[ كان تحالف صالح مع الحوثيين هو الأخير في مسيرة صالح ]
الحديث عن حزب المؤتمر الشعبي العام هو حديث عن تأريخ اليمن بشكل عام، فقد ارتبط الحزب بالسلطة منذ بداية ميلاده السياسي، وظل الرئيس السابق علي عبدالله صالح رئيسا له، ومقترنا باسمه طوال تأريخ الحزب السياسي.
اتكئ صالح على الحزب بشكل كبير، ومثل الحزب بالنسبة له طوقا مهما في إدارة البلاد خلال مدد رئاسته المتعاقبة، حتى أصبح الحزب هو الدولة والنظام السياسي الحاكم.
وعمل صالح على تحويل الحزب الى إطار جامع يضم مختلف فئات المجتمع داخل الحزب، من القبيلة الى رجال الاعمال والقيادات العسكرية، والسياسيين، بل إنه استقطب العديد من الشخصيات من أحزاب أخرى، ووزعهم على مختلف دوائر الحزب وأطره التنظيمية، وينسحب هذا الحديث على مختلف مكاتب الحزب في المحافظات.
لقراءة الحلقة الأولى من هذه السلسة يرجى الضغط هنا
وكان أبرز تحول في مسيرة الحزب عقب الثورة الشعبية التي أطاحت بصالح في العام 2011م، والتي ألحقت بالحزب هزات كبيرة تمثلت بمحطتين مفصليتين.
آ الأولى انشقاق الكثير من الشخصيات السياسية والإعلامية والعسكرية وأعضاء في البرلمان والشورى عن الحزب وانضمامها لميادين الثورة وساحات التغيير في غالبية المحافظات، وأغلب تلك الشخصيات كانت تحتل قيادات رفيعة في الحزب، ولها علاقة كبيرة به، كما تمتاز بالثقل الجماهيري والسياسي، ما تسبب بفقدان الحزب لكثير من التماسك التنظيمي والجماهيري، وأثارت حفيظة صالح وحزبه ووصفها في أكثر من خطاب بالمنشقة والانتهازية والباحثة عن المصلحة والهاربة بفسادها نحو المستقبل.
أما الثانية فكانت عندما شارك حزب صالح في حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت بموجب المبادرة الخليجية، وحصوله مع شركائه على نصف حكومة، بدلا عن حكومة كاملة، وكان هذا الأمر محل عدم رضا من صالح وحزبه، وأبانت الاحداث الجارية كثير من الحقائق المتصلة بهذا الموضوع تحديدا.
فرغم أن المبادرة الخليجية منحت صالح حصانة كاملة من المسائلة والعقاب، لكنها لم تغلق الباب في وجهه فيما يتعلق بممارسة العمل السياسي، ولذلك ظل محتفظا بزعامته لحزب المؤتمر، متخذا منه بوابة يطل عليها من حين لآخر عبر وسائل اعلامه، لإيصال الرسائل التي يرغب في ايصالها لمختلف الأطراف في الداخل والخارج.
تصرف حزب المؤتمر تحت قيادة صالح بعد انتخاب الرئيس هادي كحزب معارض، رغم انه يمتلك نصف مقاعد حكومة الوفاق الوطني، وكان أداء الحكومة التي جاءت بها الثورة محل نقد مستمر من قبل وسائل الاعلام التابعة له طوال فترة حكم حكومة الوفاق التي رأسها محمد سالم باسندوة، والذي كان أحد أعضاء الحزب في السابق.
من خلال المؤتمر الشعبي العام واصل صالح لقاءاته مع مشائخ القبائل والقيادات السياسية، وسعى لتنشيط علاقاته من جديد معهم، واحتضن منزله في العاصمة صنعاء ومقر المؤتمر العديد من اللقاءات والاجتماعات، ونتج عن ذلك التنسيق تجاه مختلف القضايا المتصلة بالتطورات في اليمن بمختلف المنعطفات التي عاشتها مؤخرا.
