[ أسباب عديدة ساهمت في نجاح الاعتصام بالمهرة ]
قدم أبناء المهرة (شرق اليمن) درسا جديدا في المطالبة بالحقوق، والتصدي للانتهاكات التي تجري خارج سياق السيادة اليمنية، وخلال فترة قصيرة استطاعوا الانتصار لمطالبهم العادلة، بعد فرضها على الجميع، بما فيهم التحالف العربي نفسه.
السؤال الذي يبدو مهما في البداية لماذا انتفض هؤلاء؟ وما هي الدوافع التي دفعتهم للاعتصام؟ ثم سؤالا آخر أكثر أهمية، كيف استطاعوا انتزاع حقوقهم؟
البداية
ظلت محافظة المهرة بعيدة عن مجمل الاحداث والتطورات التي شهدتها اليمن منذ العام 2014م، ولم تصلها جماعة الحوثي التي انقلبت على ما اتفق عليه اليمنيون في نفس العام، ثم جاءت العمليات العسكرية للتحالف العربي في العام 2015م، وظلت المهرة أيضا بعيدة عن تلك الحرب وأجوائها وتداعياتها الكارثية، كالدمار، والنزوح، وتدهور الجوانب الانسانية والاقتصادية.
لكن كل تلك الكوارث التي نجت منها المهرة وأبنائها، طوال الثلاث سنوات الماضية، حلت محلها كوارث بديلة، دفعت بالوضع بالمحافظة إلى واقع جديد، تصدرت فيه المهرة عناوين الأخبار، وقائمة الإهتمام داخل اليمن وخارجه.
بدأت التوجسات منذ وصول القوات الإماراتية للمهرة أولا، ومحاولة أبوظبي إنشاء كيانات عسكرية تعرف بقوات النخبة، على غرار تلك التشكيلات العسكرية التي أنشأتها في عدن وحضرموت وشبوة والضالع، واتخذت من العمل الإنساني واجهة لتمرير مشروعها داخل المهرة، عبر الهلال الأحمر الإماراتي، وسرعان ما بدأت حالة الاستياء داخل الشارع المهري، الذي رفض تلك المشاريع.
عقب ذلك تراجع الدور الإماراتي، وحضرت السعودية بكل ثقلها، وتزامن ذلك مع تعيين محافظ جديد يدين بالولاء للجانب السعودي، ويعد اليد الطولى للرياض داخل المحافظة، وبدأت السعودية تعزز حضورها هناك، من خلال نفس الواجهة الانسانية، ثم تبع ذلك حضور عسكري كامل في المحافظة.
الحضور السعودي
عسكرت السعودية مختلف مناحي الحياة هناك، ودفعت بقواتها للمحافظة التي وصلت في الـ17 من نوفمبر 2017م، وأنشأت ألوية عسكرية تتشكل من قواتها، وحولت مطار الغيظة إلى ثكنة عسكرية لها، ومنعت الرحلات المدنية، ثم أطبقت يدها على المنافذ الحدودية كمنفذي شحن وصرفيت، والموانئ (نشطون)، وأخضعت الجميع لإشرافها المباش، ومنعت الصيد في السواحل، واستبدلت كثير من القوات الأمنية بقوات تتبعها، مع تهميش كامل للسلطة المحلية والقوى الاجتماعية بالمحافظة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد بدأت السعودية بالاهتمام بالمهرة بشكل ملف، وزارها السفير السعودي محمد آل جابر أكثر من مرة، وتقول مصادر في محافظة المهرة إن السعودية بدأت في تنفيذ مشروع الأنبوب النفطي الذي يمتد من منطقة الخرخير المحاذية للحدود مع اليمن، إلى ميناء نشطون في المهرة.
تقول السلطات السعودية إن تواجدها في المهرة يأتي لقطع حركة تهريب السلاح للحوثيين، وتزعم الرياض إن الأسلحة تتدفق نحو الحوثيين من محافظة المهرة التي ترتبط حدوديا وتأريخيا بسلطنة عمان، وهي الدولة الخليجية التي لعبت دورا كبيرا في المقاربة بين الأطراف اليمنية، ولم تتورط في الحرب التي يقودها التحالف العربي في اليمن.
