[ المبعوث الأممي مارتن غريفيث يلتقي قيادات الحوثي بصنعاء ]
مع اقتراب موعد مباحثات السويد بين أطراف الأزمة اليمنية، والتي تأتي استجابة لضغوط دولية بهدف حل الأزمة اليمنية سلميا، يبدو أن فشل المباحثات أكثر التوقعات احتمالا، رغم تعويل بعض المتابعين بأن تتمكن الأمم المتحدة، عبر مبعوثها إلى اليمن مارتن غريفيث، من تحقيق اختراق في جدار الأزمة اليمنية، وبالتالي المضي قدما في إجراءت بناء الثقة وحل الأزمة سلميا.
وبالرغم من موافقة السلطة اليمنية الشرعية والتحالف العربي على شرط الحوثيين لحضور مباحثات جنيف بنقل 50 جريحا من الحوثيين إلى عمان للعلاج، بعد أن أبدوا تصلبا في شرطهم هذا الذي كان سببا في فشل مفاوضات "جنيف 3" قبل أن تبدأ، لكن من المحتمل أن تختلق جماعة الحوثيين شروطا أو مطالب جديدة في اللحظات الأخيرة بهدف إفشال المباحثات، وحتى في حال حضر وفد الحوثيين وبدأت المباحثات، فمن المحتمل أن يتعمد الوفد إفشال المباحثات كما حدث في مباحثات الكويت في أبريل 2016.
ما الجديد؟
تختلف هذه الجولة من المباحثات عن سابقاتها، التي فشلت جميعها، في كونها تأتي بعد ضغط عسكري حقيقي على جماعة الحوثيين في عدة جبهات عسكرية، أهمها جبهة الحديدة ثم جبهة صعدة، على أمل أن يشكل ذلك ضغطا على الحوثيين يجبرهم على تقديم تنازلات تفضي إلى حل الأزمة سلميا، خاصة بعد تفاقم الأزمة الإنسانية وانهيار الوضع الاقتصادي.
يقابل ذلك ضغوط دولية على السعودية لوقف الحرب في اليمن بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، وتوجت هذه الضغوط بإيقاف الولايات المتحدة الأمريكية تزويدها الطائرات السعودية بالوقود في الجو، بعد أن صعد التحالف العربي بقيادة السعودية من عملياته الهجومية على مواقع الحوثيين.
تعقيدات السلام
لأول وهلة، يبدو للمتابعين وكأن جميع الأطراف جادة في الحل السلمي للأزمة اليمنية، خاصة السعودية، التي تعد الفاعل الأكبر فيها، بعد إعلان الملك سلمان بن عبد العزيز دعمه للحل السلمي للأزمة اليمنية، وقبل ذلك، إعلان التحالف العربي والسلطة اليمنية الشرعية وقف العمليات العسكرية في الحديدة، تبعه إعلان الحكومة اليمنية موافقتها على حضور مباحثات السويد التي دعت لها الأمم المتحدة، ثم الموافقة على شرط الحوثيين لحضور المباحثات بنقل 50 جريحا من أتباعهم للعلاج في سلطنة عمان، بعد كانت ترفض ذلك بذريعة أن من بين الجرحى إيرانيين ولبنانيين.
لكن لا يعني ذلك بأن الحل السلمي أصبح قاب قوسين أو أدنى، خاصة أن سياسة استهلاك الوقت هي المتبعة من قبل جميع الأطراف، وكل طرف يراهن على حدوث متغيرات إقليمية أو دولية لصالحه، لاسيما في ظل التذبذب الحاصل في المواقف الأمريكية من قضايا المنطقة، وكذا اضطراب العلاقات الدولية.
تتعدد تعقيدات الحل السلمي للأزمة اليمنية بتعدد أطرافها والأطراف الأجنبية الفاعلة فيها، ولعل أبرز هذه التعقيدات أن الأزمة اليمنية تعد جزءا من أزمة إقليمية طائفية وأيديولوجية متعددة الأطراف والفاعلين الأجانب، ويعني ذلك أن الحل السلمي للأزمة اليمنية لن يتم إلا في حال تمت تسوية شاملة لكل أزمات الإقليم، واتفقت القوى الإقليمية والحلفاء الدوليين لكل منها على وضع حد للاضطرابات والحروب التي تعصف بمنطقة المشرق العربي.
