيادات عسكرية لمواجهة حرب الحوثيين وتوسعهم في المحافظات، وامتد نطاقها في المحافظات التي لم تصل لها جماعة الحوثي كمارب والجوف، فيما ظلت هناك نسخة ثالثة قائمة من الجيش الأساسي تتمركز في نطاقات بعيدة كمحافظات المهرة وحضرموت، وهي المحافظات التي لم تصل لها حروب الحوثيين، أو كانت مسرحا للحرب المدمرة في اليمن.
الوضع العام للجيش خلال الحرب
جراء الحرب التي فجرها الحوثيون نشأت وتشكلت في بادئ الأمر فصائل مسلحة من جنود ومتطوعين مدنيين في عدة محافظات لمواجهة الحوثيين وإيقاف زحفهم، كتعز ومارب وعدن، بسبب الانتكاسة التي تعرض لها الجيش، وعرفت وقتذاك بالمقاومة الشعبية، وتمكنت تلك الفصائل من إلحاق الهزيمة بالحوثيين، ثم تدريجيا تحولت لتصبح تلك الفصائل نواة لجيش حكومي تشكل من جديد، كما حدث في تعز، ومارب.
أما في محافظات كعدن ولحج وأبين فتخلخلت بنية الجيش الحكومي عقب الاجتياح الحوثي لتلك المدن، وتطوع مدنيون لمواجهة الحوثيين وقوات صالح التي تحالفت معها، وعقب تحررها من جماعة الحوثي، بدأ التحالف العربي بقيادة السعودية بتشكيل ألوية جديدة لضبط الأمن في المدينة، ثم جرت استعادة الروح للمؤسسة العسكرية تدريجيا، عبر المنطقة العسكرية الرابعة.
لكن تلك الروح ظلت خاوية، فبالنسبة للمنطقة العسكرية الرابعة على سبيل المثال، حافظت على كيانها في البقاء، غير أنها لم تخض أي معارك لنصرة الحكومة الشرعية إبان فترة الرئيس عبدربه منصور هادي، بل جرى تحييدها بشكل تام عن المشاركة في أي معارك عسكرية، أو عمليات ضبط الأمن في مدينة عدن، وما حولها، بل كان لها موقف سلبي من جملة الأحداث التي شهدتها عدن، رغم تبعيتها لوزارة الدفاع وانتظام تسليم مرتبات قادتها والمنتسبين فيها.
وفي حضرموت والمهرة وسيئون ظلت القوات المسلحة هناك بعيدة أيضا عن جغرافيا المعركة العسكرية في اليمن، ولكن تعرض الجيش هناك للعديد من المؤامرات التي استهدفت تفكيكه، والإجهاز على السلاح التابع له، بل وجرى تشويهها بالعديد من الافتراءات كتبعيتها للإخوان المسلمين، وظلت مطلبا للمجلس الانتقالي يطالب بإبعادها من نطاق تمركزها، وارسالها لجبهات القتال مع الحوثيين، وهو هدف باطنه المواجهة العسكرية، وظاهره التخلص من تلك القوات، التي لاتزال محافظة على ولائها للجمهورية، وتعد نواة يمكن البناء عليها لإعادة تشكيل الجيش اليمني لاحقا، وإعادة الحياة إليه.
أما في مارب فقد تشكل الجيش فيها من الصفر، منذ اندلاع الحرب في اليمن، وتعرض هناك للعديد من عمليات الاستهداف، والنزيف في قيادته، وسجلت محافظة مارب أكثر الجبهات التي تعرض قادة عسكريين وجنود فيها للاغتيال، والموت في المعارك، والإقصاء من مواقعهم العسكرية.
ورغم ذلك فقد خاض الجيش هناك معارك شرسة مع جماعة الحوثي طوال السنوات الماضية، في نطاق جغرافي صعب، وممتد ومهم، وتمكن من حماية مارب من اقتحام الحوثيين، وظهر متماسكا رغم ما تعرض له من مؤامرات واستهداف وتشويه.
وثمة تواجد للجيش أيضا في المنطقة العسكرية الخامسة بمحافظة حجة، والذي خاض أيضا معارك عسكرية مع الحوثيين، وظل مرتبطا بالقيادة العامة للجيش المتواجدة في محافظة مارب.
ظروف تشكل الفصائل المسلحة
مع تحرير مدينة عدن في العام 2015م بدت الحاجة ملحة لقوات أمنية تتولى ضبط الوضع في المدينة عقب ما تعرضت له من دمار ناتج عن اقتحام الحوثيين والجيش التابع للرئيس السابق علي عبدالله صالح، وبسبب تعذر استعادة القوات الأمنية التي كانت متواجدة في عدن بعد تفرقها عند عملية الاقتحام للمدينة، بدأ الحديث عن إنشاء قوات أمنية جديدة تتشكل من جموع الشباب الذين كان لهم دورا في عملية التحرير بشكل أساسي، وبتعبير أدق من شباب مدينة عدن.
