[ أحمد هو النجل الأكبر لعلي عبدالله صالح ]
بالنسبة للعميد أحمد علي عبدالله صالح فقد عُرف عنه الصمت الكامل، وتجنب الظهور أمام وسائل الإعلام، لكنه بعد قرار إقالته من الرئيس عبدربه منصور هادي في التاسع والعشرين من مارس/آذار 2015م خرج عن صمته، وظهر في تصريح صحفي يدعو للحوار ويعبر عن أسفه للوضع الذي وصلت إليه بلده، حينها سارع دولة الإمارات إلى الإعلان بأن قرار إقالة "أحمد" تم بعلمها، وفي ذات الوقت نشرت وسائل إعلامية سعودية أن العميد أحمد زار المملكة وعرض عليها دعمه مقابل الإطاحة بجماعة الحوثي، وهو ما رفضه وزير الدفاع السعودي.
لقراءة الجزء الأول من هذا التقرير يرجى زيارة الرابط هنا
وعندما سقطت العاصمة صنعاء بيد مليشيا الحوثي وحليفها صالح في 21 سبتمبر/أيلول 2014م كان ذلك تتويجا للتحالف الذي جرى بين الجانبين، ولم يمضِ سوى شهرين حتى أصدر مجلس الأمن في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2014م قرارا بفرض عقوبات على صالح وعبدالخالق الحوثي (شقيق عبدالملك) وعبد الله يحيى الحكيم المعروف بـ"أبو علي الحاكم" لاتهامهم بتهديد السلام والاستقرار في اليمن، وتهدف العقوبات لوضعهم في قائمة المنع من السفر إضافة إلى تجميد أصولهم، كما وضعتهم وزارة المالية الأمريكية في اللائحة السوداء لأنهم "انخرطوا في أعمال تهدد بشكل مباشر أو غير مباشر السلام والأمن والاستقرار في اليمن"، و "استخدموا العنف الذي من شأنه تقويض العملية السياسية وعرقلة تنفيذ عملية الانتقال السياسي في اليمن".
عقوبات أممية
وحينما انطلقت عاصفة الحزم العسكرية في 26 مارس/آذار من العام 2015م كان ذلك كافيا لتبديد أحلام "أحمد" وأبيه في العودة نحو حكم اليمن، حينها اتهمت دول الخليج التي تتبنى تلك العملية صالح ونجله بدعم المسلحين الحوثيين، والإطاحة بالرئيس الشرعي، وأكدت حينها بأن صالح ونجله لن يصبحا جزءًا من أي تسوية سياسية قادمة في اليمن.
وذهبت دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية إلى أبعد من ذلك، حينما اشتغلت الدبلوماسية لديها لدى الأمم المتحدة، ونجحت في استصدار عقوبات على صالح ونجله وقيادات من مليشيا الحوثي، وهي امتداد للعقوبات السابقة التي أصدرتها الأمم المتحدة في اليمن بحق صالح وقيادات من مليشيا الحوثي، فبعد شهر واحد على انطلاق عاصفة الحزم (14 أبريل/شباط) أصدر مجلس الأمن القرار الأممي المعروف 2216، وهو القرار الذي وضع اليمن تحت البند السابع، وظلت دول التحالف العربي والشرعية اليمنية ترفعه منذ ذلك الحين كأحد الوثائق الأساسية في تعاملها مع الطرف الانقلابي.
ذلك القرار فرض عقوبات على زعيم مليشيا الحوثي عبدالملك والعميد "أحمد" علي عبدالله صالح، تمثلت في تجميد أرصدتهم وحظر سفرهم للخارج، وحظر توريد الأسلحة والعتاد ووسائل النقل العسكرية، لعلي عبد الله صالح ونجله أحمد وعبد الملك الحوثي وعبد الخالق الحوثي وعبد الله يحيى الحكيم (أبو علي الحاكم)، وكافة الأطراف التي تعمل لصالحهم أو تنفذ تعليماتهم في اليمن، وذلك في إشارة إلى أنصار حركة الحوثي والجنود الموالين لصالح.