استغل صالح حضوره السياسي في الحزب والسلطة، لتجميع نفسه والعودة من جديد لسدة الحكم، عبر بوابة المؤتمر الشعبي العام، من خلال معارضة حكم هادي، وخلق العوائق والصعوبات أمامه، لدفعه نحو طريق مسدود كما فعل صالح مع حلفائه السابقين، ولذلك حملت سياسة صالح منذ صعود هادي للحكم طابعا انتقاميا من الرجل والثورة التي أطاحت به، وسارت الاحداث بشكل دراماتيكي، وأفضت الى صراع دام تجرعته اليمن، ولاتزال حتى بعد رحيل صالح عن السلطة.
علاقة الحزب بهادي
يعد الرئيس عبدربه منصور هادي أحد قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام، وعين نائبا لرئيس المؤتمر وأمينا عاما له في نوفمبر/تشرين الثاني 2008م وظل في منصبه حتى الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2014م، حيث أقاله صالح من منصبه بعد اتهامه بأنه كان وراء العقوبات الأممية التي فرضت على صالح.
ولم تكن عملية فصل هادي من قيادة المؤتمر سوى تتويجا للازمة التي جرت بينه وبين صالح، فقد وجه هادي بإيقاف قناة اليمن اليوم بحكم كونه امينا عاما للمؤتمر، معتبرا ان قرار الإيقاف من صلاحياته كأمين عام للحزب، بعد شذوذ القناة إعلاميا ومهاجمتها لهادي أكثر من مرة.
ولذلك كان من الواضح تصاعد حدة الصراع داخل المؤتمر بين صالح وهادي، بعد اقدام هادي على العديد من القرارات التي بموجبها ألحقت هزيمة كبيرة لدى صالح وعائلته، كهيكلة الجيش، وإزاحة عائلة صالح من مواقعها العسكرية والمدنية، والسير في قانون العدالة الانتقالية، وإصرار هادي على استكمال نتائج مخرجات الحوار الوطني، والتي كان صالح ينظر لها كستار سيسدل على ملامح حكمه السابق، ويقود اليمن واليمنيين الى حقبة جديدة تختلف كليا عن حقبته الممتدة لثلاثة عقود.
اقرا أيضا: حزب المؤتمر الشعبي العام.. ثلاثة عقود من العلاقة بين السلطة والنفوذ
ورغم أن اللائحة الداخلية لحزب المؤتمر تنص على أن رئيس الحزب هو رئيس الجمهورية اليمنية، لكن صالح لم يسلم قيادة الحزب كما كان يفترض لهادي، وظل يشغله ويديره، حتى افضت الحساسية من هادي بالنسبة لصالح الى فصله من الحزب نهائيا.
قادت حالة الاحتقان بين صالح وهادي الى سعي المؤتمر لإفشال هادي شعبيا، وخرجت العديد من التظاهرات التي دعمها صالح وحزبه للتنديد بتدهور الأوضاع داخل اليمن، والتي بموجبها أجرى هادي تعديلا حكوميا في حكومة باسندوة شملت العديد من الوزارات.
ودفعت حدة الاحتقان بين هادي وصالح الى لجوء الأخير لعقد تحالفات بشكل أوسع مع جماعة الحوثي، وبدا هذا التحالف بتناغم الأداء الإعلامي التابع لكلا الطرفين في استهداف هادي والحكومة، وتحميلهما وزر تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، ومثل هذا ذروة المعركة المتبادلة، والتي جرى استغلاها شعبيا من قبل الحوثيين لاحقا للإطاحة بهادي وحكومته.