لكن مصير عدن تغير لاحقا عقب تحريرها، فقد تمركز التحالف في المدينة، وحضرت قوات سعودية وإماراتية، جذرت نفسها، وباتت هي المتحكم الرئيسي في الوضع والمشهد الأمني، وخلقت أذرعها من القيادات والمتعاونين الذين يعملون وفقا لأجندتها، وساهمت الحكومة الشرعية في هذا الأمر، من خلال الليونة التي أبدتها تجاه تدخلات التحالف – خاصة الإمارات – في رفض نايف البكري وتمكينه من منصبه كمحافظ لعدن بقرار من الرئيس عبدربه منصور هادي، إذ لم يتمكن البكري سوى من أداء اليمين الدستورية في الرياض فقط، بينما تعذر وصوله إلى عدن لممارسة مهامه.
في تلك الأثناء كانت الإمارات وبمؤازرة سعودية قد بدأت في عملية التجنيد لإنشاء ألوية عسكرية، تحت مسمى قوات الحزام الأمني، وللأسف أن بعضها كان بمباركة الحكومة الشرعية، لكن عملية التجنيد تلك جرى تحييدها عن مهمتها الأساسية في حفظ الأمن بالمدينة، واستعادة روح الحياة فيها، فظهرت عمليات الاغتيال لأئمة المساجد والسياسيين ورجال الأمن والجيش، بل وقعت عمليات تفجير جماعية استهدفت العديد من المتقدمين لطلبات التجنيد من أبناء عدن في جبل حديد وغيرها.
اشتعلت النار أكثر في عدن مع اغتيال المحافظ جعفر محمد سعد المعين خلفا للبكري في وقت قياسي، وبعد فترة بسيطة من اغتياله، وهو ما أوحى بالمشهد القاتم الذي ينتظر المدينة، ووجود قوة خفية تمارس عمليات إرهاب واسعة تمارس الاغتيالات والتصفيات بشكل ممنهج، وهو ما اتضح لاحقا في التقرير الذي نشره موقع بازفييد للتحقيقات الاستقصائية، وكشف تورط الإمارات في استئجار مرتزقة أجانب لتنفيذ عمليات اغتيال في عدن.
عقب اغتيال اللواء جعفر محمد سعد تم تعيين عيدروس الزبيدي في السابع من ديسمبر 2015م محافظا للمدينة، وهنا بدأ منعطف جديد، إذ مثلت فترة الزبيدي الفترة الأخصب في إنشاء التشكيلات الأمنية من المليشيا غير التابعة للحكومة الشرعية، تحت مسمى الحزام الأمني، التي باتت الذراع الرئيسي للإمارات وممولة منها، وتتحكم بالمدينة، ومارست خلال ذلك العديد من الانتهاكات، كالسجون السرية، والاختطافات والاغتيالات، ومصادرة الحقوق، واسكات المعارضين، وارتكاب جرائم التطهير العرقي والمناطقي.
استفادت تلك المليشيا من التمويل الإماراتي، وجرى تغذيتها بالشعارات المناطقية، والمطالبة بالانفصال، ما أثر كثيرا على نشاطها وسلوكها، والانتهاكات التي ارتكبتها، ثم توسعت لاحقا لتشمل العديد من الفصائل العسكرية، ليس فقط في الجانب الأمني، بل في الجانب العسكري، خاصة بعد تشكيل ما عُرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي.
ذلك كان في عدن، أما في حضرموت والضالع وشبوة فقد عملت الإمارات على استنساخ تجربة الأحزمة الأمنية، ولكن بمسميات مختلفة، ففي حضرموت أطلق عليها قوات النخبة الحضرمية، وتشكلت هذه القوات بعد السيطرة على مدينة المكلا، وبعد خروج جماعة أنصار الشريعة التابعة لتنظيم القاعدة، في أبريل/نيسان 2016.
أما في شبوة فقد شكلت الإمارات ما عرف بقوات النخبة الشبوانية في العام 2017، بينما فشلت التجربة في المهرة وتعز، بينما في الضالع تشكلت قوات أمنية وعسكرية ممولة من الإمارات وتابعة للمجلس الانتقالي.
وفي الساحل الغربي تواجدت قوات تدعمها الإمارات والسعودية كألوية العمالقة والمقاومة التهامية، ودخلت في مواجهات مع الحوثيين حتى عمق مدينة الحديدة، وامتد نطاقها من عدن حتى ميناء الحديدة، ثم تراجع نطاقها وانحسر مع المفاوضات بين الحكومة والحوثيين في السويد.
وعقب مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017م، انشطر الجيش الموالي له أيضا، وتوزع بين تشكيلات ظلت محتفظة بالولاء للحوثيين، وأخرى غادرت مناطق الحوثي، واتجهت نحو مناطق أخرى، كقائد حراسة صالح السابق ونجل شقيقه طارق محمد عبدالله صالح، الذي وصل إلى عدن، ومن هناك مولت الإمارات تشكيل مسلح يقوده، وعرف باسم المقاومة الوطنية أولا، ثم قوات الجمهورية، وتمركز في الساحل الغربي، وحل محل ألوية العمالقة والمقاومة التهامية، التي تعرضت للتهميش لصالح التشكيل المسلح لطارق صالح.