ينفي أبناء المهرة تلك الاتهامات، وصرحت قيادات عديدة منها لوسائل الإعلام بعدم وجود تلك المزاعم، كما أن الحقائق على الأرض تسند هذه الفرضية، فجميع تصريحات قيادة التحالف العربي لاحقا ذهبت لإتهام الحوثيين بالحصول على السلاح عبر الحديدة، وربما كانت تلك التهمة مجرد مبرر للسيطرة على المهرة، مثلما كانت مبررا لسعي التحالف في السيطرة على محافظة الحديدة، خاصة أن التهمة نفسها في المحافظتين ظلت بدون دليل مادي حتى اليوم يؤكد دخول السلاح للحوثيين عبرهما.
وجد أبناء المهرة أنفسهم خارج سياق المعادلة في محافظتهم، ومن هنا بدأت تتشكل طلائع الاحتجاج والاعتراض، وفي الخامس والعشرين من يونيو الماضي أعلن أبناء المهرة عن مطالبهم، وخرجوا بكافة أطيافهم إلى ساحة الاعتصام للمطالبة بحقوقهم.
حدد المعتصمين مطالبهم وهي الحفاظ على السيادة الوطنية، وتسليم منفذي شحن وصرفيت وميناء نشطون ومطار الغيضة الدولي التي تسيطر عليها القوات السعودية إلى قوات الأمن المحلية والجيش، معلنين رفضهم السماح لأي قوات غير رسمية بالقيام بالمهام الأمنية بالمحافظة بشكل عام والمنافذ الحدودية بشكل خاص.
دلالة الاعتصام
ما يميز تلك الاعتصامات والمطالب هي أنها جاءت أولا من كافة الشرائح الاجتماعية والقبلية التي توحدت في صف واحد، وقيادة واحدة، وساهمت الشخصيات الاجتماعية البارزة ووكلاء المحافظة ودعمهم للمعتصمين في تمتين الصف، وإبراز القضية للرأي العام المحلي والإقليمي.
ثانيا: وضوح أهداف المعتصمين، والذين حددوا أهدافهم ومطالبهم في قائمة تضمنت ستة مطالب، وطالبوا بتنفيذها، وسخروا تحركاتهم وفعالياتهم من أجل دخولها حيز التنفيذ.
ثالثا: عدم انحصار المطالب على فئة معينة من الناس هناك، وخلوها من التجيير السياسي، والانتماءات القبلية المختلفة، والدعوات المناطقية والتشطيرية، ومشاركة مختلف الفئات فيها، من النساء والشباب، والمشائخ، والمثقفين، فانصهرت كل الهويات في بوتقة واحدة، وتحولت ساحة الاعتصام إلى ملتقى عام يتبادل فيه أبناء المحافظة الرؤى والأفكار ووجهات النظر إزاء ما يحصل.
رابعا: لم تخرج المطالب التي رفعها المعتصمون عن سياق التوجهات العامة للحكومة الشرعية، ولم تتقاطع معها، بل إن المعتصمين حرصوا على إظهار تأييدهم للحكومة الشرعية، والرئيس عبدربه منصور هادي، وجعلوا من السيادة الوطنية مبدأ واضحا لهم، ودعوا لتنفيذ توجيهات الرئيس هادي السابقة فيما يتعلق بالمهرة.
خامسا: لم يرفض أبناء المهرة الوجود الكامل للتحالف العربي، بل انتقدوا ممارساته وأساليبه، ودعوا لتصحيحها، ومعالجة الإختلالات، وطالبوا بالعمل المشترك بما يحافظ على السيادة الوطنية، ويعيد لهم الاعتبار في محافظتهم.
سادسا: كان الاعتصام والخروج بحد ذاته في محافظة المهرة ملفتا، فقد خرجت الشرائح الاجتماعية فيها إبان الثورة في العام 2011م مثلها مثل باقي المحافظات والمدن اليمنية، لكنها هذه المرة وقفت المهرة لوحدها، ورفعت مطالبها الخاصة، في وقت لجأت فيه كثير من المحافظات للقوة والعنف والصراع الدموي.
سابعا: مثل الاعتصام في محافظة المهرة اختبارا لمدى قوة الشارع والشرائح الاجتماعية في فرض نفسه، واسترداد حقوقه، وكان الانتصار الحقيقي هو فشل جميع المؤامرات التي أحيكت ضد المعتصمين من قبل السلطة المحلية وأطراف أخرى، لإفشال الاعتصام، وزرع بذور الفتنة بينهم.
ثامنا: أثبتت الاعتصامات في محافظة المهرة أنها طريقة مثلى لاستعادة الحقوق، وقدم أبناء المحافظة درسا سياسيا وحقوقيا بامتياز، وتمكنوا من إسقاط جميع حملات القدح باعتصامهم، والاتهامات الكيدية التي سعت للانتقاص من مطالبهم، وتجييرها على جهات داخلية وخارجية.
تاسعا: مثلت استجابة السعودية لمطالب المعتصمين اعترافا صريحا بتلك المطالب، ما يعني أن هناك خللا فعليا كان قائما، وتجاوزات حقيقية ارتكبتها السعودية والإمارات من قبل، وأن الاعتصام جاء بعد وصول الوضع إلى مستوى لا يمكن احتماله.
عاشرا: جرت كل تلك الأحداث والتطورات في المهرة بعيدا عن أي موقف معلن من قبل الحكومة اليمنية تجاه ما يجري، ما يشير إلى أن الحكومة والرئاسة قد غضتا الطرف، وتركت لأبناء المحافظة الخيار في الانتصار لمطالبهم، وتقريرها.
وماذا بعد؟
من الملفت أن موافقة التحالف العربي بقيادة السعودية على مطالب المعتصمين جاء في ظل دور غير معروف للسلطة المحلية ممثلة بمحافظ المحافظة الحالي راجح باكريت، والذي ظهر في فيديو يهدد المعتصمين بالاباتشي والقمع العسكري، وهو ما جعله في مواجهة مع المعتصمين، وبالتالي لا يزال دوره غامضا في الترتيبات القادمة، وهل ما اذا كان سيبقى في موقعه أم لا.
ومع الإعلان عن الوصول إلى اتفاق بين المعتصمين والسعودية، يبقى أبناء المهرة في انتظار دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وجاء الإعلان بتعليق الاعتصام مؤقتا تعبيرا منهم عن الوفاء ببنود الاتفاق، والأيام القادمة، ستكشف مدى جدية السعودية في تنفيذ بنود ذلك الاتفاق.
بالتأكيد تسعى السعودية في الوقت الراهن لاحتواء أي أصوات تسبب لها الحرج، وتظهرها بمظهر المحتل والغازي، ولعل الأخطاء التي ارتكبتها الإمارات في عدن كافية لتلافي أي تكرار لها في أماكن أخرى.
فهل ستلتزم السعودية بالاتفاق المعلن، أم أن الأوضاع ستعود من جديد إلى نقطة الصفر.
التسلسل الزمني للوضع في المهرة:
17 نوفمبر 2017م وصلت أولى طلائع القوات السعودية لمحافظة المهرة.
7 ديسمبر وصلت تعزيزات عسكرية سعودية جديدة الى المهرة.
18 يناير 2018 السعودية تعزز قواتها وتنشئ لواء بحري سعودي في منطقة نشطون.
17 ابريل 2018 السعودية ترسل مدفعية وآليات ثقيلة وتعزز قواتها في ميناء نشطون ومطار الغيظة.
23 يناير 2018 وصول آليات عسكرية ضخمة الى مطار الغيظة الدولي وتحول الى ثكنة عسكرية.
6 مايو 2018 رئيس المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى السلطان عبدالله بن عيسى آل عفرار يعلن رفض التواجد الاماراتي في سقطرى، ويؤكد التمسك بالحكومة الشرعية، ويطالب التحالف بالإلتزام بالأهداف التي أعلنها.
8 مايو 2018 تحدث السلطان عفرار أمام التحالف العربي في المهرة وطالب بذات المطالب.
13 مايو 2018 تم استبدال القوات الاماراتية باخرى سعودية بعد اتفاق مع الحكومة اليمنية.
25 يونيو 2018 إعلان أبناء المهرة البدء باعتصامات مفتوحة للمطالبة بحقوقهم.
6 يوليو 2018 المعتصمون يحددون ست مطالب رئيسية، وتم تسليمها للرئيس عبدربه منصور هادي وقيادة التحالف العربي.
12 يوليو 2018 اللجنة المنظمة للاعتصام تعلن التوصل لاتفاق مع الجانب السعودي وتعليق الاعتصام مؤقتا للبدء في تنفيذ الاتفاق.
13 يوليو 2018 اللجنة المنظمة تدعو لمسيرة جماهيرية حاشدة لإعلان بنود الاتفاق مع السعودية.