وسعيا من صالح للانتقام من هادي ونظام حكمه أعاد صالح تنشيط علاقاته برجال القبائل وقيادات المؤتمر في المحافظات، وقدم التسهيلات لجماعة الحوثي التي توغلت تدريجيا في المحافظات بدء من دماج في صعدة، ومثلت محافظة عمران (شمال صنعاء) ذروة التحالف بين صالح والحوثيين، حين سهل مشائخ قبيلة حاشد تقدم الحوثيين نحو عاصمة المحافظة، ونتج عن ذلك اسقاطها بعد سقوط اللواء 310 مدرع ومقتل قائده العميد حميد القشيبي، ثم تقدم الحوثي نحو العاصمة صنعاء، وسقوطها لاحقا بيد الحوثيين.
وعندما سقطت صنعاء بيد الحوثيين وقدم باسندوة استقالته، أصدر الرئيس هادي قرارا بتكليف احمد عوض بن مبارك رئيسا للحكومة، لكن صالح وحزبه مع جماعة الحوثي رفضا ذلك القرار، وأصدر حزب المؤتمر بيانا وصف فيه بن مبارك بالحزبي والمتطرف وشكك في ولائه للوحدة اليمنية، ما اضطر هادي الى التراجع، وتوصل الجميع بعد أيام الى تشكيل حكومة جديدة برئاسة خالد بحاح في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2014م، لكن صالح وحزبه رفض المشاركة في الحكومة، وأعلن ان من وردت أسمائهم في تشكيلة الحكومة الجديدة لا يمثلون حزب المؤتمر، وقرر نهائيا فصل هادي من الحزب معتبرا ان هادي هو من طلب من مجلس الأمن إدراج علي عبد الله صالح ضمن قائمة العقوبات على المعرقلين للعملية السياسية في البلاد، ولذلك أدى أعضاء الحكومة الجديدة اليمين الدستورية امام الرئيس هادي باستثناء ستة وزراء محسوبين على حزب صالح، ومنهم واحد فقط اعتذر عن المشاركة، وهو وزير النفط والمعادن.
وعندما أسقط الحوثيون العاصمة صنعاء لم يصدر حزب المؤتمر أي بيان سياسي واضح يدين تقدم الحوثيين، واستهدافهم للحكومة اليمنية، بل سعى لتصوير ما يجري بأنه ليس سوى صراع على السلطة، وفي نفس الوقت واصل صالح من خلال المؤتمر مهاجمته لهادي، بل خاطبه في احدى أحاديثه بأنه لم يتبقى أمامه سوى الهروب من البحر كما فعل الانفصاليون من قبل، وذلك بعد وضع هادي تحت الإقامة الجبرية في 19 يناير/كانون الثاني 2015م، بعد اقتحام منزله ومحاصرة القصر الجمهوري في صنعاء.
المؤتمر بعد عاصفة الحزم
بعد تمكن الرئيس هادي من الإفلات من قبضة الحوثيين ووصوله الى مدينة عدن التي أعلنها عاصمة مؤقتة، شنت جماعة الحوثي والجيش التابع لصالح هجوما بالصواريخ على مقر إقامة هادي في قصر معاشيق بالتزامن مع تقدم بري لقوات الطرفين بهدف السيطرة على مدينة عدن وملاحقة الرئيس هادي.
ووسط هذا التصعيد انطلقت عاصفة الحزم في السادس والعشرين من مارس/آذار 2015م، ورغم التورط الواضح لصالح وقواته في تلك الهجمات الجوية التي استهدفت عدن فقد أصدرت الأمانة العامة لحزب المؤتمر بيانا نفت فيه صلتها بالهجوم على عدن، وطالبت دول الخليج بوقف الحرب والاحتكام للحوار والحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي في اليمن.
ومثلت عاصفة الحزم التحدي الثاني امام علي عبد الله صالح وحزبه في اليمن، فمع انتقال هادي الى العاصمة السعودية الرياض لحقت به العديد من قيادات الحزب كاحمد عبيد بن دغر وقيادات أخرى.