الواقع العسكري اليوم
من خلال النظر للواقع العسكري اليوم في اليمن يتضح أن هناك العديد من التشكيلات المسلحة التي تنقسم لعدة فصائل نبرزها في هذا التفصيل:
الفصيل الأول القوات الحكومية:
وهي القوات المشكلة من بقايا الجيش السابق، وتتمركز في مارب وحضرموت والمهرة وشبوة وتعز وحجة وأبين، ومناطق أخرى، وهي القوة الأكبر لكنها الأقل تسليحا، والأكثر إهمالا، وتعاني من التفكيك، ونقص الراتب وضعف التمويل، وقلة الإمكانيات.
الفصيل الثاني: تشكيلات المجلس الانتقالي:
وهي التشكيلات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي، وتنتشر في المناطق التي تخضع لسيطرته وتحديدا في عدن وأبين ولحج والضالع، وسقطرى، مع حضور طفيف في شبوة وحضرموت.
هذه الفصائل تشكلت في البداية لحماية الأمن عقب عملية التحرير – كما أسلفنا – ثم طرأت العديد من المتغيرات لتصبح في الواجهة، وأدى تصفية الانتقالي لقوات هادي في عدن وعلى رأسها ألوية الحماية الرئاسية خاصة بعد معركة العلم، وحملات التنكيل والاجهاز التي تعرضت لها تلك التشكيلات بدوافع مناطقية انتقاما من أبين والميسري، وبتمويل إماراتي للانتقام من هادي والشرعية، وهذا جعله يتوسع في السيطرة ويبسط سيطرته الكاملة، وينهي توازن القوة الذي كان قائما بين الانتقالي وألوية الحماية الرئاسية.
كما أن التمويل الإماراتي وضعف أداء الحكومة الشرعية أسهم في تسمين تلك التشكيلات، التي تحولت لجيش خاص بالانتقالي يزعم تمثيله للجنوب، ومغذى بالانفصال، وأوهام التشطير، ويدار بطريقة مناطقية، ويظل نواة لجيش قادم في حال وقع الانفصال.
تتكون تلك الفصائل من كلا من:
مليشيا الدعم والاسناد
تأسست هذه المليشيا في العام 2016 بمحافظة عدن، وتتكون من أربعة ألوية تحت قيادة القيادي السلفي سابقا محسن الوالي، ثم جرى اسناد إدارتها لصالح أحمد محمد السيد، قائد اللواء الخامس سابقا.
يقع مقر هذه المليشيا في مدينة الشعب بمديرية البريقة، ويبلغ قوامها حوالي 20 ألف مقاتل موزعين في عموم المحافظات الجنوبية.
ويعد اللواء الأول من أبرز الالوية الواقع بمدينة البريقة، التي تمارس انتهاكات في حق المدنيين في المدينة عن طريق حملة الاعتقالات، كما تمارس نهب بعض الأموال العامة والخاصة عن طريق الإتاوات التي تفرضها النقاط التابعة لها على قاطرات النفط من ميناء الزيت، ومنها نقطة في مدخل ميناء الزيت، وتورد تلك الأموال الى صرافة القطيبي لحساب شركة اسناد التابعة للانتقالي.
هذه المليشيا مهمتها الجباية بشكل كبير في عدة نقاط استحدثتها، وبلغ عددها نحو 25 نقطة موزعة على جميع مديريات عدن، ومن تلك النقاط: نقطة راس عمران في مفرق الوهط، وتقع في مدخل راس عمران بمديرية البريقة، وتبعد مسافة أكثر من 52 كيلو من مدينة عدن.
هذه النقطة تمنع حرية التنقل، وتمارس الابتزاز والنهب لقاطرات نقل النفط والديزل والمواد الغذائية، وتنهب بعض المسافرين بدفع أموال، وتقدر الاتاوات التي تجمع في اليوم الواحد أكثر من 25 مليون ريال.
وتعد حادثة الاشتباكات التي خلفتها قوة الدعم والحزام الأمني والتي راح ضحيتها مدنيين، وخسائر بممتلكات المواطنين من أبرز الجرائم التي تسببت بها تلك القوة الى جانب واقعة نهب 52 سيارة و150 مليون ريال من معرض النصر في عدن، وهو معرض تابع لمستثمر من المحافظات الشمالية، من أبرز انتهاكاتها ايضا الاعتقالات التعسفية والاختطافات والمداهمات.
وبسبب هذه الممارسات تحولت ألوية الدعم والاسناد بشكل سريع جدا إلى القوة الضاربة والأكثر حضورا وتأثيرا في عدن بشكل خاص، وذلك على حساب مليشيا الحزام الأمني، بعد أن كانت هي المسيطرة على المحافظة طوال الفترة الماضية.
كتائب العاصفة
تأسست في نهاية العام 2017م، كقوة رئيسية تحت اشراف مباشر من عيدروس الزبيدي، واختير عناصرها بعناية فائقة، وتحظى باهتمام كبير من دولة الإمارات الممولة لها، وتتكون من خمس كتائب، ويصل قوامها لنحو 2000 جندي، تحت إدارة وقيادة أوسان العنشلي.
تملك هذه الكتائب مدرعات وأسلحة وخفيفة وثقيلة وأطقم خاصة، وتوجد لها فروع أبين والضالع، وتتمركز في القصر المدور ـ منطقة جولد مورـ بمديرية التواهي، وتنتشر في جميع مديريات عدن، من العلم إلى رأس عمران غربي عدن.
