[ التحقيق كشف العديد من الانتهاكات التي طالت مجندين يمنيين ]
شباب في مقتبل العمر، ووجوه ينعكس عليها أسى اليمن، وأوجاعه المؤلمة، تركوا مناطق سكنهم في ربوع مختلفة من بلدهم، واتجهوا نحو وجهة قسرية، بدت بالنسبة لهم فرصة جديدة للحياة، لكنهم لم يكونوا يعلمون إن الرصاص والمقابر هي من تننتظرهم.
كانت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في محيط حياتهم هي المحرك لهم للبحث عن طريقة للعيش في بيئة تزداد قتامة وتوحشا يوما بعد آخر، وكانت الخيارات المطروحة أمامهم أسوأ من بعضها، فإما البقاء في مناطق عيشهم دون دخل يساعدهم في إعالة أنفسهم وعوائلهم، أو الاتجاه نحو الخيار الثاني الذي بدا من ظاهره أنه الأنسب، لكنه في واقع الحال كان الحفرة التي ستلتهم تلك الأجساد، وتشعل حرائق في أوساط أسرهم، وجروحا لن تنسى، وهو ما أدركوه في وقت متأخر.
إنها "ألوية الموت" التي التهمت المئات من الشباب اليمنيين الذين استقطبوا عبر السماسرة للقتال في الحدود اليمنية السعودية دفاعا عن الأراضي السعودية التي تعرضت لهجمات متواصلة من جماعة الحوثي طوال السنوات الماضية.
وعلى طريقة شراء المرتزقة والمليشيات جرى استقطاب الآلاف من أولئك الشبان اليمنيين، وقدمت لهم العديد من الوعود والإغراءات المالية، وبدافع من مشاعرهم باعتبارهم سيقاتلون مع دولة كبيرة وشقيقة بحجم السعودية، ولن تتخلى عنهم سارع الكثير للاستجابة لتلك المغريات والتحقوا بألوية عسكرية شكلتها السعودية في حدودها الجنوبية.
في هذا التحقيق الذي أعده "الموقع بوست" نكشف النقاب عن تلك المحارق التي التهمت الكثير من اليمنيين، وكيف جرت عملية استقطابهم، والظروف التي يعيشونها، وكيف تعاملت السلطات السعودية معهم، وتسببت بواحدة من أكثر الجرائم وحشية ودموية، مع التأكيد بأن التحقيق استند لشهادات حية أجراها القائمون على التحقيق مع عدة أفراد التحقوا بتلك الألوية، إضافة لمجموعة من الوثائق والتسجيلات المرئية التي حصلنا عليها عند إعداد المادة، مع التحفظ على كثير من الأسماء التي تحدثت شرط إخفاء هويتها ودون الكشف عنها.
البداية
كان "سعيد محمد" وهو اسم افتراضي لرجل يبلغ من السن خمسة وثلاثين عاما يعمل مزارعاً بسيطاً في مزرعة لبيع فاكهة البرتقال بوادي يقع في إحدى ضواحي محافظة مأرب منذ سنوات ما قبل الحرب الجارية في اليمن.
قبل عام التحق بالقتال على الحدود السعودية اليمنية، ضمن لواء عسكري تشرف عليه وتموله الممكلة العربية السعودية، وتقلد فيه منصب قائد كتيبة برتبة رائد في الحد الجنوبي للسعودية.
بعد أشهر من تلك التجربة أصبح لدى "سعيد" -الذي فضل حجب اسمه الحقيقي لأسباب أمنية- قناعة مختلفة، فقد خاض خلال انخراطه بتلك الألوية في تفاصيل مؤلمة، وسلك دروبا مليئة بالخوف والرصاص والموت، وعايش أحداثا لا يمكن نسيانها.
يتحدث "سعيد" عن تجربته في الالتحاق بالقوات القتالية على الحدود السعودية لـ"الموقع بوست" قائلاً إن أحد أصدقائه تواصل معه قبل عام، وعرض عليه العمل كمقاتل في أحد الألوية العسكرية التي تشرف عليها السعودية برتبة عسكرية مغرية "ضابط"، وراتب شهري قدره أربعة آلاف ريال سعودي.
كان صديقه يعمل بوظيفة "سمسار" لحشد وتجنيد المقاتلين في أحد الألوية العسكرية بمنطقة الوديعة داخل الأراضي اليمنية، للدفاع عن الحدود السعودية من هجمات جماعة الحوثي، وهي الجبهات المتلهبة على طول الحدود السعودية اليمنية منذ أعوام.