وفي الثامن من يونيو/حزيران 2015م، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على عبد الملك الحوثي وأحمد علي عبد الله صالح، ونصت العقوبات على منعهم من السفر و"تجميد الأصول المالية"، وذلك تنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم 2216.
ورغم هذه العقوبات فقد مضى صالح في تحالفه مع الحوثيين عسكريا وسياسيا، لكن ذلك لم ينفِ غضبه من تلك العقوبات التي ظل يتحدث عنها باستياء من وقت لآخر، أما نجله فقد فضل الصمت، بينما ظلت قواته في الحرس الجمهوري تقاتل مع الحوثين في عدة جبهات داخل اليمن، ومن ضمنها الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية.
عاش "أحمد" مقيما في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعد إحدى دول التحالف العربي، وتواترت الأنباء حينها عن وضعه تحت الإقامة الجبرية، خاصة بعد تعرض أفراد الجيش الإماراتي في معسكر صافر بمأرب لمجزرة كبيرة في الرابع من سبتمبر/أيلول 2015م، راح ضحيتها أكثر من ستين قتيلا، بعد استهداف تجمع لهم بصاروخ أطلقته مليشيا الحوثي وقوات صالح التي تدين بالولاء لصالح ونجله.
أقرا أيضا: أحمد علي عبدالله صالح .. رحلة الحياة من النشأة إلى السفارة
في الثالث والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2015م أضافت لجنة العقوبات في مجلس الأمن معلومات جديدة في ملف العميد "أحمد" من شأنها أن تضاعف العقوبات عليه، وقال رئيس لجنة العقوبات بمجلس الأمن ريموندا مورموكايتي إن تلك العقوبات تم إعادة النظر فيها، وأثار ذلك التصريح جدلا، حين فسره البعض بأنه سيخفف تلك العقوبات، لكن اتضح لاحقا أن لجنة العقوبات قامت بتجديد البيانات والتهم التي طالت نجل صالح.
ففي الـ27 من يناير/كانون الثاني 2017م أصدر فريق الخبراء الأممي الخاص باليمن تقريره النهائي الذي أعده عن الأوضاع في اليمن مشتملا على الكثير من الملاحظات والوثائق والمستندات وذلك فقا للفقرة 6 من القرار 2266 (2016)، وجاء التقرير في صيغته النهائية بعد عرضه على لجنة مجلس الأمن المنشأة بالقرار 2140 لعام 2014، وطالب الفريق بإدراجه كوثيقة من وثائق المجلس.
تحدث التقرير عن العديد من الملاحظات، وكشف وثائق جديدة عن صالح ونجله "صلاح" والحوثيين، وبالنسبة للعميد "أحمد" فقد حــدد الفريــق حــتى الآن أصــولاً تبلــغ قيمتــها (953.262) دولاراً كانــت في حــوزة النجل الأكبر لصالح "أحمد"، وقال بأنه يجري تعقبها حاليا، كما حدد الفريق مملوكـة للشخص المذكور جرى تجميدها.
وقال الفريق بأنه تلقى معلومات من اثنـتين مـن الـدول الأعضـاء قامتـا بتحديـد وتجميـد المزيـد مــن الأصــول الحســابات المصــرفية المملوكــة لأحمــد علــي عبــد االله صــالح، بلغ مجموعهــا مــا يزيــد قلــيلاً عــن مليــون دولار أمريكــي، وأكد الفريق علمه بــأن دولــة من الدول الأعضاء (لم يسمها) قد جمدت أصولاً يملكها أحد الأفـراد، لـدى الفريـق أسـباب للاعتقـاد بأنه يتصرف باسم الشخص المذكور.
الاتصال بالداخل
ورغم بقاء "أحمد" في الإمارات وهي الحليف الأبرز للسعودية في عملياتها العسكرية باليمن، فقد دعا أحمد من وصفهم بفرسان حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء على المزيد من الثبات والصمود في وجه ما وصفه بـ"العدوان".
ذلك التصريح جاء خلال اتصال هاتفي حث نجل صالح من وصفهم بفرسان حزب المؤتمر الشعبي العام في إحدى الأمسيات الرمضانية التي يقيمها الحزب بتعزيز صفوف الجبهة الداخلية، وفقا لموقع "المؤتمر نت" الناطق باسم حزب المخلوع صالح في صنعاء.
لاحقا بدأت حقائق أخرى تتشكل من جديد، وظهر إلى السطح توجه جديد لمع من خلاله اسم العميد "أحمد" مجددا، وكشفت العديد من الصحف الدولية أنباءً تفيد بأن الإمارات تعمل على إعداد "أحمد" ليخلف والده، والرئيس هادي أيضا.
اقرأ أيضا: أبرز ما ورد في تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن عن عائلة صالح في اليمن
وكشفت دورية "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون المخابرات عن مخطط سعودي إماراتي للإطاحة بالرئيس هادي، واستبداله بابن الرئيس المخلوع أحمد علي عبد الله صالح، الذي التقى في أبو ظبي نائب رئيس المخابرات العامة السعودية اللواء أحمد العسيري، حسب الدورية.
ورغم نفي التحالف العربي هذه الأخبار، لكن الحقائق على الأرض كانت تشير إلى أن ثمة شيء يجري لإعداد نجل صالح من جديد، خاصة مع الضعف الذي عاشته الحكومة الشرعية، وعدم قدرتها على تحقيق النجاح في الأراضي التي تحت سيطرتها.
الدور الجديد
مطلع ديسمبر الجاري انفجرت الأوضاع عسكريا بين أنصار صالح ومليشيا الحوثي، وانتهت تلك الأحداث بمقتل صالح في الرابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، وعدد من قيادات حزب المؤتمر والقادة العسكريين.
عقب هذه الأحداث بدأ الحديث يعود مجددا عن العميد "أحمد"، وتحدثت مصادر صحفية أن السعودية استدعته من مكان إقامته في الإمارات، ووصل الرياض والتقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأعضاء في الاستخبارات العسكرية السعودية.
وبدأ ناشطو حزب المؤتمر في الرياض حملة تطالب باستقدام نجل صالح، وتكليفه بقيادة المعارك لأخذ الثأر لوالده من الحوثيين كما زعموا.
هذه الترتيبات لاتزال غامضة، لكنها ليست بعيدة، خاصة مع حرص الحكومة اليمنية والتحالف العربي على توحيد الجهود نحو معركة واحدة تنال من مليشيا الحوثي في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرتها.
وفقا للمعطيات القائمة فإن العميد "أحمد" اليوم يبدو مكبلا بالعقوبات الأممية المفروضة عليه، ويحتاج التحالف العربي لقرار يسقط تلك العقوبات، أو دعمه لمواصلة القتال وتحقيق نجاح ميداني، ومن ثم إسقاطها لاحقا.
فهل ينجح أحمد فيما أخفق فيه والده؟ هذا السؤال هو الذي يفرض نفسه حاليا، لكن وفقا لما كان عليه والده يختلف الأمر كثيرا، فصالح الذي حكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود، تمكن من إحاطة نفسه بلفيف من التشكيلات التي جعلته محميا، وحائزا على النصيب الأكبر من الولاء حتى بعد خروجه من الحكم.
من تلك التشكيلات علاقته الواسعة برجال القبائل ومراكز النفوذ، إضافة للألوية العسكرية التي تدين له بالولاء خاصة في الحرس الجمهورية والقوات الخاصة، إضافة لدور حزب المؤتمر الذي شكل إطارا لصالح في البقاء، كما لا نغفل هنا تأثير شخصية صالح جماهيريا والتي استمدها من بقائه في الحكم لسنوات عديدة.
تلك الحزمة من التشكيلات تأثرت كثيرا في السنوات الأخيرة بعد تحالف صالح مع مليشيا الحوثي، فقوات الحرس الجمهوري انفرط عقدها عندما قاتلت مع الحوثيين في أكثر من جبهة، وتعرضت للخسائر المادية والبشرية، وأحكمت المليشيا الحوثية قبضتها عليها، من خلال تحكمها بمرتبات الجنود والضباط، وتعيين قيادات موالية لها لقيادة ما تبقى من تلك القوات.