اللواء الخامس – لحج
يقود هذه المليشيا صالح أحمد محمد السيد، ويبلغ قواته 2000 مسلح، وتتبعه العديد من الكتائب، منها كتيبة يقودها شخصا يدعى أبو سام اليافعي، بالإضافة لثلاث سرايا أخرى، ويبلغ قوام افرادها ألف فرد، ويتمركز في منطقة الرباط ـ صبر ـ لحج، ويمتد نشاطه إلى مديريات عدن، خاصة دار سعد والشيخ عثمان.
الكتيبة الأولى في اللواء بقيادة أبو سام اليافعي التابعة للواء من أبرز الكتائب التي تقوم بعمليات مداهمات لمنازل الأبرياء في مديريات دار سعد والشيخ عثمان.
اللواء عبارة عن سجون مختلفة ويمارس في هذه السجون أبشع الانتهاكات المهينة لكرامة الإنسان، وهناك من الإخفاء القسري وتصفيه لمعتقلين والتعذيب ولابتزاز ويتواجد بالقرب من سكن مدير امن لحج سابقا العميد صالح السيد، وقد وثقت عدة منظمات انتهاكات واختطافات وإختفاءات قسرية، لأبناء عدن بالإضافة الى انتهاكات طالت الطفولة.
ويعد هذا اللواء أكثر الألوية انتهاكا لحقوق الإنسان، خاصة أبناء مديرية دار سعد والشيخ عثمان والمدارة، وتحتجز المليشيا فيه عدد كبير من السجناء، ويعتبر أكثر السجون بشاعة، وله سمعة سيئة.
الحزام الأمني
تأسست في مارس من العام 2016م، بدعم وتسليح كامل من دولة الامارات، وتحت اشراف مباشر من هاني بن بريك، نائب رئيس المجلس الانتقالي، ويقودها حاليا جلال ناصر زين الربيعي، وبلغ عدد أفراد هذه المليشيا أكثر من ثلاثة عشرة ألف مسلح في عموم المحافظات الجنوبية.
ووثقت المنظمات الحقوقية عشرات الانتهاكات ارتكبتها قوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات في المناطق التي تسيطر عليها خلال شهرين، ومن أبرز انتهاكاتها: قتل واحتجاز خارج القانون، وادارة سجون سرية تابعة للأمارات.
وتشترك كل تلك الوحدات العسكرية والأمنية التابعة لميلشيا للمجلس الانتقالي المذكورة أعلاه في تقسيم مداخل ومنافذ المدينة بالإضافة الى الموانئ والطرقات والأسواق والأراضي بين تلك القيادات التي أصبحت تشكل مراكز نفوذ مالي لهم وتقيم من خلالها تحالفات سلطوية وعسكرية وقبلية في نطاق الجغرافيا التي تسيطر عليها.
ألوية الصاعقة
وتتكون من عدة ألوية، وكان يقودها محمد قاسم الزبيدي شقيق عيدروس الزبيدي، قبل أن يتولى قيادته أبو أكرم الهمشري مدير مكتب الزبيدي، وأغلب قياداته وقواعده من الضالع وتدرب بعضهم في إيران ولبنان، وفقا لمركز أبعاد للدراسات.
النخبة الحضرمية
تتنوع قوات النخبة الحضرمية بين قوات أمنية وقوات مسلحة، شُكل أغلبها في ألوية قائمة بذاتها، وبأسماء مختلفة، وألحقت بقيادة المنطقة العسكرية الثانية، التي تتمركز بمدينة المكلا، وهذه الألوية هي: لواء شبام، ولواء الأحقاف، ولواء الريان، ولواء بارشيد، وتتمركز جميعها في مدن ساحل حضرموت، وتخضع قياديًّا لمحافظ حضرموت، اللواء فرج البحسني، بوصفه، كذلك، قائد المنطقة العسكرية الثانية، إلا أن الرجل يواجه تحديات في ذلك؛ بفعل تغول القيادة الإماراتية، عبر مندوبها المقيم بمطار الريان، بالقرب من المكلا.
النخبة الشبوانية – قوات دفاع شبوة
تعد النخبة الشبوانية أكثر قوات النخبة ولاء للإمارات، مع ما يربطها من علاقة وثيقة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، ويتشكل قوامها البشري من أغلب مديريات محافظة شبوة، فيما تظل مديريات أخرى خارج هذا التشكيل، ومثال ذلك: المناطق الخاضعة، كليًّا، لأجهزة السلطة الشرعية، مثل: مديرية بيحان. ويعبر هذا الانتقاء عن أهمية مناطق انتماء مجندي النخبة، ونشاطها فيها، لما تحويه من مصادر للطاقة، وخطوط نقلها، والشريط الساحلي، والشركات النفطية، ومشروع بلحاف للغاز، والموانئ، والمطارات، والطرق الرابطة بين حضرموت وأبين وعدن.
وخلال فترة المحافظ محمد صالح بن عديو جرى تقليص تلك المليشيا، وإزاحتها من المشهد بشكل تدريجي، لصالح تفعيل قوات الجيش والأمن، وانحسر دورها، وتراجع نفوذها، لكنها عادت للمشهد مرة أخرى مع إقالة بن عديو كمحافظ لشبوة، وتعيين المحافظ عوض الوزير خلفا له، تحت مسمى قوات دفاع شبوة.