اقرا أيضا: أحمد علي عبدالله صالح .. رحلة الحياة من النشأة إلى السفارة (1-2)
في الرياض عقدت قيادات الحزب اجتماعات لها وأعلنت عن تصعيد هادي الى رئاسة الحزب، وتعيين بن دغر نائبا أولا له، وعزلت صالح من قيادة الحزب ودعت لإحالته مع بقية القيادات الى الرقابة التنظيمية للحزب.
بالنسبة لصالح فقد استكمل بنية الحزب بعد انشقاق بن دغر وقيادات أخرى، وسعى لتوثيق تحالفه مع الحوثيين بشكل أكبر، وأعلن من باحة منزله الذي قصفته طائرات التحالف العربي عن التحالف مع الحوثيين لدحر ما يسمى بالعدوان الخارجي.
وأعلن جناح صالح في حزب المؤتمر إحالة من فروا إلى الرياض إلى الرقابة التنظيمية في الحزب، وبأنهم لا يمثلون الحزب، ووصف صالح قادة الحزب الذين خرجوا من اليمن ولم يقفوا في الحرب معه بالخونة وبأنهم "كانوا تحت أقدامه"، وفق حديثه لقناة الميادين.
ووفقا لتلك التطورات أصبح المؤتمر الشعبي العام يمثل تيارين، التيار الأول كان من نصيب علي عبدالله صالح في اليمن، ويحتفظ بجماهير الحزب، ومقراته، ونشاطه السياسي والإعلامي، والتيار الثاني كان للمؤتمرين في الخارج والذي قاده هادي والمنشقين من القيادات معه.
وفيما انصهر التيار الثاني داخل الحكومة المشكلة في الخارج والتي ترأسها خالد بحاح أولا ثم بن دغر ثانيا مع أحزاب أخرى، تحالف التيار الثاني بقيادة صالح مع جماعة الحوثي، مدشنا مرحلة جديدة في مسيرة الحزب السياسية.
حزب المؤتمر وتحالفه مع الحوثيين
عندما وضع الرئيس هادي قيد الإقامة الجبرية أعلن في الـ22 من يناير/كانون الثاني 2015م عن تقديم استقالته مع رئيس الحكومة خالد بحاح الى مجلس النواب، ورغم أن المجلس لم يبت في تلك الاستقالة فقد واصل الحوثيين خطواتهم، وأعلنوا في السادس من فبراير/شباط عن الإعلان الدستوري الذي قدم رؤية جديدة لقيادة البلاد بعيدا عن هادي وسلطته.
وتحت هذا الإعلان الذي ولدت منه ما يسمى باللجنة الثورية العليا التي رأسها ولايزال محمد علي الحوثي واصلت جماعة الحوثي وحليفها صالح في تعيين قيادات جديدة لمؤسسات الدولة سواء في السلطة المحلية او المصالح الحكومية، مع العلم أن كثير من التعيينات التي أصدرها هادي في السابق كانت من نصيب القيادات المؤتمرية التي تدين بالولاء لصالح وترتبط بشكل أو بأخر بجماعة الحوثي، وكان لتلك القيادات دورا كبيرا في تسهيل اقتحام الحوثيين للمحافظات، كمحافظ عمران محمد صالح شملان، وحسن الهيج محافظ الحديدة، وحمود عباد محافظ ذمار، وشوقي أحمد هائل محافظ تعز، وغيرهم.
مع استمرار العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن مستهدفة جماعة الحوثي وصالح دفع ذلك الطرفين الى التحالف بشكل أكبر، فشكلا مجلسا مشتركا أطلق عليه "المجلس السياسي الأعلى" في الثامن والعشرين من يوليو 2016م، وانبثق عن المجلس الذي نصت لائحته على تولي رئاسته بالتداول كل أربعة أشهر بين الجانبين تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني المكونة بالمناصفة بين الطرفين في 28 نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2016م، وهي الحكومة التي رأسها عبدالعزيز بن حبتور المحسوب على المؤتمر الشعبي العام.