الأمر نفسه ينطبق على مشائخ القبائل الذين كانوا يدينون لصالح بالولاء، ثم تبدلت قناعتهم مؤخرا، بسبب الإرهاب المستمر للحوثي بحقهم، وشراء نفوذ الكثير منهم، وهو ما يبرر عدم نجدتهم لصالح مؤخرا.
أما حزب المؤتمر فقد تعرض لنكسة كبيرة في الداخل بعد رحيل صالح عندما أقدمت المليشيا الحوثية على قتل القيادات البارزة فيه، ووجهت ضربة قاصمة لوسائل الإعلام التابعة له، ولاحقت مختلف القيادات الباقية داخل العاصمة صنعاء وبقية المحافظات.
لذلك سيفتقد العميد "أحمد" لمثل هذه التشكيلات التي كانت بحوزة والده، ومع بقائه في الخارج، فسيبدو عاجزا عن تحريك تلك التشكيلات وإحياءها من جديد لصالحه، خاصة مع استمرار قبضة الحوثيين في الداخل.
النافذة التي يمكن أن يطل "أحمد" منها هي انخراطه مع الجيش الوطني في المعارك العسكرية من الخارج، ودعم جيوب مسلحة في الداخل ضد المليشيا، وبالنسبة للغضب المتصاعد ضد الحوثيين في الداخل، فسيكون عديم القيمة، إذا ما نظرنا للتعامل الإرهابي الذي تتعامل به مليشيا الحوثي مع الخصوم، الأمر الذي سيؤثر على وجود حراك شعبي مناوئ سواء من أتباع صالح في حزب المؤتمر، أو من مختلف التيارات المتبقية المناهضة للحوثيين.
واليوم نشر حساب ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد صورة له مع "أحمد" قال بأنها كانت أثناء تقديم واجب العزاء بمقتل والده، ما يشير إلى أن الإمارات ربما ستتحرك خلف "أحمد" من جديد وفق الأهداف التي تأمل تحقيقها داخل اليمن، وهي أهداف معروفة وواضحة، ولا تحتاج مزيدا من التفاصيل.
تبقى العلاقة الأهم مع المملكة العربية السعودية ذات التأثير الأكبر في الملف اليمني، ومن ثم علاقة "أحمد" بالحكومة الشرعية التي يمثلها الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته، فهل ستذيب السعودية "أحمد" في مكون الشرعية لتخليق جبهة واحدة، أم ماذا؟ وهل ستولي أحمد مواقع رفيعة في نظام الشرعية، أم سيأتي على حسابها؟.
سيمثل "أحمد" رمزية لدى كثير من محبي والده، لكن في حال تولى المسؤولية فتنتظره العديد من الملفات، الأولى في الجانب العسكري، ويرتبط بمدى انخراطه في المعارك ضد المليشيا، والثانية في الجانب العسكري، وإمكانية تصعيده لموقع قيادي داخل حزب المؤتمر الذي بات يتطلب اليوم هيكلة وإعادة ترتيب بعد الضربة التي تلقاها من المليشيا الحوثية في صنعاء.
وفي المجمل لن يستطيع "أحمد" بمفرده خوض لعبة كبيرة في الوقت الراهن بناء على شخصيته وقدراته، وسيكون هو بحاجة للجميع في سبيل خلق صف واحد متعاضد يتوجه نحو المعركة الأهم وهي استعادة الدولة وهزيمة مشروع المليشيا، لكن ستواجه هذا المشهد عدة تحديات أبرزها الدور الإماراتي الذي يحتفظ بنظرة سلبية تجاه الحكومة الشرعية ومكونات فيها، وإذا ما مارست أبوظبي نفس سياستها في تعامله مع "أحمد" وفق مخطط الاستقطاب الذي تمارسه، فهذا يعني مزيدا من الانقسام داخل صف الشرعية، يصب في النهاية لصالح المليشيا في صنعاء.