[ ازدادت حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران مؤخرا ]
ازدادت حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران خلال الأيام الأخيرة، بعد التهديدات الأمريكية بمنع إيران من تصدير نفطها وعزمها إنهاء الإعفاءات الممنوحة للدول التي تشتري النفط الخام الإيراني، ثم تحريكها لعدد من قطعها البحرية باتجاه الخليج العربي، وردت إيران على ذلك بإعلانها التراجع عن تنفيذ بعض التزاماتها في الاتفاق النووي، الذي تم عام 2015، وانسحبت منه واشنطن قبل نحو عام.
ورغم أن هذا التصعيد -بشكله الحالي- لا ينذر باندلاع حرب شاملة بين الدولتين، أو بين المحورين السني والشيعي، سيكون مسرحها منطقة الخليج العربي، ولا يبدو أيضا أنه سينتهي في المستقبل القريب، لكنه في كل الأحوال سيلقي بظلاله على الأزمة اليمنية، نظرا لتشابك مختلف أزمات الإقليم وتعقيداتها وتعدد الفاعلين من الدول وغير الدول فيها، خاصة أن ذلك التصعيد رافقه رسائل عسكرية عملية وجهتها إيران عبر حلفائها لمختلف خصومها، تتمثل في استهداف ناقلات نفط بالقرب من ميناء الفجيرة الإماراتي، ثم في الهجوم الذي نفذته جماعة الحوثيين الانقلابية على منشآت نفطية سعودية.
- ارتباك الأولويات
تبدو كل من السعودية ودولة الإمارات مرتبكتين، بعد الهجوم الذي تعرضت له ناقلات نفط في المياه الإقليمية الإماراتية، وأيضا بعد الهجوم الذي شنه الحوثيون بواسطة طائرات مسيرة على منشآت نفطية سعودية تسبب في توقفها عن العمل، خاصة أن حادثة الفجيرة لم تُعرَف بعد الجهة التي نفذتها، بينما الدفاعات الجوية السعودية لم تنجح في التصدي لطائرات الحوثيين المسيرة.
أما أسباب هذا الارتباك، فتتمثل في أن الدولتين اكتشفتا أنهما بدأتا تدفعان ثمن أخطائهما الإستراتيجية خلال السنوات الأخيرة، ويتجلى الارتباك في تصريحات بعض قيادات الدولتين بخصوص حادثة الفجيرة وقصف الحوثيين لمنشآت نفطية سعودية، وهي تصريحات بدت تميل للتهدئة وعدم التصعيد خوفا من المجهول.
ولعل أهم ما في الحادثتين، أنهما كشفتا هشاشة المنظومة الأمنية للدولتين المتحالفتين، واللتين تسعيان للتأثير في مختلف أزمات الإقليم، سواء من خلال التدخل العسكري المباشر أو من خلال دعم الحلفاء والوكلاء المحليين، وبأسلوب لا علاقة له بالحرب الطائفية في المنطقة رغم وحشيتها، وإنما ما زال يجتر تداعيات ثورات الربيع العربي والثورات المضادة لها.
ولذا، فإن تلك الضربات المؤلمة والصادمة من شأنها إجبار الدولتين على مراجعة إستراتيجيتهما العسكرية وتعزيز منظومتهما الأمنية، والاستعداد الجدي لكل الاحتمالات، بما فيها نشوب حرب إقليمية بين المحورين السني والشيعي، خاصة في ظل التوتر المتزايد بين المحورين، ودخول أطراف دولية على خط الأزمة وتزيد من تصعيدها.
وبما أن جماعة الحوثيين الانقلابية باتت أخطر وأقوى الأذرع الإيرانية في المنطقة، واستطاعت توجيه ضربات مؤلمة للسعودية، وأثبتت أنها أكثر إخلاصا وولاء لإيران من نظيراتها في المنطقة، فلا شك أن السعودية ودولة الإمارات ستعيدان ترتيب أولوياتهما في اليمن، خاصة في حال وصلت الجهود الأممية لحل الأزمة اليمنية سلميا إلى طريق مسدود، واستمرت الهجمات الحوثية على المنشآت السعودية بواسطة طائرات مسيرة إيرانية الصنع، ذلك أنه في هذه الحال قد تبدي الدولتان جدية في محاربة جماعة الحوثيين والقضاء عليها، وبضوء أخضر من الولايات المتحدة، التي تنظر إلى أمن السعودية كخط أحمر حرصا على ثرواتها النفطية.
- ساحة تصعيد من طرف واحد
لقد تحولت اليمن إلى ساحة حرب وتصعيد بين إيران والمحور الشيعي من جهة، والسعودية والمحور السني من جهة ثانية، وهذا يعني أن أي تصعيد إعلامي أو دبلوماسي بين الدولتين سيتحول إلى تصعيد عسكري داخل اليمن، سواء موجه صوب الداخل أو نحو السعودية.
لكن الواضح هو أن إيران تستطيع -من خلال حلفائها الحوثيين- توجيه رسائل وضربات مؤلمة للسعودية، بعد أن تمكنت من تهريب أسلحة وخبراء من الحرس الثوري إلى داخل الأراضي اليمنية، وينفذون هجمات خاطفة ومؤلمة ضد السعودية باسم الحوثيين.