في إطار الواجهة السياسية الجديدة ممثلة بالمجلس السياسي الأعلى وحكومة بن حبتور كان المؤتمر الشعبي العام يدخل المنعطف الأخطر في حياة مؤسسه ومسيرة الحزب السياسية، فالحوثيون الذين كانوا بالأمس أعداء صالح وأبغض خصومه، باتوا اليوم حلفاءه الأهم، ومحور اهتمامه.
منح صالح الحوثيين من خلال المؤتمر الشعبي العام غطاء سياسيا كانوا بأمس الحاجة إليه، ووصل الامر حد اعلان عودة مجلس النواب المنتهية ولايته للانعقاد، ومزاولة أعماله، ورغم أن عمل المجلس كان صوريا ويفتقد للقرار فقد واصل اعماله وعقد العديد من اللقاءات التي كرست لقضايا هامشية وسط عزلة دولية عاشها المجلس، وانحصرت مهمته في اصدار البيانات المطالبة بوقف الحرب في اليمن، والنزول الميداني للمدن الواقعة تحت سيطرة الطرفين، وقراءة محاضر الاجتماع دون القدرة على اتخاذ أي نتائج إزاء كثير من الاستنتاجات التي توصلت لها بعض لجان المجلس.
اقرا أيضا: أحمد علي عبدالله صالح .. بين القيود الأممية ومحاولة تقديمه للمشهد من جديد (2-2)
ويمكن القول ان تحالف حزب المؤتمر مع الحوثيين بقيادة صالح سار في اتجاهين، الأول في الجانب السياسي من خلال العمل المشترك في الحكومة والمجلس السياسي الأعلى، وتوحد الخطاب الإعلامي تجاه ما يسمى بالعدوان، والنيل من الشرعية، والثاني المسار العسكري من خلال الزج بالقوات التابعة لصالح في المعارك الميدانية للتصدي للجيش الوطني، والعمليات العسكرية التي تواصلت في الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية.
ونتج عن ذلك العديد من التداعيات التي اثرت على صالح وحزبه لاحقا، وتمثل ذلك في ذوبان الشبكة المعقدة لصالح في الوعاء الحوثي، سواء القيادات العسكرية، او مشائخ القبائل، والذين بات أغلبهم يرتبط بالحوثيين أكثر من ارتباطه بصالح.
إضافة الى ذلك أدى بقاء صالح الصماد على رأس المجلس السياسي الأعلى، ومنع تدوير قيادات المجلس كما كان مفترض الى تغلغل الجماعة الحوثية في وظائف الدولة وحصولها على تعيينات في أهم الوظائف المدنية والعسكرية، فيما جرى اقصاء الكثير من القيادات الموالية لصالح، بل والتضييق عليها، ووصل الامر حد الاعتداء على المسؤولين التابعين لصالح في الحكومة.
ومن التأثيرات التي أثرت على تحالف صالح مع الحوثيين ودفع ثمنها لاحقا إمساك جماعة الحوثي بأهم المؤسسات في الحكومة كالإيرادات ومرتبات الدولة، وأدى ذلك الى خنق القوات التابعة لصالح، وجعلها رهينة بيد الحوثيين، وكان ذلك مقدمة لإذلالهم لاحقا.
ولذلك استفادت جماعة الحوثي من تحالفها مع صالح أكثر مما استفاده صالح وحزب المؤتمر، ورغم شكوى صالح وحزبه المتكررة من ممارسات اللجنة الثورية العليا التي كان يفترض أن تتلاشى مع تشكيل المجلس السياسي الأعلى، لكن ذلك لم يلقى استجابة من الحوثيين، الذين واصلوا عملهم في الاستحواذ على مؤسسات الدولة من خلال اللجنة الثورية العليا التي يتبعها عددا من المشرفين في مختلف الوزارات والمحافظات، ومن خلال المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ.