سماسرة تجنيد
يسرد "سعيد" تفاصيل لقائه بصديقه السمسار الذي لا يزال يعمل بنفس الوظيفة، متجنبا الكشف عن اسمه لهذا السبب، ويقول إنه ذهب ذات مساء للقاء السمسار في أحد فنادق مدينة مأرب، وكان السمسار ذاته قد جمع حوالي 50 مجنداً؛ أغلبهم قدموا من جبهات القتال بمحافظة مأرب، فيما قدم البعض الآخر منهم من محافظات إب وتعز، وهما المدينتان الأكثر كثافة سكانية في اليمن.
يؤكد "سعيد" أن السمسار قام بنقل الجنود في تلك الليلة، بعد أن تكفل بسداد مصاريف النقل إلى منطقة الوديعة، وهي منطقة حدودية مع السعودية، وتقع شمال شرق اليمن، ويتواجد فيها معسكر خُصص لاستقبال الشباب اليمنيين المنضمين حديثاً، حيث يتم تجنديهم للقتال في صفوف السعودية ضد الحوثيين، وتقع على عاتقهم مهمة الدفاع عن الحدود الجنوبية للمملكة.
ألوية الموت .. شهادات ووثائق تكشف محارق الحدود التي التهمت يمنيين بإشراف سعوديألوية الموت .. شهادات ووثائق تكشف محارق الحدود التي التهمت يمنيين بإشراف سعودي
Posted by Almawqea Post الموقع بوست on Tuesday, January 21, 2020
"سعيد" الذي كان ضمن قافلة الجنود، يقول إن أحد معاوني السمسار استقبلهم في سوق الوديعة، وتولى مهمة نقلهم إلى معسكر يتبع القوات السعودية عبر شاحنة نقل كبيرة، مخصصة لنقل أفراد القطاع (2_الأول) في المعسكر الذي يديره ويقوده ويشرف عليه ضباط سعوديون بالكامل؛ بقيادة ضابط سعودي من إمارة نجران يحمل رتبة عقيد ركن، ويكنى بـ"أبو فيصل".
يشرح المجند "سعيد" تلك الرحلة متذكرا أن السائق ومرافقه أوقفا الشاحنة التي كانت تمضي بالمجندين في الصحراء، وطلب من جميع الجنود تسليم البطائق الشخصية، وتم احتجازها لفترة قصيرة، ثم أعادا تسليمها لأحد جنود البوابة ولم يعيدها للمجندين إلا في يوم إدخالهم الأراضي السعودية قبيل وصولهم بوابة المعسكر، لافتاً إلى أن ذلك كان إجراءاً احترازياً، كي يضمنا عدم تراجع أحد عن التجنيد، وخشية من انتقال المجندين الجدد إلى قطاعات عسكرية أخرى.
ألوية مناطقية
يكشف مصدر خاص لـ"الموقع بوست"، فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية كونه يعمل في أحد معسكرات التجنيد التي يشرف عليها التحالف بمنطقة الوديعة كمساعد لأحد سماسرة التحشيد إلى حدود المملكة، أن المعسكر الذي تديره قوات سعودية في الوديعة يضم 21 قطاعاً مهمتها الحشد والإعداد، وتفويج مواكب من المجندين الجدد كل يوم إلى الحدود السعودية، موضحاً أن كل قطاع في المعسكر يتبع شخصية داخل الحدود السعودية، ويقاتل هناك ضمن جبهات عسكرية لمواجهات الحوثيين.
المصدر أكد وجود عشرة قطاعات أخرى للتجنيد متمركزة خارج معسكر التحالف في منطقة الوديعة، وهي ألوية تتبع جهات متعددة جرى تقسيمها بمعايير مناطقية أو مذهبية كلواء الفتح التابع للسلفيين، ولواء القوات الخاصة التابع لأبناء شبوة، وقطاع آخر يتبع لواء مكافحة الإرهاب، وهو لواء جميع جنوده من محافظات جنوب اليمن، ويرفض قبول أي جندي من المحافظات الشمالية بتوجيه من القوات السعودية التي تشرف وتمول وتقود كل تلك الألوية.
