تأخذ التطورات المتسارعة في الملف اليمني ابعادا جديدة ومنعطفات خطرة بعد حالة التصعيد التي يقودها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، وتتشابك فيها الاطراف الداخلية والخارجية لتصل ذروتها في إعلان التحالف اغلاق المنافذ البحرية والجوية والبرية في اليمن.
كان تأثير الصاروخ الباليستي الذي أطلقته جماعة الحوثي في اليمن مستهدفة مطار الملك خالد بالعاصمة السعودية الرياض، هو الانفجار الذي بعث الحرب الجديدة القديمة مجددا.
ثلاثة ردود
استنفرت السعودية نفسها وخلفها دول التحالف للرد على الصواريخ الحوثية، وجاء الرد في اشكال ثلاثة، الأول: وضع قائمة بـ40 شخصية من قيادات جماعة الحوثي، بتهمة الارهاب والولاء لإيران، والثاني: اعلان اغلاق المنافذ اليمنية في وجه اليمنيين بشكل مؤقت، والثالث: التصعيد الاعلامي مع إيران، والاتهامات المتبادلة بين الدولتين من خلال حرب البيانات والتصريحات التي لم تتوقف.
قائمة الـ40
بالنسبة للرد الأول فيرتبط بالعديد من الاجراءات التي يجب توافرها لتحقيق الهدف، فوجود الحوثيين داخل جغرافيا المدن الواقعة تحت سيطرتهم يجعل من خطوة كهذه غير قابلة للتحقق، ما لم يكن هناك حكومة عليا تستطيع إدارة هذا الملف وملاحقة هؤلاء.
للاطلاع أكثر حول هذه النقطة يرجى زيارة الرابط
هنا
اغلاق المنافذ
أما بالنسبة للرد الثاني فليس جديدا، فقد سبق للسلطات السعودية اغلاقها لمنافذها في وجه اليمنيين، مثلما أغلقت باسم التحالف العربي جميع المنافذ عند انطلاق عاصفة الحزم معتبرة ذلك جزء من المعركة العسكرية.
وتقول قيادة التحالف إن الاجراء يأتي بهدف "سد الثغرات الموجودة في إجراءات التفتيش الحالية التي تسببت في استمرار تهريب تلك الصواريخ والعتاد العسكري إلى المليشيات الحوثية".
غير أن اغلاق المنافذ اليوم سيزيد من وطأة الوضع الانساني المتدهور في الاساس، وسيضاعف من الاوبئة المنتشرة، وأبرزها وباء الكوليرا، كما سيفاقم من الأزمة الغذائية القائمة، والتي راح ضحيتها الكثير من اليمنيين جراء نقص الغذاء والدواء، رغم اعلان التحالف أنه سيبقي الباب مفتوحا أمام المساعدات الانسانية.
وكانت بداية التأثيرات لقرار اغلاق المنافذ ما أعلنته
الخطوط الجوية اليمنية عن توقف رحلاتها المباشرة من مطاري عدن وسيئون بسبب عدم حصولها على تصريحات من قيادة التحالف العربي للاقلاع والتحرك.
ومن شأن هذه الخطوة أن تؤدي الى خسائر كبيرة للمسافرين، وتؤثر على المرضى، والراغبين في التنقل من وإلى اليمن.
التبرير السعودي الذي يقول إن اغلاق المنافذ يأتي لضمان توقف تدفق الاسلحة الايرانية نحو الحوثيين في اليمن، هو الآخر لايبدو دقيقا، فالتحالف نفسه يفرض الحصار على اليمن، ويدقق في دخول وخروج السفن عبر البحر، والشاحنات عبر البر، والطائرات عبر الجو، ويراقب الوضع بهذا الشكل منذ سنوات لمنع تدفق الاسلحة كما يقول، ومع ذلك تظهر جماعة الحوثي يوما بعد آخر امتلاكها لقدرات صاروخية تتطور بإستمرار، ما يعني عدم جدوى مثل هذا الإجراء.
تتحول اليوم اجراءات التحالف العربي نحو خيار المواجهة مع جماعة الحوثي، عبر أدوات جديدة، وبعيدا عن وصفهم بالانقلابيين كما اعتاد التحالف على الترويج لذلك، فمن الملاحظ أن التحالف لم يتطرق للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الشريك القوي لجماعة الحوثي، واكتفى بالحوثيين فقط.
وسارع
حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده صالح في صنعاء الى إعلان رفضه للقائمة السعودية، مجددا التأكيد على شراكته مع الحوثيين، ورغم حالة الاحتقان التي تسود العلاقة بين طرفي صنعاء إلا أن الوقت لايبدو مناسبا لحزب المؤتمر في فض شراكته مع الحوثيين، فالجماعة الحوثية لاتزال تمسك بالدولة، ومنابع القوة بالذات في الجانب العسكري والمالي أكثر من حزب المؤتمر.