فصائل أخرى تابعة للانتقالي:
بعض وحدات المنطقة العسكرية الرابعة ومنها محور العند، محور الضالع.
بعض وحدات ألوية العمالقة التي يقودها أبو زرعة المحرمي اليافعي.
ألوية المقاومة، وتتواجد في الضالع، ويقودها شلال شايع، مدير أمن عدن السابق.
جموع مسلحة تابعة للانتقالي في جزيرة سقطرى، وقامت على أنقاض الجيش الحكومي، وتتشكل من مجندين جرى جلبهم من محافظات الضالع، وأبين وعدن ولحج.
قوات أمن عدن ومكافحة الإرهاب، ويبلغ عدد أفرادها نحو 5000 جندي، وتُتهم وحدة مكافحة الإرهاب التي يقودها يسران مقطري بانتهاكات حقوقية تشمل القتل العمد، والاعتقال، والتعذيب، والاغتيالات.
اللواء الأول مشاة في جبل حديد.
الجدير بالإشارة هنا أن مليشيا الحزام الأمني تنتشر في عدن، ولحج، والضالع، وأبين، ضمن تشكيلات مستقلة، فعلى سبيل المثال، تتمركز قيادة اللواء الأول دعم وإسناد بمنطقة الجلاء، بعدن، وتنتشر قواته في مناطق مختلفة من المدينة، ويرابط لواء الـ 20 دعم وإسناد، بقيادة اللواء هيثم قاسم، بمدينة المخاء الساحلية التابعة لمحافظة تعز الشمالية.
الفصيل الثالث: قوات طارق صالح في الساحل الغربي
وهي القوات التي تشكلت بدعم إماراتي في الساحل الغربي، ولها عدة تسميات منها: القوات المشتركة، وحراس الجمهورية، وتتشكل من مجموعة من الموالين للرئيس السابق "صالح" أو قائد حراسته طارق صالح، ولم تخض معركة عسكرية، وظلت في حالة سبات بالمناطق التي تتواجد فيها.
وتعد قوات حراس الجمهورية صورة مستنسخة من قوات الحرس الجمهوري، التي شملتها عملية هيكلة القوات المسلحة، خلال عامي 2012-2013؛ واستقطب الكثير من منتسبي الحرس الجمهوري، والقوات الخاصة، والأمن المركزي، ومدنيون آخرين من مختلف المناطق اليمنية، والتوجهات السياسية، عبر مراكز استقبال تقع في كل من: مأرب، وقعطبة، وعدن، والمخاء، والخوخة، وقد أُعلن عن استكمال تشكيلها في أبريل/نيسان 2018، بعد خضوع منتسبيها لبرامج تدريب مكثفة في معسكرات تدريب بمدينة عدن، وتحت إشراف ودعم إماراتي.
انطلقت أولى عمليات هذا الفصيل من مفرق المخاء، غربي تعز، وتمكنت من السيطرة على بعض المرتفعات المطلة على معسكر خالد، فيما دُفع بوحدات أخرى للحاق بقوات العمالقة والمقاومة التهامية المتقدمة نحو ميناء الحديدة، وعرف عنها تراجعها الشهير وانسحابها من مناطق شاسعة في محافظة الحديدة لصالح الحوثيين في نوفمبر من العام 2021م.
الفصيل الرابع: ألوية العمالقة
برزت ألوية العمالقة كقوة مؤثرة خلال ما عرف بمعركة "الرمح الذهبي"، التي انطلقت أوائل يناير/كانون الثاني 2017، مستهدفة تحرير الساحل الغربي اليمني المطل على البحر الأحمر، من قبضة الحوثيين.
وقد وجدت فيها الإمارات ضالتها، للتقدم نحو ميناء الحديدة، الذي يعد أكبر موانئ اليمن على البحر الأحمر، معتمدة في ذلك على طبيعة المكون البشري لهذه القوات؛ حيث ينتمي أغلب المقاتلين إلى التيار السلفي، الذي يتبنى عداء عقديًّا تجاه الحوثيين، فضلًا عن الموقف المشترك مع الإمارات، تجاه حزب التجمع اليمني للإصلاح، الفاعل السياسي والعسكري الأبرز في السلطة الشرعية. وقد تشكلت، خلال تقدمها على الساحل، في خمسة ألوية عسكرية، يقودها أبو زرعة، عبد الرحمن صالح المحرمي اليافعي.
مثَّلت النواة الأولى لهذه القوات، مجموعة من مقاتلي فصائل وكتائب المقاومة الشعبية الجنوبية، التي خاضت معارك شرسة في مواجهة الحوثيين، في كل من: عدن، ولحج، والضالع، وأبين، وشبوة، خلال عامي 2015-2016، وإلى جانبهم مقاتلون من محافظات الشمال، ممن شاركوا في مواجهة الحوثيين في أحداث دمَّاج بين عامي 2013- 2014، وآخرون كشفوا عن أنفسهم في وسائل إعلامية مختلفة، بأنهم ممن انقطعوا عن الخدمة العسكرية؛ نتيجة لتداعيات حروب داخلية سابقة، أبرزها حرب صيف 1994.