يؤكد المصدر أن كل القطاعات المتمركزة خارج معسكر التحالف لها امتيازات ومعاملات جيدة مع الضباط السعوديين، خلافا للقطاعات داخل معسكر التحالف المتواجدة في الأراضي اليمنية، والتي تخضع لتوجيهات معقدة واستفزازية وامتهان، وغرور كبير من قبل الضباط السعوديين بحق اليمنيين داخل حدود بلدهم اليمني، حد قوله.
استقطاب الجيش الوطني
التقى "الموقع بوست" مسؤول الحشد في معسكر التحالف العقيد بشير الجزيمي، وهو ضابط يمني الجنسية، وقدم استقالته من عمله قبل شهر تقريبا بسبب ممارسات دولة الإمارات وصمت السعودية عن تلك الممارسات حسب بيان استقالته الذي تداولته وسائل الإعلام، ونشر على صفحة الجزيمي في "فيسبوك".
يقول العقيد بشير الجزيمي في لقاء خاص إن عملية الحشد في معسكر التحالف بالوديعة تتم بإشراف سعودي كامل ودون أي تدخل من قبل السلطات اليمنية إلا من باب وقائي وبشكل خجول جدا.
وقال الجزيمي إن عملية الحشد تتم بتلاعب السعوديين على إجراءات قيادة الجيش الوطني، مؤكدا أن رئاسة هيئة الأركان العامة للجيش الوطني أوفدت مندوبا لها إلى معسكر التحالف لمنع تحشيد أي جندي تم التحاقه بالجيش الوطني في أي منطقة أو جبهة، وذلك بعد شكاوى تلقتها قيادة الجيش من عملية سحب للجنود من الجبهات الى الحدود.
وأضاف الجزيمي أن تدخل قيادة الجيش الوطني لدى الجانب السعودي لم تنجح في وقف التحشيد السعودي من الجبهات الداخلية، بسبب تلاعب السعوديين وتأثيرهم على رئاسة الأركان ووزارة الدفاع، حيث استمر السعوديون في تشجيع التسرب من صفوف الجيش بالجبهات الداخلية.
يكشف الجزيمي أن القوات السعودية أغرت الجنود الذين يقاتلون في جبهات القتال الداخلية كجبهة نهم وغيرها، واستدرجتهم للقتال في حدها الجنوبي من خلال نقلهم عبر صحراء الجوف إلى منفذ الخضراء شمال البلاد، وعبر مُهرب يتفق معه مندوب اللواء المستقبل للحشد، وذلك بعيدا عن منفذ الوديعة الذي يعد المنفذ المتاح عادة للحشد والتجييش إلى الحدود السعودية من الشباب اليمني، ممن لم يلتحقوا مسبقا في صفوف الجيش الوطني، وليس عليه بصمات ترحيل أو مخالفات داخل المملكة.
من جهته يقول أحمد (اسم مستعار بعد حجب الاسم الحقيقي مخافة التعرض للملاحقة) وهو أحد الجنود السابقين في الجيش الوطني والذي كان يقاتل في جبهة صرواح بمحافظة مأرب بصفوف الشرعية، إنه جرى تجنيده مع 150 شخصا من خلال تهريبهم بعد إعطاء كل واحد منهم وثيقة سفر بلون أزرق وعليه صورته الشخصية، موقعة من قبل نائب القنصل اليمني في الوديعة عبر صحراء الجوف ليلا إلى منفذ الخضراء بحدود صعدة، وهناك جرى نقلهم عبر أربع سيارات نوع هايلكس مع مهرب تحفظ على اسمه لأسباب أمنية.
يقول أحمد إنه أثناء وصوله ورفاقه إلى منفذ الخضراء الحدودي تعرضوا لقصف مدفعي مكثف من قبل الحوثيين الذين يتمركزون في جبال مطلة على المنفذ، موضحًا أن الجنود فرّوا باتجاهات مختلفة، مؤكداً أن البعض منهم وقع أسرى بيد الحوثيين، وآخرين عادو إلى الجوف بينما الأغلبية توجهوا نحو المنفذ، وتمكنوا من دخول المملكة ثم جرى إيصالهم إلى مناطق تمركز ألويتهم العسكرية داخل الحدود السعودية.
تدريب هش
تسعة أيام فقط حصل فيها "سعيد محمد" على دورة تدريبية في معسكر الوديعة، كانت كفيلة بنقله من السلك المدني إلى العسكري.
