[ اتسعت مساحة النفوذ الإماراتي في اليمن أكثر من الدور السعودي ]
ضمن سباق النفوذ بين السعودية ودولة الإمارات في اليمن، نلاحظ تمدد النفوذ الإماراتي واتساع مساحته أكثر من مساحة النفوذ السعودي في البلاد التي تعدها حديقة خلفية لها، وهذا يعكس مدى الخلل الذي اعترى العلاقات السعودية الإماراتية خلال السنوات الأخيرة، أي بعد الصعود السياسي لكل من محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، وتحوُّل السعودية من دور المتبوع إلى دور التابع في علاقتها مع دولة الإمارات.
تعددت واختلفت أدوات وأدوار كلا الدولتين في اليمن منذ الانقلاب وبدء الحرب الأهلية، ثم تدخلهما العسكري بذريعة القضاء على الانقلاب وإعادة السلطة اليمنية الشرعية إلى العاصمة صنعاء، غير أن هذا التدخل انحرف عن مساره، وأصبح أداء الدولتين في اليمن مثيرا للجدل، وطغى على اهتمامات معظم اليمنيين الذين ساءهم ذلك.
- سباق النفوذ
بالرغم من أن سباق النفوذ بين الدولتين في اليمن أصبح بارزا ويكاد يسبب في بعض الأحيان صداما مباشرا بينهما لولا التفاهمات التي تدار وراء الكواليس، لكن أدوات هذا النفوذ تختلف وتتباين بشكل يوحي بأن هناك تعددا في الإستراتيجيات والأدوات لكل دولة، وهو ما يعكس العديد من الدلالات التي يمكن استقراؤها من خلال حقائق أخرى ذات صلة بالنفوذ العسكري وأدواته وحدود القوة الممكنة لذلك.
كانت دولة الإمارات هي السباقة في ترسيخ نفوذها في المحافظات المحررة وتلك التي لم تشهد معارك ولم تسيطر عليها مليشيات الحوثيين، وكانت البداية من العاصمة المؤقتة عدن، وكان واضحا منذ البداية أن سيطرة الإمارات على عدن تهدف إلى تقويض السلطة اليمنية الشرعية وعرقلة إقامتها بشكل دائم هناك.
وفي مقابل ذلك، أقدمت السلطات السعودية على توفير الإقامة الدائمة للسلطة اليمنية الشرعية في أراضيها ودفع رواتب أعضائها بالعملة الأجنبية، ولم تمارس أي ضغوط على حليفتها الإمارات لإفساح المجال للسلطة اليمنية الشرعية للإقامة الدائمة في عدن، وإدارة موارد البلاد من هناك، بما من شأنه توفير رواتب أعضاء الحكومة وموظفي القطاع العام وتوفير مختلف نفقاتها، وتخفيف الأعباء المادية على السلطات السعودية.
هذا السلوك للدولتين، بخصوص منع إحداهما الإقامة الدائمة للسلطة الشرعية في عدن وتوفير الأخرى هذه الإقامة في عاصمتها وفي فنادق فخمة، وافتعال عمليات إرهابية وتعمد التردي الحاصل في الوضع الأمني داخل عدن، الهادف إلى إثارة مخاوف السلطة الشرعية، كل ذلك يعني بأن الدولتين تهدفان إلى أن تبقى السلطة اليمنية الشرعية بعيدة عن هموم مواطنيها، وغير قادرة على فرض إرادتها وسيادتها، وخاضعة لإملاءات حكام الدولتين، وأيضا التحكم بمسار المعركة، وتفكيك المجتمع اليمني وإعادة هندسته بما يتناسب مع أهداف الدولتين في البلاد.
ازداد نفوذ الدولتين بشكل تدريجي في بعض المحافظات المحررة وتلك التي لم تشهد حربا ضد المليشيات الحوثية، وكانت دولة الإمارات هي السباقة في ذلك، وامتد نفوذها من جنوبي الساحل الغربي لليمن وامتد على طول الشريط الساحلي من ميناء المخأ مرورا بميناء عدن وحتى ميناء المكلا، وشمل السيطرة على المطارات، ثم امتد ليشمل المناطق الداخلية التي توجد فيها آبار النفط في محافظتي حضرموت وشبوة.