بعد السيطرة على ميناء المخاء، أواسط عام 2017، ألحق بهذه الألوية 400 مقاتل، وعند بلوغها محيط مدينة الحديدة، كان عدد ألويتها قد بلغ 12 لواء، نتيجة لانضمام المقاومة التهامية إلى صفوفها، ويرجح الباحث بالشأن العسكري علي الذهب بأن متوسط القوة الفعلية لهذه الألوية، يتراوح بين (600 -700) جندي.
تتمركز وحدات من ألوية العمالقة بما فيها المقاومة التهامية، في النسق الأول، الذي يحاصر مدينة الحديدة، وفي النسق الثاني، ضمن قطاعات الساحل، على البحر الأحمر، ابتداء من باب المندب حتى الحديدة، وفيما وراء مدينة الخوخة، إلى حَيْس، وعلى جانب من الطريق الممتد بين مدينتي تعز والحديدة، بما فيها قاعدة (معسكر) خالد بن الوليد.
ويتولى جانبًا من ذلك اللواء 20، بقيادة اللواء هيثم قاسم، واللواء الثالث دعم وإسناد، بقيادة نبيل المشوشي، واللواء الخامس حماية رئاسية، بقيادة محمد البوكري، واللواء الثالث مشاة، بقيادة بسام محضار، علاوة على انتشار محدود في الساحل الجنوبي.
تداعيات وجود التشكيلات العسكرية في اليمن
كانت المحصلة النهائية لهذه الحالة من التشرذم والانقسام في الجيش والأمن تفكيك الجيش اليمني، وتقطيع أوصاله، ما أسهم في عدم قدرته على الحسم العسكري، واضعف قدراته، وجعله في حالة توازن مختل قياسا بما هو عليه الجيش الذي تسيطر عليه جماعة الحوثي في مناطق سيطرتها.
وزاد الأمر خطورة حالة القطيعة وفقدان الثقة واعتبار كل فصيلة من تلك الفصائل نظيرتها عدوا يجب مواجهته، ما عزز حالة الانقسام، والاحتشاد ضد بعضها البعض، خصوصا مع ارتفاع الأصوات المناطقية، والدوافع السياسية، التي أججت الأحقاد، وعمقت الشرخ بينها.
ومن التداعيات الأخطر هو ارتهان تلك الفصائل للجهات الخارجية التي تمولها، ودورانها في نفس دائرتها، ما سهل تبعيتها، وتنفيذها للأجندة الخارجية، وتحولت تلك الفصائل إلى أدوات لتنفيذ مخططات التدخل الخارجي، ويبدو ذلك بشكل أوضح بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة ثم المملكة العربية السعودية، من خلال الفصائل الكثيرة التي تمولها وتدعمها في اليمن.
وخلال السنوات الماضية، وتحديدا منذ تشكل تلك الفصائل، وحصولها على التمويل الكافي، حققت الإمارات أجندتها في اليمن عبر تلك الفصائل، وتمثل ذلك في فصل المناطق التي تعرف بالمحررة عن سلطة الحكومة الشرعية، والحيلولة دون عودة الرئيس هادي للداخل، والقضاء على خصومها كألوية الحماية الرئاسية، وإزاحة القوات الحكومية من التواجد والسيطرة في بعض المحافظات كسقطرى، والتحكم بالمؤسسات الحيوية ومصادر الدخل القومي، كالمطارات والموانئ والمنشآت النفطية، وقمع المعارضين، وتحقيق هيمنة الإمارات، وإثارة الفوضى أمام كل النماذج والقيادات التي يمكن أن تشكل خطورة على التواجد الإماراتي، كما حدث لمحافظ شبوة محمد صالح بن عديو.
أدى هذا لتصاعد الدعوات الانفصالية المطالبة بعودة التشطير من جديد، وتولى ذلك المجلس الانتقالي، الذي استطاع أن يحقق من تلك الفصائل مكاسب اقتصادية، تمثلت في السيطرة على موارد الدولة، وأخرى ميدانية من خلال إخضاعه لجغرافيا معينة تحت سيطرته، ثم مكاسب سياسية، بتحوله لقوة تسعى لفرض نفسها، وتطالب بالمشاركة في القرار وإدارة الدولة، وتعزز ذلك بمشاركتها في اتفاق الرياض، ثم بتقاسم المناصب كما جاء في قرار تشكيل المجلس الرئاسي.
أما بالنسبة لبقية الفصائل، فمن أبرز مخاطرها يكمن في تمركزها في أماكن جغرافية معينة، واتجاهها لإيجاد نموذجها الخاص، وبعدها عن المعركة الوطنية، كما هو الحال مع فصيل طارق صالح في الساحل الغربي، الذي يدين بالولاء للإمارات، ويلقى التشجيع من الرياض، لكنه ظل مبتعدا عن جسد القوات المسلحة اليمنية ووزارة الدفاع التابعة للحكومة.
وهناك فصائل مسلحة أخرى لاتزال قائمة، ولكنها تحولت لقوة تحت الطلب، ومنها ألوية العمالقة، التي تراجع دورها بعد تمركز فصيل طارق صالح في الساحل الغربي، وعادت إلى عدن، ثم جرى إحياء دورها ودعوتها للمشاركة في دحر الحوثيين في محافظة شبوة عقب تقدم الحوثيين بعد إقالة المحافظ محمد صالح بن عديو في الخامس والعشرين من ديسمبر 2021م.
خطوات توحيد الفصائل المسلحة في اليمن
بعثت تداعيات وجود الفصائل المسلحة في اليمن الحاجة لتوحيدها، خصوصا مع صعوبة تحقيق نصر عسكري أو سياسي على جماعة الحوثي، وارتفاع الأصوات المطالبة بوضع حد لنهاية الحرب في اليمن، وارتفاع كلفة الحرب بالنسبة للسعودية في اليمن، واخفاقها في تحقيق المكاسب، وتحول الحرب لعبء عليها، وتضررها من بقائها، وارتفاع كلفة الصراع اليمني البيني بين تلك الفصائل كما حصل في عدن ومحافظات أخرى.
وكانت أول محاولة لعملية الدمج لتلك الفصائل في اتفاق الرياض الذي وقعته الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي في الخامس من نوفمبر 2019م.
تضمن الاتفاق عدة بنود، ونص في واحد منها على دمج التشكيلات العسكرية، ونورد هنا البند الذي نص على هذا الأمر كما جاء في نص الاتفاق:
فيما يتعلق بالترتيبات العسكرية نص الاتفاق على تجميع ونقل الأسلحة المتوسطة والثقيلة بأنواعها المختلفة من جميع القوات العسكرية والأمنية، ووضعها تحت إدارة وإشراف التحالف، ونقل جميع القوات العسكرية التابعة للحكومة والتشكيلات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي في عدن إلى خارجها، باستثناء اللواء الأول حماية رئاسية لحماية الرئيس، وتأمين الحماية الأمنية لقيادة المجلس الانتقالي، كما تضمن الاتفاق ضم قوات الطرفين وترقيمها في وزارة الدفاع، وفي الترتيبات الأمنية قضى الاتفاق بإعادة تنظيم القوات الحكومية والتشكيلات التابعة للمجلس الانتقالي وترقيمها تحت وزارة الداخلية، وتنظيم القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب في عدن واختيار عناصر وقيادة جديدة لها من القوات الحكومية وتشكيلات الانتقالي.
لكن ذلك الاتفاق لم ير النور، وتعذر، بل وفشل في إيجاد طريقه للنور، بسبب حالة التعنت التي أبداها المجلس الانتقالي، ومن خلفه الإمارات، وكذلك عدم جدية السعودية في تطبيق اتفاقها، بالإضافة لوجود تفاصيل كثيرة تضمنها الاتفاق، وبنود أخرى كانت تحتاج لتفصيل أوسع، لذلك ظل الوضع كما هو، رغم مطالبات الطرفين بتنفيذ بنود الاتفاق.
ثم جاء الإعلان الرئاسي في السابع من أبريل 2022م، وكان من أبرز مهامه واختصاصه دمج الفصائل المسلحة، إذ نصت الفقرة الخامسة من اختصاصات المجلس على: "تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار من خلال اعتماد السياسات التي من شأنها أن تمنع حدوث أي مواجهات مسلحة في كافة أنحاء الجمهورية، وتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة وطنية موحدة في إطار سيادة القانون، وإنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، وإنهاء جميع النزاعات المسلحة، ووضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية، وأي مهام يراها المجلس لتعزيز الاستقرار والأمن".
وفي الثلاثين من مايو 2022 اتخذ المجلس الرئاسي خطوة في هذا السياق تمثلت بتشكيل لجنة أمنية وعسكرية مشتركة برئاسة اللواء الركن هيثم قاسم طاهر، واللواء الركن طاهر علي العقيلي نائبا، والعميد ركن حسين الهيال عضوا مقررا، وعضوية 95 عضوا.
صعوبة دمج الفصائل ومخاطر بقائها
تختلف وتتباين وتتخاصم تلك الفصائل بين بعضها البعض، لكنها جميعا تتفق وتلتقي بنقطتين ولو شكلينا أو نظريا، الأولى: مواجهة جماعة الحوثي، والثانية الولاء للتحالف العربي، ويمكن البناء على هذه المشتركات في التسريع بعملية الدمج، في حال كان هناك توجه حقيقي جاد لعملية الدمج، وحل هذا الملف.
ومثل تشكيل المجلس الرئاسي فرصة لتسوية هذا المشهد المعقد، وذلك أن وجود قيادات لتلك التشكيلات العسكرية داخل المجلس الرئاسي ربما يسهل عملية التوحيد والدمج وهي على النحو التالي:
رشاد العليمي – الجيش الحكومي
عيدروس الزبيدي – فصائل المجلس الانتقالي
طارق صالح –حرس الجمهورية
أبو زرعة المحرمي – ألوية العمالقة
فرج البحسني - قيادة المنطقة العسكرية الثانية
ومثلت زيارة وزير الدفاع بالحكومة محمد علي المقدشي لعدن لأول مرة منذ سنوات ولقائه بقيادات عسكرية، وزيارته لمعسكرات لأول مرة الخطوة الأهم في طريق إذابة الجليد بين الجيش الحكومي وتلك التشكيلات.
إن عملية النجاح في دمج تلك التشكيلات سيمثل علامة نجاح كاملة للمجلس الرئاسي وتعكس جديته في تجاوز الصعوبات، ويعكس أيضا جدية السعودية والإمارات في خلق واقع جديد.