حين وصل "سعيد" ورفاقه الوديعة وجدوا الجنود اليمنيين يتلقون توجيهاتهم من السعوديين بتفتيش المجندين الجدد جيداً، وإرغامهم على تنظيف أفواههم من آثار القات كما هو موضح في المقطع الفيديو المسجل والذي حصل "الموقع بوست" على نسخة حصرية منه.
يؤكد "سعيد" أنه أدخل إلى جانب 70 فرداً تابعين للواء واحد، بعد تعرضهم لتفتيش دقيق مع عدد كبير من قوات الحشد ينتمون لألوية أخرى أدخلوا إلى فناء داخل المنفذ اليمني بالقرب من المنفذ السعودي في الوديعة.
وقال إنهم اضطروا للانتظار حتى وصلت الباصات السعودية لنقلهم إلى المنفذ السعودي، حيث جرى أخذ بصماتهم إلكترونيا إلى جانب تفتيشهم بدقة، وهي الإجراءات المتبعة مع كل مجموعة من المجندين الجدد تصل لذات المكان، ولذات الهدف.
في الواحدة بعد منتصف الليل انطلق "سعيد" ورفاقه الـ70 على متن حافلة من منفذ الوديعة السعودي إلى جانب حافلتين أخريين تحمل مجندين يمنيين صوب المعسكرات في الجبهات الحدودية.
وصل "سعيد" ورفاقه الـ70 إلى وجهتهم في السادسة من مساء اليوم الثاني للسفر، إلى موقع اللواء الثالث، والكائن داخل الحدود السعودية في منطقة الخوبة، بينما توجهت الحافلتان الأخريان إلى وجهتهما في ألوية أخرى في ذات الحدود الجنوبية للمملكة، بحسب "سعيد".
وأكد "سعيد" أنه ورفاقه جُندوا بعد يومين من وصولهم إلى المعسكر، وجرى توزيعهم في الجبهات التابعة للواء الثالث عاصفة بالحد الجنوبي بمنطقة الخوبة السعودية.
تشكل هذا اللواء في وقت مبكر، بأوامر من الأمير السعودي فهد بن تركي قائد العمليات المشتركة بحيث ينخرط فيه مقاتلون ينتمون لمحافظة صعدة، وقاد اللواء أحد مشايخ صعدة بعد حصوله على أوامر من الأمير بن تركي، لكن بعد أيام غادر اللواء الكثير من منتسبيه، فسعت السعودية إلى رفد تشكيلته من الجنود اليمنيين الذين استقطبوا بالتحديد من محافظة إب خاصة مديرية القفر ثم آخرين من محافظة تعز، ويتمركز اللواء حاليا في جبل طيبان الحدودي بالقرب من منطقة مران اليمنية، ويبلغ قوامه حوالي خمسة آلاف مقاتل بما في ذلك القتلى والجرحى والمغادرين للواء.
بيئة ملغومة
يتذكر "سعيد" أول هجوم عسكري انخرط فيه في جبل "تويلق" داخل الأراضي السعودية، والذي أسفر عن مقتل أحد المجندين الجدد، مؤكداً أن جثته لم تؤخذ من ضواحي الجبل إلا بعد أيام، وبمبادرات ذاتية من قبل عدد من المقاتلين اليمنيين.
ويسرد أحداث الهجمات التي جرت ضد مقاتلي الحوثي في الجبل، ويروي تفاصيل انسحابه ورفاقه المهاجمين، ويقول إن لغماً أرضياً انفجر لحظات الانسحاب، وأصاب أحد الجنود من محافظة ريمة، وتسبب بفقدانه لقدمه بسبب الانفجار، لافتًا إلى أن المصاب توفى وهو ينزف لعدم وجود أدوات إسعاف وطواقم طبية مرافقة للعمليات الهجومية.
يقول "سعيد": "حاولنا إنقاذ الجندي المصاب، وعملنا على تضميد الجروح، لكن دون جدوى، ذلك أن الإصابة كانت بالغة، والدماء كانت تتدفق من القدم المبتور"، مؤكداً أن المصاب توفي في الجبل بينما كان زملاؤه يحاولون إنقاذه.