غير أن النفوذ الإماراتي الذي كان آخذا في التوسع، لم يتوقف إلا بعد محاولتها السيطرة على جزيرة سقطرى ومد نفوذها إلى محافظة المهرة، وكان للسخط الشعبي والرفض الحكومي لهذا التمدد دوره في تراجع النفوذ الإماراتي هناك، لكنه حل محله النفوذ السعودي بأساليب أخرى بدت أكثر استفزازا لأبناء محافظة المهرة، الذين رفضوا أي تواجد عسكري سعودي في محافظتهم.
- أدوات مختلفة
تختلف أدوات النفوذ لكلا الدولتين في اليمن، ففي حين تعتمد دولة الإمارات على تشكيل مليشيات محلية وتشرف على تدريبها وتزويدها بالسلاح، وتطلق عليها مسميات مناطقية مثل "النخبة الشبوانية"، و"النخبة الحضرمية"، و"الأحزمة الأمنية" في عدن والضالع وأبين، والتي تتشكل من مليشيات مناطقية، فإن السعودية تسعى لفرض نفوذها من خلال قواتها العسكرية مباشرة، وبدون الاعتماد على مليشيات محلية.
ويمكننا القول إن اعتماد دولة الإمارات على مليشيات محلية لترسيخ نفوذها، يعد انعكاسا لمحدودية القوة البشرية لجيشها ضئيل العدد، رغم عتاده العسكري الحديث، وأيضا انعدام الخبرة العسكرية لجيشها الذي لم يسبق له أن خاض أي حروب من قبل، كما أنها تخشى من فرض نفوذها بالقوة عن طريق جيشها خشية من ردود الفعل الغاضبة من قبل المواطنين وتعرض جنودها لهجمات مباغتة أو منظمة، لذلك اعتمدت على مليشيات محلية، تمكنت من استقطابها من خلال اللعب على وتر مطالب انفصال جنوب اليمن، والاعتماد على القاعدة الشعبية للحراك الجنوبي المطالب بالانفصال.
أما السعودية، فإن اعتمادها على جيشها مباشرة لفرض نفوذها في محافظة المهرة وجزيرة سقطرى، فإنه يعكس اعتمادها على جيشها كثير العدد والعتاد، خاصة أنها لا تخشى أن يتعرض جنودها في محافظة مسالمة مثل محافظة المهرة لهجمات مباغتة، كما أن الحراك الجنوبي الانفصالي ليس له وجود مؤثر في محافظة المهرة حتى يمكن الاعتماد على قاعدته الجماهيرية لتشكيل مليشيات عميلة للسعودية وتحمي نفوذها في محافظة المهرة وجزيرة سقطرى.
- دلالات الخلل في النفوذ
وعند التأمل في خريطة النفوذ السعودي والإماراتي في اليمن، يتضح أن الكفة تميل لصالح دولة الإمارات بفارق كبير، نظرا لاتساع المساحة الجغرافية التي باتت تسيطر عليها بشكل فعلي، وعدم وجود معارضة قوية لذلك، على العكس من النفوذ السعودي الذي اقتصر على محافظة المهرة، ويواجه معارضة شعبية واسعة هناك.
اختلاف النفوذ ومساحته وأدواته يعكس الخلل الذي اعترى العلاقات السعودية الإماراتية خلال السنوات الأخيرة، أي منذ الصعود السياسي للمحمدين (محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ومحمد بن زايد ولي العهد في أبو ظبي)، ذلك أنه بعد أن كانت السعودية هي من تقود الإمارات ودول الخليج بشكل عام، أصبحت الإمارات، في عهد المحمدين وليي العهد، هي من تقود السعودية وتعيد هيكلة البيت الخليجي، كانعكاس للنفوذ الطاغي لمحمد بن زايد على محمد بن سلمان، وإعجاب ابن سلمان بابن زايد بشكل مبالغ فيه والسير على خطاه، حتى بدا وكأن محمد بن زايد هو من يحكم الإمارات والسعودية معا، بل ويجر السعودية إلى الهاوية.
ولولا ذلك، لما تجرأت دولة الإمارات على مد نفوذها إلى الحديقة الخلفية لحليفتها السعودية (اليمن)، ولما تجرأت على أن تمارس كل ذلك العبث وبشكل يسيء للسعودية ويسلبها نفوذها السياسي في اليمن المتراكم منذ نشأة الدولة السعودية الثالثة، ويفخخ خاصرتها الجنوبية مستقبلا بمليشيات مناطقية وأسلحة نوعية لا يستبعد أن يتسرب عدد كبير منها إلى تنظيم القاعدة.