الحرب لأجل السلام
في تاريخ الصراعات والحروب الأهلية، تبدو الحالة اليمنية غريبة عن مثيلاتها، فالمعروف عن الحروب الأهلية أنها لا تنتهي بحل سلمي إلا في حال تعذر الحسم العسكري لأحد أطرافها. أما في الحالة اليمنية، فما يحدث هو أن الطرف المتفوق عسكريا وبإمكانه تحقيق الحسم العسكري خلال مدة زمنية وجيزة (السلطة الشرعية والتحالف العربي)، يعمل على تقسيط المعركة ضد الطرف الأضعف (الحوثيين)، ويتخذ من التصعيد العسكري وسيلة لتحقيق الحل السلمي وليس من أجل الحسم العسكري.
ونتيجة لذلك، فقد صار مسار الأزمة اليمنية يدور في حلقة مفرغة، حيث يلجأ التحالف العربي والسلطة الشرعية إلى التصعيد العسكري ضد الحوثيين، بهدف إجبارهم على الرضوخ للحل السلمي، وفي كل مرة يعتقدون أن ذلك هو ما سيتحقق، فيتوقف التصعيد العسكري، فيظن الحوثيون أن توقف التصعيد العسكري ضدهم إقرار من الطرف الآخر بالهزيمة وعدم القدرة على الاستمرار في المعركة نظرا لكلفتها الباهظة، فيتعمدون عرقلة مساعي الحل السلمي لاعتقادهم بأنهم الطرف الأقوى، ويتكرر ذلك كل مرة.
حل مفخخ
وإذا افترضنا أن أطراف الأزمة اليمنية اتفقت في السويد على حل سلمي للأزمة التي تعصف بالبلاد منذ أربع سنوات، فمما لا شك فيه أن هذا الحل سيكون مفخخا، وسيكون بمثابة مُسكّن مؤقت للأزمة وترحيل لها إلى وقت آخر، خاصة أنه سيأتي في وقت لم تتهيأ فيه الأوضاع الميدانية بعد لمثل هكذا حل، كون الحوثيين ما زالوا يفرضون سيطرتهم على العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى ذات كثافة سكانية كبيرة، وبعضها تمثل حاضنة اجتماعية لهم.
ويمكن القول بأنه لضمان الحل السياسي للأزمة، فإنه يجب أن يسبقه تسوية الوضع العسكري والأمني في البلاد، مثل انسحاب مليشيات الحوثيين من المدن الرئيسية، خاصة العاصمة صنعاء، وتسليم السلاح الثقيل لطرف ثالث (ألوية عسكرية لم يسبق لها أن شاركت في الحرب)، على أن يتولى هذا الطرف مهمة تأمين العاصمة وحماية الأطراف الأخرى التي ستعود للعاصمة، وأيضا تأمين المدن الرئيسية الأخرى، ودمج جنود من الطرفين ضمنها في حال كانت أعدادها غير كافية، لكن يبدو أن الحوثيين لن يتنازلوا بسهولة عن تمددهم العسكري، وحتى في حال وافقوا فإنهم لن يعدموا الحيلة للالتفاف على ذلك.
وبدون تسوية الوضع العسكري والأمني في البلاد قبل الحل السياسي، فهل ستتجرأ الأطراف الأخرى على العودة إلى العاصمة صنعاء، التي أصبحت مفخخة بالمليشيات الحوثية وخلاياها النائمة وفرق الاغتيالات؟ السؤال بطريقة أخرى: هل الحل السلمي للأزمة اليمنية سيكون شاملا ومضمونا أم أنه مجرد فخ يتم نصبه للسلطة الشرعية وللتحالف العربي بذريعة تدهور الأوضاع الإنسانية وتعثر الحسم العسكري؟