في ليلة خوضه ورفاقه مواجهات مع الحوثيين في سلسلة جبال "تويلق" في منطقة الخوبة الحدودية، يقول "سعيد" إن 12 مجندا يمنيا كانوا قد سقطوا قتلى في مواقع بالجزء اليمني من سلسلة جبال "تويلق" الحدودية، إثر هجوم بقذيفة مدفعية مجهولة المصدر، مشيراً إلى أنه شاهد الأشلاء متناثرة، لدى وصوله المكان بعد تكليفه بالذهاب إلى الموقع من أجل سحب الجثامين، وكان ذلك بعد أربعة أيام من وقوع الحادثة، موضحاً أنه وجد جثثاً كانت قد بدأت بالتحلل.
شجاعة "سعيد" في الهجوم ومحاولاته الصادقة لإخلاء القتلى من زملائه بمبادرة ذاتية قادته إلى تسلم قيادة إحدى كتائب اللواء الثالث المؤلفة من 150 جنديا.
يقول "سعيد" إن الهجمات التي كان يقودها كانت تتم بطرق عشوائية، مشيراً إلى أن الجنود كانوا يهاجمون بدون إمدادات بالذخائر، ولا تعزيزات ولا أدوية، فقط كان يتم توجيههم إلى الجبال لمواجهة الحوثيين، مشيراً إلى أن الجرحى كانوا يتركون حتى الموت، ولا يتم إنقاذهم، كما أن العمليات الهجومية لم تكن تسند بالطيران، ويترك المهاجمون لمصيرهم.
أطفال مشاركون في القتال
يؤكد "سعيد" أن أغلب المقاتلين اليمنيين في صفوف السعودية كانوا من الأطفال، الذين لا تتجاوز أعمارهم 18 سنة، ويزج بهم الجيش السعودي إلى جبهات القتال دون تدريب ودون سلاح كاف، مشيراً إلى أن بعض الأطفال كانوا يتعرضون للانهيار النفسي لحظات الهجوم، ويباشرون في البكاء من الفزع.
وقال إن الشباب اليمنيين المجندين يذهبون ضحايا لرصاص مقاتلي الحوثي في الحدود، بسبب قلة خبرتهم، وافتقارهم للدعم، لافتاً إلى أن دعم السعوديين للجنود اليمنيين بالذخائر والأسلحة يحدث بشكل شحيح جداً, مشيراً إلى أن الذخائر تنتهي في معظم الأحيان في المعارك، ويصبح المقاتلون اليمنيون في لحظات ضحايا لاستهداف الحوثيين، الأمر الذي يدفعهم للانسحاب أو الاستسلام في حال النجاة من القتل.
معارك عبثية
يشير "سعيد" إلى أن المقاتلين كانوا يباشرون الهجوم دون تخطيط مسبق، ولا استطلاع أو إجراء عمليات مسح للألغام والعبوات الناسفة، مؤكداً أن الجنود كانوا يسقطون قتلى في أغلب الهجمات قبل وصولهم مناطق المواجهات، بسبب تعرضهم لانفجارات العبوات الناسفة والألغام المزروعة، مشيراً إلى ما نسبته من سبعة إلى ثمانية جنود يلقون حتفهم قبل الوصول إلى خطوط النار وفق وصفه، بسبب الألغام المزروعة.
وقال إن القادة السعوديين يزجون بالجنود في عمليات هجومية عبثية لمرات عديدة على ذات المواقع دون تحقيق تقدم، الأمر الذي يتسبب في سقوط أعداد من الجنود كقتلى وجرحى في كل مرة، دون اكتراث لحياة المقاتلين، مؤكدا أن عمليات تحرير المواقع تتم بشكل عبثي، وما إن يتم تحرير موقع عسكري من الحوثيين حتى يسقط بيدهم مرة أخرى، ويحدث ذلك خلال ساعات فقط، بسبب عشوائية العمليات.
مهام خطرة
ويشير إلى أن المجندين الشجعان يتم الزج بهم في معارك متتالية، فيتساقطون قتلى وتترك جثثهم في الضواحي والجبال، وإن عمليات سحب الجثامين تكون مكلفة في الغالب، مشيراً إلى أن العشرات من الجنود يقتلون في عمليات سحب جثامين زملائهم من المواقع.
"سعيد" يؤكد أن الجهات السعودية ترفض منح حقوق القتلى دون إحضار الجثامين، الأمر الذي يدفع الجنود إلى المبادرة بشكل فردي، في سحب جثامين زملائهم، بهدف إعادة الجثث إلى ذويها، لافتاً إلى أن السعوديين لا يكترثون لمسألة الجثامين.