أما السعودية، ومعها دولة الإمارات، فهما لا تستطيعان توجيه ضربات مؤلمة لإيران داخل اليمن، بل فهما تقدمان لها خدمات مجانية من خلال إضعافهما للسلطة اليمنية الشرعية، وعدم جديتهما في القضاء على الحوثيين، نتيجة حسابات ضيقة بخصوص ملامح الحالة السياسية في البلاد في مرحلة ما بعد الحرب، بينما الواقع يؤكد أن هذه الإستراتيجية المستفيد منها إيران والحوثيون، فالحوثيون يزدادون قوة، وإيران تزيد من حدة تصعيدها ضد السعودية بواسطة الحوثيين.
ولو أن السعودية، ومعها دول التحالف العربي، قضت على الانقلاب في اليمن في بدء عملية "عاصفة الحزم"، لما كانت اليوم المنشآت النفطية السعودية وغيرها من المنشآت الحيوية وأمن مواطنيها تحت رحمة الطائرات الإيرانية المسيّرة، التي يطلقها الحرس الثوري الإيراني من اليمن باسم الحوثيين.
- غباء سياسي
في الوقت الذي كانت فيه إيران وأذرعها في المنطقة يخططون لتنفيذ ضربات مؤلمة ضد السعودية ودولة الإمارات، كتصعيد عسكري استباقي ردا على التهديدات الأمريكية ضد إيران، كانت السعودية والإمارات مشغولتين بمتابعة ملف إدراج حركة الإخوان المسلمين ضمن الجماعات الإرهابية من قبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتنسيق لذلك في أوساط الإدارة الأمريكية وفي بعض العواصم الغربية.
وهكذا الحال في اليمن، ففي الوقت الذي تقدم فيه إيران الدعم اللامحدود لجماعة الحوثيين المسلحة، وتمدها بالأموال والخبراء وتهرب لها الأسلحة، بما يمكنها من تعزيز سيطرتها على اليمن وتشكيل تهديد جدي وخطير على السعودية، فإن السعودية وحليفتها دولة الإمارات تعملان على إعاقة الحسم العسكري ضد الحوثيين وإطالة أمد الحرب، وتقديم الدعم المالي لمواقع إخبارية على الإنترنت وعدد من الإعلاميين ليعملوا على شيطنة حزب الإصلاح بهدف إضعافه، كما أن إعاقتهما للحسم العسكري يأتي بسبب المخاوف من أي دور قد يقوم به حزب الإصلاح في رسم ملامح يمن ما بعد الحرب.
ما سبق يعد التفسير الوحيد للوضع الحرج الذي وصلت إليه الدولتان، كون جهودهما انصبت على محاربة عدو غير واقعي ولا يمتلك الحد الأدنى من الجيوش والأسلحة، وتناستا عدو واقعي ذاقتا منه الأمرين منذ سنوات، ويتمثل في جماعات شيعية مسلحة عقائدية وعنيفة تطوق دول الخليج من جميع الجهات تقريبا، وتنتشر في عدة دول (العراق، سوريا، لبنان، اليمن)، وتقودها دولة إيران ذات المشروع الإمبراطوري الفارسي التوسعي، وتعمل من أجل تحقيقه بنفس طويل وبلا كلل أو ملل.
ورغم ذلك، لا يبدو أن الدولتين ستستوعبان الدروس المتتالية، ولا يمكن أن تستوعبانها إلا في حال تزايدت الضربات المؤلمة ضدهما في عدة أماكن، وهو ما يعني أن حادثة الفجيرة في الإمارات وقصف الحوثيين لمنشآت نفطية سعودية لن تؤثران كثيرا على أولويات الدولتين وإستراتيجيتهما السياسية.
وما سيحصل في أسوأ الأحوال هو أنهما ستعيدان ترتيب الأولويات فقط، حيث ستقدمان مقاومة المشروع الإيراني التخريبي والتوسعي، لتتفرغا بعد ذلك لمحاربة حركة الإخوان المسلمين وشيطنتها في المحافل الدولية ووصمها بالإرهاب الذي لم يسبق لها أن مارسته، وإنما مورس ضدها في أكثر من مكان، وأبرز دليل محرقة ميدان رابعة العدوية في القاهرة.
- كرسي الحكم أولا
يتضح مما سبق أن العائلات الحاكمة في السعودية ودولة الإمارات تعتقد أن حركة الإخوان المسلمين تشكل خطرا على كراسي سلطاتها، لكنها لا تأبه للخطر الإيراني الذي يستهدف الدولتين بشعبيهما والعائلات الحاكمة فيهما بشكل عام، ويعني ذلك أن إستراتيجية العائلات الحاكمة في تلك الدولتين تقدم محاربة الخطر الوهمي على كرسي الحكم على الخطر الحقيقي الذي تشكله إيران وأذرعها المسلحة على حكومات وشعوب المنطقة بشكل عام.
ويعني كل ذلك أن التصعيد الأمريكي الإيراني الأخير، والتصعيد العسكري لجماعة الحوثيين ضد السعودية، كوجه من أوجه التصعيد الإيراني، لن يؤثر كثيرا على الأزمة اليمنية. وفي أسوأ الأحوال، فإن ما سيحصل هو أن تعيد الدولتان ترتيب الأولويات في اليمن فقط، أي البدء بالحرب الجدية على الحوثيين، ثم إعادة هندسة الحياة السياسية في اليمن بالوسائل الممكنة، بما يتلاءم مع أهداف ورؤية الدولتين (السعودية والإمارات) لملامح يمن ما بعد الحرب.