اتهامات متبادلة
بالنسبة للرد الثالث المتعلق بتبادل الاتهامات بين الرياض وطهران، فهي ليست جديدة، فعاصفة الحزم العسكرية التي انطلقت لإعادة الشرعية اليمنية بعد الانقلاب في صنعاء، انطلقت في حيثياتها من التدخل الايراني في اليمن، وتبعية جماعة الحوثي التي استحوذت على الحكم لطهران.
وخلال سنوات الحرب الثلاث استمدت العملية العسكرية التي يشنها التحالف العربي في اليمن تغذيتها الاعلامية من منطلق التفسير الطائفي الديني، الذي روج ولا يزال بأن الحرب هي صراع سني بقيادة السعودية ضد آخر شيعي بقيادة ايران، وجٌند لترويج ذلك العديد من المشائخ وقنوات الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي لم يعد هذا الصوت جديدا اليوم.
ما يبدو مختلفا اليوم هو التلويح السعودي بالرد المناسب على ايران،
اضافة الى اتهام السعودية لطهران مباشرة بالوقوف خلف الصواريخ واعتبار الحوثيين أداة في اليمن، فقد ذكرت قيادة التحالف في بيانها إنها تعتبر اطلاق الصاروخ باتجاه الرياض "عدوانا عسكريا سافرا ومباشرا من قبل النظام الإيراني، وقد يرقى إلى اعتباره عملا من أعمال الحرب على المملكة العربية السعودية"، وأكدت "احتفاظ المملكة بحقها في الرد على إيران في الوقت والشكل المناسبين".
تصريحات المسؤولين السعوديين وقيادة التحالف العربي دفعت ايران الى الرد عليها، وجاء الرد الايراني
بالرفض التام للاتهامات السعودية، التي تزعم ارسال طهران الصواريخ للحوثيين، واتهمت طهران السعودية بالفشل في حرب اليمن ودعتها لإجراء حوار يمني يمني، معتبرة أن إطلاق الصواريخ هو شأن يمني داخلي ولا علاقة لها بذلك.
الرد الحكومي
لم يصدر عن الحكومة اليمنية الشرعية أي تعليقات تجاه ما يجري، والتزمت الصمت حتى كتابة هذه المادة، وهو أمر معتاد طوال السنوات الماضية، فالسعودية التي تستضيف الحكومة اليمنية، هي من تتولى اصدار المواقف والبيانات بعيدا عن الحكومة، التي لم يعد في يدها سوى خيار الصمت.
وتأتي مواقف السعودية في العادة مؤيدة للموقف السعودي والتحالف العربي، فاليمن وفق تصرفات الحكومة وتصريحاتهم باتت تمثل مشكلة سعودية، وللرياض التصرف فيما تراه مناسبا.
وفي العادة تأتي مواقف الحكومة اليمنية مؤيدة للموقف السعودي والتحالف العربي، فقد أعلنن رئيس الوزراء احمد عبيد بن دغر أن
بلاده تؤيد استراتيجية السعودية في تعاملها مع طهران.
موقف الحوثي
لم يصدر عن جماعة الحوثي أي موقف تجاه القائمة التي أعلنها التحالف العربي، وكانت ردة الفعل تجاه اغلاق المنافذ أكثر منها حول الشخصيات التي تم تحديدها كاذرع تابعة لايران.
فقد أعلنت حكومة الانقاذ في صنعاء استنكارها لإغلاق المنافذ البحرية والبرية والجوية، واعتبرته
إرهاب دولة تمارسه السعودية والإمارات ومن يقفون ورائهما وجريمة حرب تضاف إلى سجل تحالف العدوان الموغل في قتل الشعب اليمني وتدمير مقدراته.
كما استنكرت
الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد التي يسيطر عليها الحوثيين إعلان التحالف إغلاق جميع مطارات الجمهورية اليمنية بما فيها مطاري عدن وسيئون، أمام الرحلات الجوية المدنية.
وقال متحدث الهيئة في صنعاء إن العديد من المرضى المقرر سفرهم من مطاري عدن وسيئون ينتظرهم مصير مجهول فضلا عن ركاب الترانزيت والذي يقدر عددهم بـ 450 راكبا عالقين في المطارات الدولية كان مقرر اليوم عودتهم.
ما يمكن اعتباره ردا حوثيا يتمثل في حضور رئيس ما يسمى المجلس السياسي الاعلى صالح الصماد حفل تخرج دفعة عسكرية أطلق عليها دفعة أبوشهاب الطالبي للقوات البحرية والدفاع الساحلي، والتي حث فيها على أهمية الاستعداد للعدوان، وحضوره معرضا
للصواريخ البحرية.