ضحايا القصف الخاطئ
وحول تعرض المجندين اليمنيين للقصف من قبل القوات السعودية، يقول "سعيد" إن ذلك يحدث بشكل متكرر في الجبهات الحدودية، مؤكداً سقوط العشرات من اليمنيين بسبب ذلك، دون أي اهتمام من قبل السعوديين، حيث لا يتم التحقيق في تلك العمليات، وتنسى كأن لم تكن.
وذكر "سعيد" إحدى حوادث القصف الخاطئ، التي حدثت لجنود يمنيين كلفوا بالسيطرة على جبل في منطقة الخوبة، وأثناء تقدمهم للقتال جرى قصفهم بقذائف مدفعية نوع "جهنم" تملكها القوات السعودية، وتسبب القصف بمقتل 14 فرداً، جرى تجميع أشلائهم في وقت لاحق، بينما قال السعوديون إن القصف حدث عن طريق الخطأ، وأشار إلى حادثة مماثلة، حيث تعرض جنود يمنيون في منطقة "المزرق" لقصف سعودي، أدى إلى سقوط جنديين.
ترقيات عشوائية وعقوبات
يؤكد "سعيد" أن أغلب القادة العسكريين اليمنيين الذين يقاتلون في صفوف السعودية، يفتقرون للخبرة العسكرية، حيث تمت عمليات ترقياتهم بشكل عشوائي، وتحولوا فجأة من جنود إلى ضباط وقادة كتائب وألوية، مشيراً إلى أن تلك الرتب وهمية، ولا تملك من امتيازات سوى في زيادة نسب الرواتب التي تصرف بالريال السعودي.
من زاوية أخرى، يشير "سعيد" إلى أن القادة السعوديين يقومون بترحيل بعض المجموعات المقاتلة والاستغناء عنها، وهي تلك التي تفشل بشكل متكرر في تحرير بعض المناطق التي يحددها السعوديين، مؤكداً أن القادة اليمنيين يجبرون الجنود على القتال بشكل يومي من أجل إحراز أبسط الانتصارات على الحوثيين، ولو كلفهم الأمر العشرات من الجنود، "المهم أن ينالوا رضا السعوديين"، كما يقول "سعيد".
تخضع الألوية العسكرية اليمنية في الحدود إلى الإشراف المباشر من قبل قادة سعوديين، حيث يباشرون بمساءلة قادة الألوية اليمنية عن حالات الفشل في السيطرة على بعض المواقع، ويحدث هذا بشكل دوري، في حين يلقي القادة اليمنيون اللوم على الأفراد غالباً، ويقومون برفع أسماء عدد من الأفراد باعتبارهم المسؤولون عن الفشل، ليتم نقلهم إلى السجون من قبل القوات السعودية، وإخضاعهم للتحقيقات، وتوجيه تهم العمالة لهم لصالح الحوثيين، وينتهي الأمر بترحيلهم إلى الوديعة وحرمانهم من حقوقهم.
يذكر "سعيد" أنه شهد حالة اعتداء طالت أحد الجنود من قبل قائده العسكري، حيث عمد القائد إلى نزع سلاح الجندي وإطلاق النار عليه بسبب رفضه العودة إلى الخطوط الأمامية بعد مشاركته فيها بهجوم استمر مدة ثلاثة أيام، ويؤكد أن القائد باشر بإطلاق الرصاص على الجندي مستهدفاً أقدامه بما يقارب عشر طلقات، الأمر الذي أسفر عن إصابة دائمة للجندي الذي ما يزال معاقاً في سكن الجرحى بالسعودية.
مقابر جماعية لليمنيين
أنشأت السعودية مقابر جماعية داخل أراضيها للجنود اليمنيين الذين يقتلون في مواجهات مع الحوثيين في الحدود، ويؤكد "سعيد" أن السعودية افتتحت مقبرة جديدة في منطقة الخوبة مؤخراً، بعد إغلاق مقبرة أخرى، كانت قد امتلأت بالقتلى اليمنيين في ذات المنطقة.
يقول "سعيد" إنه شهد دفن قرابة 15 قتيلاً يمنياً، بينهم خمسة أطفال لا تتجاوز أعمارهم الـ18 عاماً، من المجندين الجدد، إلى جانب وجود جندي لم يمض شهران على تجنيده، ولم يسبق له أن تسلم أي مستحقات من السعوديين.
وتقدر مساحات المقبرة الأولى التي امتلأت بالجثث قرابة خمسة كم طولاً، بينما يبلغ عرضها حوالي ثلاثة أمتار، ويبلغ طول المقبرة المستحدثة قرابة 4×3 كم.
وأشار "سعيد" إلى أن السعوديين وضعوا يافطات على أبواب المقبرتين المخصصتين لدفن جثامين الجنود اليمنيين، مكتوب عليها "مقابر النازحين اليمنيين"، على الرغم من عدم وجود أي نازحين في المنطقة، وهو الأمر الذي يكشف مدى الاستخفاف الذي يتعامل به السعوديون تجاه المقاتلين اليمنيين في صفوفهم، وفق تعبيره.
وقال إن السعودية تهدف من خلال هذا الإجراء إلى التنصل مستقبلاً من حقوق القتلى اليمنيين الذين قاتلوا في صفوفها، مشيراً إلى أن المملكة تخشى من دفع مستحقات لأسر القتلى اليمنيين على حدودها، وفق معلومات "سعيد" التي قال إنه حصل عليها من قادة عسكريين في الحد الجنوبي.
تخوين القادة
وجد قائد الكتيبة في اللواء الثالث "سعيد" نفسه في دائرة الاتهام بعد خوضه للمعارك نحو عام كامل، مؤكداً أن مصيره كان الترحيل إلى السجون السعودية، إلى جانب الكثير من قادة الكتائب والفصائل، من ضباط وجنود.
وقال إن القائد السعودي طالب قائد اللواء ـالذي يقود "سعيد" كتيبة ضمن تشكيلتهـ بتوضيح حول أسباب فشل تحرير جبل "طيبان" في الحدود السعودية، مطالباً بتسليم من يُرجح أنهم المتسببون في الإخفاق، أو ستوجه التهمة لقائد اللواء الثالث، وقادة الكتائب المنضوية تحت تشكيلته.
وأضاف بأن قائد اللواء وافق القائد السعودي في الرأي الذي طرحه بأن قادة الكتائب المهاجمة هم السبب في فشل عملية تحرير الجبل، مؤكداً أن قائد اللواء رفع للقادة السعوديين بأسماء قادة الكتائب، ومن ضمنهم "سعيد".
وأشار "سعيد" إلى أن الشرطة السعودية قامت بالقبض على المتهمين وهو أحدهم، وحققت معهم بعد نقلهم إلى السجن الحربي السعودي في نجران، حيث مكثوا فيه مدة شهر قبل أن تجبرهم القيادة السعودية على التبصيم في مقر الجوازات السعودية، من أجل الترحيل النهائي إلى اليمن، دون أية حقوق.
إخفاء قسري
وحول ظروف الاعتقال في السجون السعودية، يقول "سعيد" إن القوات السعودية جردتهم من كل المقتنيات، إلى جانب نزع الملابس عنهم، باستثناء الملابس الداخلية.
وأشار إلى عثوره على زملاء له كانوا مفقودين في الجبهة منذ سبعة أشهر، وكان الاعتقاد شائعاً بأنهم قد قتلوا أو أنهم أسرى لدى الحوثيين.
وأكد "سعيد" أن السعودية تعتقلهم بتهمة الخيانة والعمالة للحوثيين، في حين لا تعلم عائلاهم بأنهم معتقلون في سجون السعودية، مشيراً إلى أنهم يتعرضون للتعذيب بشكل غير قانوني.
وأوضح أن أولئك المعتقلين تعرضوا للتعذيب، مؤكداً أنه لاحظ علامات التعذيب على أجسادهم، متمثلة في جروح وأثار سياط، حيث يتعرض الجنود اليمنيون المعتقلون في السجون السعودية إلى التعذيب باستخدام هراوات كهربائية، إلى جانب تعليقهم على أسطح غرف السجون ليال كاملة.
31 لواء غير قانوني
وأحصى معد التحقيق عدد الألوية العسكرية المنتشرة في الحدود، والتي تشكلت عبر عمليات الحشد والتجنيد ليمنيين خارج إطار الدولة من قبل السعودية، ووصل عددها لقرابة 31 لواءاً عسكرياً، دون ألوية حرس الحدود والألوية التابعة للمنطقتين العسكريتين الخامسة والسادسة والتي تشارك بوحدات عسكرية تابعة لها في معارك حماية حدود السعودية ضد الحوثيين.
إلى جانب ذلك، توصل معد التحقيق إلى إحصائية جزئية لعدد اليمنيين المجندين بطريقة غير قانونية في المناطق السعودية الحدودية، تفيد بتجنيد نحو 15350 شابا يمنيا خلال شهرين فقط في العام 2019.