وطوال فترة التحالف بين الجانبين ظهر صالح مؤيدا للجماعة الحوثية، ومهاجما من يصفهم بأعداء اليمن، ومدافعا عن حقهما في التحالف مع إيران المعروفة بدعهما للحوثيين، وعدائها للتحالف العربي بقيادة السعودية، والذي أعلن أكثر من مرة أن معركته مع الحوثيين هي لانتزاع اليمن من إيران.
اقرا أيضا: الصراع بين الحوثي وصالح.. أيهما أقوى عسكريًا وسينتصر على الطرف الآخر؟
وأدى صالح دورا كبيرا في تسويق المشروع الحوثي باليمن، باعتباره مقاوما للعدوان الخارجي، ودعا أكثر من مرة الى رفد الجبهات القتالية التابعة لهما بالرجال والمال، وواصل كعادته حشد قبائل طوق صنعاء للتصدي للعدوان والتذكير بتأريخهم الطويل في الدفاع عن صنعاء، بل وتحرك ميدانيا أكثر من مرة، وقام بزيارة المعسكرات التابعة لحلفه مع الحوثيين، محرضا على القتال، وداعيا لمواصلة التصدي والثبات.
نهاية التحالف
طوال فترة التحالف القائم بين الجانبين لم يكن ثمة ما يشير الى إمكانية تصدع التحالف بينهما سريعا، وكانت التحليلات تذهب الى أن الافتراق بين الجانبين سيحصل حتما، لكنه لن يكون بذلك الشكل السريع الذي وقع مؤخرا.
بدأت مظاهر التململ في النشاط من خلال التذمر الذي كان يبديه أعضاء في المؤتمر الشعبي العام من إجراءات الحوثيين المستمرة بحقهم، والتي تمثلت في رفع الدعاوى القضائية ضدهم، وفي مهاجمة الحوثيين، وكان ذلك ناتجا عن إشارات خارجية تلقاها هؤلاء للبدء في انتقاد الحوثيين ومهاجمتهم، وبدا هذا ظاهرا في الخطاب الإعلامي الذي كان يربط بين الحوثيين وايران، وهي إشارة واضحة للسعوديين، مع العلم أن الكثير من حوادث الاختلاف بين الطرفين كان صالح يسعى لردمها ووأدها.
مع مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري كانت العاصمة صنعاء على فصل جديد من فصول المواجهة الغير متوقعة، إذ ظهر صالح فجأة في الثاني من ديسمبر معلنا معركة شعبية ضد الحوثيين، وداعيا الى فض الشراكة معهم، والانتفاض عليهم في المحافظات، وتزامن ذلك مع حملة إعلامية واسعة دشنتها الوسائل الإعلامية التابعة للتحالف العربي مع صالح في انتفاضته ضد الحوثيين.
لم تعرف حتى اللحظة الدوافع والضمانات التي تلقاها صالح للقيام بخطوته تلك، وتابع العالم بذهول ما ستسفر عن نتائج المواجهات المسلحة التي اندلعت بين الحوثيين وصالح في صنعاء، وفي حين بدت المعركة لصالح صالح واتباعه تحولت بعد يومين الى الارتداد عليه، وإعلان الحوثيين مقتله في الرابع من ديسمبر، في عملية لم تُعرف بعد تفاصيلها.
مثل مقتل صالح ضربة موجعه لمسيرته الرئاسية ولحزبه في اليمن، وفتح صفحة جديدة أشد قتامة في تأريخ الحزب، خاصة مع عمليات الاجتثاث المتواصلة للقيادات المؤتمرية المحسوبة على صالح في صنعاء وبقية المدن الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وبذلك ظهرت ملامح عهود جديدة لحزب المؤتمر الذي يواصل الحياة اليوم منهكا بدون صالح منذ تأسيس الحزب مطلع الثمانينات من القرن الماضي.
فكيف سيصبح المؤتمر الشعبي العام اليوم، وماهي السيناريوهات المحتملة التي سيواجهها في المستقبل، وهذا ما سنتناوله في الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة.