[ صورة تضم المشاركين في إعلان مشروع الكيان - واس ]
أعلنت المملكة العربية السعودية اليوم عن إنشاء ما يسمى بكيان البحر الأحمر وخليج عدن، ويتكون من الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر، وهي كلٌّ من السعودية واليمن ومصر والسودان وجيبوتي والصومال والأردن.
وجاء الإعلان عن هذا المشروع في اجتماع حضره ممثلون عن الدول السبع انعقد في العاصمة السعودية الرياض، وترأسه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي وصفه بأنه يأتي بمبادرة من العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، ويهدف أيضا لمنع القوى الخارجية من لعب أي دور سلبي بالمنطقة.
ووفقا لوكالة واس السعودية فقد تم تحديد اسم المشروع اختصارا بـ "ارسقا"، ويهدف لتعزيز الأمن والاستقرار والتجارة والاستثمار في المنطقة.
وقال نائب وزير الخارجية اليمني محمد الحضرمي الذي مثل الجمهورية اليمنية في الاجتماع إن أهمية الكيان تكمن في التنسيق السياسي للدول السبع ومعالجة التحديات من مختلف الجوانب، داعيا لإنشاء إطار تنظيمي وقانوني لتنسيق الجهود وتنظيم العمل بين الدول المشاطئة لضمان عمل مؤسسي يتسم بالفاعلية وحسن الأداء.
ظروف الإعلان
بالعودة للاجتماع المنعقد في الرياض فلم يصدر عنه أي بيان سياسي يوضح طبيعة هذا الكيان وآلية عمله، وكيفية التنسيق المستقبلي بين الدول الأعضاء، واكتفت وسائل إعلام السعودية بالإشارة لواقعة الاجتماع، فيما نشرت وزارة الخارجية السعودية إنفوجرافيك على حسابها في تويتر تشرح الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر بمثابته أحد أهم ممرات الطرق العالمية الملاحية.
لكن الظروف التي جاء في أجوائها هذا الإعلان تبدو أكثر تفسيرا للدوافع التي قادت الرياض لإعلانه، فهو يأتي في وقت تمر به السعودية بظروف عصيبة جراء تداعيات جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلده بإسطنبول، وفي ظل برود الدبلوماسية السعودية خارجيا.
كما أنه يأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الخليجية الخليجية في إطار مجلس التعاون الخليجي مزيدا من التدهور جراء الأزمة الأخيرة التي أكملت عامها الأول دون أي حلول، وهو ما يعتبره البعض محاولة جديدة لإنشاء كيان تسعى السعودية من خلاله لاستعادة دورها في المنطقة.
وجاء هذا الاتفاق بعد ما كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تقريرا كشفت فيه أن ولي العهد السعودي أوقف الاستمرار في مشروع "نيوم" التي خطط لها سابقا بتكلفة 500 مليار دولار وتقع على الشمالي الغربي من البحر الأحمر، وتشارك فيه دولتان من الدول المشاركة في الكيان الجديد هما الأردن ومصر إضافة للسعودية صاحبة الفكرة.
لكن المعيار الأهم هنا يتمثل في أن هذه الخطوة تأتي في الوقت الذي يستعد فيه مجلس الشيوخ الأمريكي في استصدار قرار جديد قد يؤدي إلى إلزام واشنطن بوقف دعمها للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، والانسحاب منها، وهو ما سيكون له تداعيات جديدة على الرياض، التي تعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي في المنطقة.
ونشط أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) للتصويت على هذا القرار، وتراجع معه نشاط جماعات الضغط واللوبي السعودي في واشنطن بعد مقتل خاشقجي، وفقا لما كشفته مجلة بوليتكو الأمريكية التي نقلت عن أحد الأعضاء قوله بأن الإدارة الأمريكية هي الوحيدة التي لا زالت تدافع عن السعودية، في إشارة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير خارجيته ووزير الدفاع.
كلا الوزيرين بالإضافة لترامب يؤكدان أن دعمهما للرياض يأتي بغرض منع سقوط المنطقة بيد إيران وداعش وبقية فصائل الإرهاب، معتبرين أن الرياض تقوم بدور حيوي في المنطقة.
يتطابق هذا الطرح مع ما كتبه المحلل السعودي محمد خالد اليحيى في موقع ذا هيل الأمريكي حين قال في مقال له بأن إيران سوف تمارس نفوذاً أكبر بكثير من القراصنة الصوماليين إذا سمح لها بتهديد باب المندب، إذا تمكنت من إنشاء موطئ قدم لها في خليج عدن.
الحضور في السواحل
ومنذ بداية المعارك العسكرية في اليمن بقيادة السعودية وشريكها الرئيسي دولة الإمارات سعت كلا الدولتين إلى تعزيز نفوذهما في السواحل اليمنية، وتمكنتا خلال السنوات الماضية من السيطرة والإطباق على الشريط الساحلي اليمني من المهرة إلى ميناء المخاء، وظل ميناء الحديدة هو الوحيد الباقي تحت سيطرة جماعة الحوثي، وعاش خلال الأشهر الماضية معارك عسكرية شرسة بغية السيطرة عليه من التحالف، وكانت الحديدة نقطة ارتكاز في المشاورات الجارية بالسويد حاليا بين طرفي المشاورات اليمنية.
وبشكل عام فقد ظل البحر الأحمر عنوان لعمليات شد وجذب في المنطقة خاصة بعد الفراغ السياسي الناتج عن غياب الدولة في اليمن، وسعت الإمارات لتعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي المطلة على البحر الأحمر من خلال شركة موانئ دبي التي وقعت اتفاقات مع كلّّ من جمهورية أرض الصومال (غير معترف بها دوليا) ودولة جيبوتي التي ألغت اتفاقها لاحقا، إضافة لميناء عدن الواقع تحت السيطرة العسكرية الفعلية لدولة الإمارات.
هذا السباق في محيط البحر الأحمر تزامن أيضا مع تعزيز تركيا لحضورها من خلال اتفاقيات التعاون مع كل من الصومال والسودان، وكلا الدولتين تطلان على البحر الأحمر، ويعزو كثير من المحللين أن مشروع كيان البحر الأحمر المقدم من السعودية هدفه تقليص النفوذ التركي، كرد سعودي على أنقرة التي وقعت في أراضيها جريمة مقتل خاشقجي، وكشفت خيوط الجريمة، ودعت مؤخرا لتدويل الجريمة.
وهو نفسه الذي تسعى إسرائيل لبسط نفوذها في البحر الأحمر، وتأمين خطوط الملاحة هناك، معتبرة أن ذلك يشكل أولى خطوات تأمين الأمن القومي الإسرائيلي وفق تحليل سياسي سابق نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية العام الماضي، واصفة ما يجري في اليمن من حرب للسعودية والإمارات بأنها حرب على مضيق باب المندب.
لكن إسرائيل وهي الدولة الثامنة المطلة على البحر الأحمر لم تدخل في هذا الكيان الجديد، غير أن الانفتاح السعودي على تل أبيب مؤخرا ربما يكون كافيا لتضطلع السعودية بهذا الدور نيابة عن الجميع.
قد تكون إيران هي المستهدفة أيضا بهذه الخطوة، خاصة بعد تهديدات طهران سابقا بإغلاق مضيق هرمز الذي تمر منه براميل النفط الخليجي، غير أن اعتبار البحر الأحمر كطريق دولي للتجارة العالمية يقلل من فرص تأثر إيران ما لم يكن هناك قرار دولي أممي يقضي بالتضييق على إيران، ويمنع تحركاتها تجاريا حول العالم.
لكن اللافت في الأمر أن دولة أريتريا التي تعد إحدى الدول المطلة على البحر الأحمر لم تكن حاضرة في الرياض مع بقية الدول التي أعلنت الدخول ضمن هذا الكيان، ولم يصدر عن أي جهة ما يبرر الغياب الأريتيري.
وتحتل أريتريا موقعا استراتيجيا في البحر الأحمر الذي يحدها من جهة الشرق، ويبلغ طول ساحلها في البحر الأحمر 1000 كم، كما أنها تتواجد على الشاطئ الغربي للبحر الأحمر في نقطة حاكمة عند مدخله الجنوبي، وعلى مقربة من مضيق باب المندب ذي الأهمية الإستراتيجية البالغة؛ وتشبه مثلثا محصورا بين إثيوبيا والسودان وجيبوتي.
تحالفات سابقة
ومنذ الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، سعت الرياض لإنشاء العديد من التحالفات، أبرزها التحالف العربي الذي تشارك دوله في الحرب باليمن بقيادة السعودية، ويضم خمس دول من الدول المشاركة في الكيان الجديد، ويتفرع تحته عدة كيانات أخرى أبرزها كيان خاص بوزراء الخارجية، وكيان خاص برؤساء الأركان في دول التحالف العربي.
ثم أعلنت الرياض لاحقا عن إنشاء ما يسمى بالتحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب في الـ15 من ديسمبر 2015م، والذي ضم (41) دولة بما فيها ذات الدول في كيان البحر الأحمر، إضافة إلى دول أخرى كباكستان وغيرها، وعقد أول أجتماع له في 20 نوفمبر من العام 2017م، وهدف لمواجهة الإرهاب.