ولا توجد تفاصيل أو مؤشرات للعملية التي سيتم على ضوئها دمج تلك الفصائل من قبل المجلس الرئاسي، وتشكيل اللجنة المكلفة بهذه المهمة يحتاج لوقت طويل للوصول إلى نموذج يستوعب كل هذه الفصائل، ويكون محل رضا واتفاق مختلف الأطراف، وفي حال ظل مفتوحا فسيكون ميدان معركة جديدة، كما حدث عقب توقيع اتفاق الرياض، وربما تنشط التباينات داخل المجلس الرئاسي، وتصبح عامل حساس يعيق أي تحركات لدمج تلك القوات، الأمر الذي ينذر بتجدد الصراع، ولكن في دورة قد تكون الأعنف.
وفي حال جرت عملية الهيكلة والدمج، فإن أبرز ملامحها ستكون في توحيد القيادة ضمن الأطر الرسمية ممثلة بوزارة الدفاع والداخلية، والدمج المالي في إطار ميزانية واحدة للدولة، وإعادة التوزيع الجغرافي العادل بما ينهي الانتماء المناطقي أو الفكري.
وهذا الأمر يتعلق بالفصائل التي لاتزال تعمل بعيدا عن الحكومة، وإذا نجحت عملية دمجها فمن الممكن لاحقا أن يصبح الاندماج جاهزا مع الجيش التابع للشرعية في مارب وحضرموت والمهرة، وحجة، وشبوة، وأبين.
لكن يقف أمام عملية الدمج العديد من الصعوبات التي يمكن أن تمثل عائقا أمام تحقيق هذه الخطوة، التي ستعد هي المؤشر الحقيقي لجدية السعودية والإمارات في تحقيق الاستقرار باليمن، وكذلك مؤشرا لمدى نجاح المجلس الرئاسي، ومدى استجابة الانتقالي وقادة بقية الفصائل لعملية الدمج.
من تلك الصعوبات توزع الولاء لتلك القوات بين السعودية والإمارات، ما قد يؤدي إلى صراع مستقبلي بينها في حال اندلاع الخلافات بين الرياض وأبوظبي.
من الصعوبات التي ستواجه عملية الدمج وجود عناصر متباينة في الانتماء والقناعات والأفكار والأيديولوجيا بسبب عوامل ومبررات تشكلها، وانتماء أفرادها لتكتلات سياسية مختلفة، والتعبئة التي تلقوها طوال الفترة الماضية، فالانتقالي يطالب بالانفصال، وطارق صالح لديه خصومات سابقة مع أطراف سياسية، بينما العمالقة لديها أبعاد متعددة في الولاء.
ومن الصعوبات أيضا وجود عدد كبير من المنتمين لتلك القوات بلا تأهيل عسكري، ومؤهلات تعليمية، وبلا ثقافة قانونية، وأغلبهم متورط في انتهاكات لحقوق الانسان، وبالتالي من المهم غربلة البعض، وإعادة النظر في الرتب العسكرية والتحقق من الأعداد الفعلية التي لاتزال تعمل ميدانيا، وإسقاط أي أسماء وهمية.
ومن الصعوبات أيضا اقناع بعض تلك التشكيلات بالتخلي عن مواقعها أو مناصبها وابعادها منها وإحلال غيرها بعد ما حققته من امتيازات ومكاسب مادية كبيرة ونفوذ ميداني جراء ممارستها في الجبايات أو سيطرتها على الموارد المالية.
من المهم أيضا البدء في توحيد العائدات المالية للدولة، وجعلها مرتبطة بالموازنة العامة للدولة، وإبعاد أي تشكيلات من إدارتها أو ممارسة الجباية في كل مؤسسات الدولة الحيوية، كالموانئ والمطارات والجمارك والضرائب، وتوريدها للبنك المركزي كمرجعية نقدية رسمية، ثم وضع موازنة مالية تتلاءم مع العدد الفعلي للجيش.
إن الوقاع اليوم يقول إن بناء جيش وطني متماسك لن يكتب له النجاح ما لم يكن هناك تمويل حكومي خالص لهذا الجيش على مستوى المرتبات والتموين والعتاد، بعيدا عن التمويل والتأثير الخارجي.
إن عدم الإسراع في عملية الدمج سيؤدي إلى إضعاف الحكومة، وصعوبة فرض سيطرتها، وبالتالي إخفاقها ميدانيا، كما أن بقاء الوضع الحالي سيقود إلى خلق أطراف عسكرية متعددة، تختلف في درجة قوتها بناء على التشكيلات المسلحة التابعة لها، ويجعل جذوة النار مشتعلة، وقابلة للانفجار في أي لحظة.
وبقاء الحكومة في عدن مع استمرار التشكيلات المسلحة بعيدا عن وزارة الدفاع والداخلية يجعلها في وضعية ضعف، ومهددة بالطرد والحرب في أي لحظة، وإذا مارست الرياض والسعودية الضغوط على تلك القيادات في المجلس الرئاسي فإمكانية الدمج تبدو أسهل، خاصة أن الدولتين هم من يمول أغلب تلك القوات.
المراجع:
مركز أبعاد للدراسات.
مركز الجزيرة للدراسات.
وكالة سبأ الحكومية.
الموقع بوست.