[ استمرار التحالف بسياسته الحالية يُضر بالقضية اليمنية ]
بعد مشاورات السويد، وما تمخض عنها من مخرجات، تكشف التطورات والتفاعلات المتتالية للأزمة اليمنية، خاصة ما يتعلق بدور التحالف العربي فيها، أن التحالف تحول إلى عبء على القضية اليمنية، وأصبح يقود البلاد إلى متاهات غامضة من شأنها زيادة تعقيد الأزمة، وترسيخ حالة التمزق والتفكك التي تشهدها البلاد. وإذا استمر الوضع على هذه الحال، ستكون النتيجة المزيد من الفوضى والحروب الأهلية، وتغييب دور الدولة وتهميشها، وازدهار دور الجماعات الإرهابية والانفصالية.
وقد أدرك معظم اليمنيين الدور السلبي للتحالف العربي في الأزمة اليمنية، فخرجت خلال الأشهر الأخيرة مظاهرات في عدة محافظات، خاصة المحافظات المحررة في الجنوب، تنادي برحيل هذا التحالف من اليمن، ورفع وصايته على البلاد، وإنهاء كافة مظاهر الاحتلال والتعدي على السيادة الوطنية. ومثل هذه المطالب لم تأتِ من فراغ، ولكنها جاءت كتعبير عن تنامي الغضب الشعبي إزاء دور التحالف العربي السلبي في الأزمة اليمنية.
- عبء خطير
لقد تحول التحالف العربي إلى عبء خطير على القضية اليمنية، فحرفها عن مسارها، وأطال أمد الحرب الأهلية، ومزق البلاد شر ممزق، بعد أن أحيا هويات صغيرة مناطقية وجغرافية ذات أهداف وتوجهات انفصالية، وكرس الفوضى الأمنية كأداة فعالة يمكنه من خلالها تمرير أجندته وأهدافه في القضاء على أشخاص وتيارات محددة لا تروق له.
غير أن أخطر مظاهر هذا العبء، تتمثل في أن استمرار التحالف العربي في وصايته على اليمن أوجد المبررات لبعض الدول الكبرى بأن تضغط عليه وتوجه مسار المعركة ضد الانقلاب مسارات أخرى بما يتوافق مع أهدافها في كيفية رسم ملامح الشرق الأوسط الجديد بعد انتهاء مرحلة "الفوضى الخلاقة".
ومن مظاهر ممارسة التحالف العربي الوصاية على اليمن والإسهام في تمييع القضية اليمنية، تلك الضغوط التي مارسها على وفد السلطة اليمنية الشرعية في مشاورات السويد للقبول بالاتفاق مع الحوثيين بحسب صيغته الأخيرة، وفقا لما تسرب من معلومات من كواليس المشاورات، واضطر وفد السلطة الشرعية للقبول بالاتفاق تحت وطأة هذه الضغوط، ورفض بعض أعضاء الوفد الموافقة على الاتفاق وأيضا رفض حضور الجلسات الأخيرة من المشاورات.
وبصرف النظر عما إذا كانت تلك الضغوط تهدف إلى استدراج الحوثيين إلى فخ ما، أو امتصاص الضغوط الدولية من خلال المراهنة على نقض الحوثيين للاتفاق، كما هو معتاد من مختلف الاتفاقيات السابقة، وبالتالي استىئناف معركة تحرير الحديدة وغيرها، أو حتى الرهان على حلحلة الأزمة اليمنية وفكفكتها وتجزئتها وحلها سلميا، إلا أن الذي لا شك فيه أن التحالف العربي أصبح عبئا كبيرا وخطيرا على القضية اليمنية، وخابت رهانات اليمنيين على دوره بعد مدة قصيرة من بداية الانقلاب وعملية "عاصفة الحزم" العسكرية.
صحيح أن التحالف قدم خدمة كبيرة للسلطة الشرعية في بداية الحرب، من خلال تدمير كميات كبيرة من مخازن السلاح لدى الانقلابيين، وتحييد سلاحهم الثقيل عن المعركة، بالإضافة إلى دعمه تشكيل جيش وطني ومقاومة شعبية على عجل أسهما في كبح جماح الانقلابيين، لكن تدخله كان بلا رؤية، وكان الهدف المعلن هو القضاء على الانقلاب وإعادة السلطة الشرعية، لكن ما حدث كان العكس تماما، فلا الانقلاب تم القضاء عليه، ولا السلطة الشرعية عادت، بل فالتحالف منعها حتى من العودة إلى المناطق المحررة أو العاصمة المؤقتة عدن.
- أضرار الوصاية
إن استمرار التحالف العربي في فرض وصايته على اليمن، وتقييد حركة السلطة اليمنية الشرعية، والتحكم بمسار المعركة ضد الانقلابيين، كل ذلك جعله يتصدر واجهة الأحداث في اليمن، مما أوجد المبرر لبعض الدول الكبرى في ممارسة المزيد من الضغوط التي تحول دون تحرير البلاد من المليشيات الكهنوتية الرجعية.
لا شك أن التحالف يدرك هذا الأمر، وتدركه أيضا السلطة اليمنية الشرعية وحلفائها، خاصة ما يتعلق بحجم الأضرار والمساوئ المتزايدة جراء التدخل السلبي للتحالف العربي في الأزمة اليمنية، مما أثر كثيرا على القضية اليمنية وجعلها محور تجاذبات بين الدول المصدرة للسلاح والمنظمات الحقوقية المتاجرة بحقوق الإنسان والتحالف العربي (السعودية والإمارات).
وإذا كان التحالف العربي قد أضر بالقضية اليمنية، وانتهك سيادة البلاد، في ظل تراخي السلطة الشرعية وحلفائها، وحرف القضية اليمنية عن مسارها، فإن الضغوط الدولية، ومصالح الدول الكبرى، وطبيعة تدخلها في أزمات المنطقة، كل ذلك أضر بالقضية اليمنية عسكريا وسياسيا.
إن الضغوط التي تحول دون تحرير مدن وموانئ إستراتيجية يمنية، وتحول بشكل عام دون القضاء على مليشيات الحوثيين، همشت الأهداف العظمى التي يصبو إليها الشعب اليمني في بناء دولة ديمقراطية اتحادية حديثة، تقوم على أساس المواطنة المتساوية وحقوق الإنسان، والهدف البديل الحفاظ على بقاء جماعة الحوثيين كبؤرة توتر مزمنة، مثل غيرها من الجماعات والمليشيات الشيعية في المنطقة، لاستخدامها في أهداف مؤجلة أو آنية، ضمن خطة رسم ملامح المنطقة بعد مرحلة "الفوضى الخلاقة"، أقلها جعل المنطقة في حالة مزمنة من عدم الاستقرار.
- ما البديل؟
وقد يقول قائل: وما هو البديل لرفع التحالف العربي وصايته عن اليمن، أو الانسحاب من الملف اليمني، وترك اليمنيين يحددون مصير بلادهم بأنفسهم؟
الإجابة: ليس مطلوبا أن يتخلى العرب عن اليمن ويتركونها لقمة سائغة لإيران وحلفائها، لأن الهدف التالي سيكون مختلف الدول العربية دولة بعد دولة، إذا تخاذل الجميع عن نصرة بعضهم، ولكن المطلوب من التحالف العربي أن يوقف تدخله العسكري الجوي في اليمن، كونه أصبح غير جدوى، سوى اتخاذه وسيلة من قبل بعض الدول الغربية والمنظمات الحقوقية للتدخل في الملف اليمني بذريعة تدهور الأوضاع الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان، وفي مقابل ذلك، يقدم التحالف الدعم بالمال والسلاح للجيش الوطني والسلطة الشرعية، ويطلب منها العودة إلى البلاد وقيادة المعركة مباشرة حتى النصر.
وفي هذه الحال، لن يستطيع المجتمع الدولي أو أي قوى كبرى أن تمنع السلطة الشرعية أو تضغط عليها بأن لا تحارب الانقلاب وتقضي وعليه، وإذا حدث ذلك سيكون تدخلا في الشؤون الداخلية للبلاد وانتهاكا لسيادتها، أي أن صوت السلطة الشرعية سيكون هو الأقوى، كونها ستكون متسلحة بالسيادة الوطنية والدستور والقانون.