وحصل"الموقع بوست" على كشوفات تتضمن أسماء عدد من الدفع التي جرى استقطابها وإدخالها إلى الحدود السعودية، وتتضمن الكشوفات أربع دفع، إحداها تضمنت 170 مجنداً، في حين ضمت الثانية 150 فرداً، واحتوت الثالثة 180 فرداً، بينما تضمنت الأخيرة 120 مجنداً.
وكان العقيد الجزيمي المسؤول السابق في عمليات التجنيد لصالح معسكرات التحالف بالوديعة، قال إن الطلب السعودي بتجنيد يمنيين يزداد كلما نشطت المعارك في الجبهات الحدودية.
ويؤكد أن معسكر استقبال المجندين في الوديعة يظل ممتلئاً بطالبي التجنيد، مشيراً إلى أن لجان الحشد ما تزال مستمرة في عمليات الاستقطاب وجلب المزيد من الشباب والأطفال اليمنيين للتجنيد والقتال في الحدود السعودية.
شرعنة وهمية
تحاول السعودية إضفاء صفة رسمية لعمليات التجنيد التي تقوم بها خارج إطار الجيش الوطني، تمثل ذلك من خلال طلب قائد المنطقة الجنوبية السعودية الأمير فهد بن تركي من القنصلية اليمنية في جدة إرسال مندوب يمني لها إلى الوديعة ليتكفل بقطع أوراق ووثائق، من أجل إدخال طالبي التجنيد إلى الحدود السعودية ثم الزج بهم في المعسكرات غير القانونية التي تشرف عليها السعودية.
وقال مندوب القنصلية اليمنية في الوديعة خالد حزام اليافعي في تصريح صحفي سابق لموقع "الموقع بوست" إنه موفد من قبل القنصل اليمني بجدة لتسهيل معاملات اليمنيين في منفذ الوديعة.
وتتمثل مهام مندوب القنصلية في قيامه بإصدار وثائق سفر اضطرارية لطالبي التجنيد دون أية أوراق ثبوتية، وتسلم الوثائق بعد ذلك إلى مندوبي التجنيد، وتكون موقعة من قبل الضابط السعودي، قائد أو نائب معسكر التجنيد في الوديعة.
دوافع اضطرارية
يغادر العشرات من المقاتلين اليمنيين الحدود السعودية بشكل دوري، بسبب قيام السعودية بترحيلهم بتهم مختلفة، بعد أخذ بصماتهم من أجل إجراءات مغادرة المملكة بشكل نهائي، ليجدوا أنفسهم في دائرة البطالة مجدداً في بلد فقد أبناؤه كل فرص العمل الممكنة نتيجة للحرب، باستثناء خيار الالتحاق بالجيش الذي يعتبر بمثابة الفرصة الأخيرة للتكسب أمام الشباب.
الفقر والحاجة وانعدام فرص العمل، من أكثر الدوافع التي تضطر الشباب اليمنيين إلى الالتحاق بمعسكرات التجنيد في الحدود السعودية التي تغريهم بمبالغ باهظة تكون حياتهم هي الثمن في أغلب الأحيان.
ويفكر الكثير من المجندين اليمنيين في الحدود السعودية بهجر التجنيد بسبب الامتهان الذي يتعرضون له من قبل القادة السعوديين، الذين يمارسون الإذلال على اليمنيين ويزجون بهم في معارك عبثية دون اكتراث لحياتهم أو المخاطر التي يتعرضون لها، لكنهم لا يجدون بداً من البقاء من أجل التكسب وإعالة أسرهم التي حرمت من كل مصادر الدخل بسبب الحرب المشتعلة في البلد منذ خمس سنوات.
ويؤكد مصدر عسكري خاص لـ"الموقع بوست" فضّل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، أن المجندين العائدين من الحدود السعودية المنتمين لإقليم الجند، يجري وضع تدابير لاستقبالهم ببطائقهم العسكرية التعريفية في مأرب وتعز، وضمهم إلى ألوية الجند التي تتشكل حاليا، وكل قواتها من العائدين من الحدود فقط، وفق المصدر.
ملاحظة:
حاولنا التواصل مع الجانب السعودي وقيادات عسكرية في وزارة الدفاع اليمنية، لكن الجميع يرفض التعليق.