وإلى جانب هذه الكيانات التي يغلب عليها الدوافع العسكرية، تستضيف الرياض أيضا العديد من الكيانات الممولة منها، كرابطة العالم الإسلامي وغيرها، وجميع تلك الكيانات تعمل وفق التوجه السعودي، وكان مصيرها التوقف، أو استئناف النشاط الموسمي.
حرب المياه
لا يمكن أن يأتي الإعلان عن هذا المشروع بالتأكيد دون موافقة أمريكية، وأغلب تحركات السعودية في الشواطئ اليمنية كانت بدعم أمريكي واضح، خاصة ما جرى في حضرموت والمهرة مؤخرا، حين حضر السفير الأمريكي للمرة الأولى إلى حضرموت برفقة السفير السعودي لتدشين أعمال تتصل بخفر السواحل في اليمن.
وفي كل الأحوال لا يمكن فرز هذه الخطوة عن مجمل السياسة الأمريكية في المنطقة، والتي تضطلع السعودية بدور كبير فيها، وإن جرى عكس ذلك فبالتأكيد سيكون له تداعياته أيضا، خاصة مع سباق السيطرة والاستحواذ لدى العديد من الدول التي تسعى لتأمين تحركاتها في خطوط الملاحة الدولية، منذ فترة الحرب الباردة.
يقول عميد البحرية ألفريد تايوس ماهان (1840-1914) "من سيحقق التفوق البحري في المحيط الهندي سيكون لاعباً بارزاً على الساحة الدولية".
ويفسر ميشال شوسودوفسكي هو أستاذ الاقتصاد الفخري بجامعة أوتاوا ومدير مركز أبحاث العولمة في مونتريال، ومؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً دولياً "عولمة الفقر والنظام العالمي الجديد" أن هذه المقولة تجسد السياسة الأمريكية الساعية للسيطرة على طرق الممرات البحرية الإستراتيجية للبحر الأحمر وخليج عدن، والتي تعد ذات أهمية حاسمة للجيش الأمريكي.
ويؤكد في هذا السياق في دراسة نشرت في العام 2010م أن من بين الأهداف الإستراتيجية لواشنطن عسكرة الطرق البحرية الرئيسية حيث يربط هذا المجرى المائي المتوسطي بجنوب آسيا والشرق الأقصى عبر قناة السويس والبحر الأحمر وخليج عدن.
ويصف هذا الطريق بأنه طريق عبور رئيسي لناقلات النفط، حيث تمر جزء كبير من الصادرات الصناعية الصينية إلى أوروبا الغربية عبر هذا الممر المائي الإستراتيجي، كما تمر التجارة البحرية من شرق وجنوب إفريقيا إلى أوروبا الغربية.
مشروع يمني
من الجدير بالإشارة هنا إلى أن هذا المشروع كانت اليمن قد تقدمت به في عهد الريئس اليمني الراحل إبراهيم الحمدي (1943م-1977م) حينما كان رئيسا للشطر الشمالي لليمن، (1974م-1977م).
كانت فكرة الحمدي تنص على إنشاء نادٍ للدول المطلة على البحر الأحمر، واستجابت حينها كلٌّ من الصومال والسودان وجيبوتي للفكرة، بينما عارضتها مصر والسعودية، ثم تجمدت الفكرة لاحقا، وماتت بمقتل الحمدي الذي لا تزال تفاصيل مقتله غامضة.
الخطوة بحد ذاتها تشابه ما دعا إليه الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في نهاية العام 2005م، حين عقد قمة يمنية أفريقية في التاسع والعشرين من ديسمبر 2005م حضرها إلى جانبه كلا من الرئيس السوداني عمر البشير، والصومالي عبدالله يوسف أحمد، ورئيس وزراء الأثيوبي الأسبق ميلس زيناوي، واحتضنتها مدينة عدن.
كانت القمة التي جاءت وفق مقترح يمني، وعُرفت لاحقا بدول تجمع صنعاء، تؤكد على التعاون في مجال مكافحة الإرهاب, والتعاون الدولي في حماية الملاحة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، وغيرها من القضايا التي أعد لها مجموعة من الخطط المستقبلية آنذاك.
ولحقت بها أنشطة متصلة لتعزيز استمرارها، وتعرضت حينها لموجة من الانتقادات، أبرزها أنها جاءت لتعزز حضور دول أفريقية على أخرى، خاصة ما يتعلق بالخلاف الأرتيري الأثيوبي، كما نظر لها أنذاك أنها محاولة من "صالح" للضغط على الخليج لقبول اليمن في مؤسسات مجلس التعاون، بل وصل البعض لاعتبارها بأنها تجمع الفقراء ضد الأغنياء.
توقف هذا المشروع لاحقا، ثم تتالت التطورات والمتغيرات في المنطقة، وصولا إلى إحياء هذه الأفكار من جديد، لكن في خضم وضع مضطرب تعيشه المنطقة.