تتصاعد مخاوف الأردن على تجارته الخارجية، استيراداً وتصديراً، بسبب المخاطر التي باتت تحيط بسلاسل التوريد في أعقاب تزايد التوترات في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وسط هجمات الحوثيين التي تستهدف السفن الإسرائيلية وغيرها التي تتعامل مع الكيان المحتل، ما دفع الولايات المتحدة وحلفاء لها إلى التدخل بتشكيل قوة بحرية لمواجهة الحوثيين، الأمر الذي يُعقد المشهد في الممر الملاحي الحيوي.
ويتوقع مسؤولون أردنيون أن تلقي هذه الأوضاع بانعكاسات مباشرة على بلادهم من حيث انخفاض الصادرات التي تمر نسبة كبيرة منها من خلال باب المندب، وكذلك الواردات، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتكاليف الإنتاج قريباً.
ويشير المسؤولون إلى تصاعد أجور الشحن وإحجام شركات التأمين عن تقديم التغطيات التأمينية للسفن المتجهة إلى البحر الأحمر مع تصاعد الهجمات والتوترات في مضيق باب المندب واحتمال نشوب مواجهات بحرية بين قوات الحوثيين وقوات التحالف التي تشكلت لحماية السفن بقيادة الولايات المتحدة أخيراً.
يشير المسؤولون إلى تصاعد أجور الشحن وإحجام شركات التأمين عن تقديم التغطيات التأمينية للسفن المتجهة إلى البحر الأحمر مع تصاعد الهجمات والتوترات في مضيق باب المندب
يقول المدير العام لشركة الجسر العربي للملاحة عماد عبادلة، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد": "من المؤكد أن تطورات الأوضاع في البحر الأحمر ومهاجمة سفن تجارية ستؤثر بقوة ليس فقط في أسعار الشحن، بل في انقطاع سلاسل الإمداد، خصوصاً مع دول جنوب شرق آسيا التي يستورد الأردن منها جزءاً كبيراً من احتياجاته السلعية ومدخلات الإنتاج".
وخلص تقرير أعده منتدى الاستراتيجيات الأردني أخيراً، إلى أن من المحتمل أن يكون هناك تأثير سلبي ملموس في كل من الواردات والصادرات الأردنية، ما قد يؤثر بعدة مؤشرات على مستوى الاقتصاد الوطني في حال إغلاق مضيق باب المندب، وبالتالي لا بد من دراسة البدائل المناسبة والمتاحة من أجل إدارة المخاطر المحتملة من هذا الإغلاق، وتقليل أثرها ما أمكن على الواردات، والصادرات، والمنتج والمستهلك.
وأكد المنتدى ضرورة الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على غزة وإعادة حالة الاستقرار إلى المنطقة من أجل تعزيز منعتها ونموها الاقتصادي، بخاصة في ظل توالي الاضطرابات العالمية خلال الأعوام القليلة الماضية وانعكاساتها السلبية على اقتصادات العالم والمنطقة والأردن بالتحديد.
ويستحوذ مضيق باب المندب على ما نسبته 30% من إجمالي تجارة الحاويات العالمية، التي منها ما نسبته 10% من إجمالي تدفقات النفط العالمية المنقولة بحراً.
ويقول مسؤول أردني لـ"العربي الجديد" إن الجهات المختصة تعمل بالتنسيق مع القطاع الخاص على إيجاد البدائل الممكنة لمواجهة احتمالات إغلاق باب المندب أو توقف حركة الملاحة البحرية فيه بسبب تصاعد التوترات.
ويضيف المسؤول: "ندرك الآثار التي ستلحق بالاقتصاد الأردني بسبب الاضطرابات في البحر الأحمر وتصاعد الأحداث، وما ينجم عن ذلك من اختلال سلاسل التوريد، وارتفاع كلف الاستيراد والتصدير وكلف الإنتاج والسلع المستوردة والمصدرة".
الحكومة الأردنية قررت منع إعادة تصدير سلع أساسية مثل السكر والأرز والزيوت النباتية بهدف المحافظة على المخزون الغذائي ولمواجهة أي تداعيات لاضطرابات باب المندب
وكانت الحكومة الأردنية قد قررت منع إعادة تصدير سلع أساسية مثل السكر والأرز والزيوت النباتية بهدف المحافظة على المخزون الغذائي ولمواجهة أي تداعيات لاضطرابات باب المندب واختلال سلاسل التوريد.
ووفق منتدى الاستراتيجيات، فإن متوسط التبادل التجاري الأردني عبر المضيق بلغ خلال الفترة من 2020 إلى 2022 ما نسبته 28% تقريباً من إجمالي التبادل التجاري الكلي للأردن.
وعلى صعيد واردات المملكة من خلال المضيق، فقد بلغت نسبتها 30% من إجمالي الواردات، التي وصلت إلى نحو 22 مليار دولار سنوياً خلال الفترة نفسها.
وأوضح المنتدى أن أبرز البلدان التي يستورد منها الأردن (بقيمة بلغت 6.6 مليارات دولار سنوياً) هي الصين، والهند، وكوريا الجنوبية، وتايوان، واليابان، وإندونيسيا، وماليزيا، وفيتنام، وسنغافورة، وبنغلادش، وتايلاند، فضلاً عن دول من جنوب القارة الأفريقية، وأستراليا، ونيوزيلندا.
ويقول الخبير الاقتصادي مازن مرجي لـ"العربي الجديد" إن ارتفاع المخاطر بسبب التوترات في المنطقة بشكل عام والبحر الأحمر بشكل خاص سيؤدي إلى تراجع حركة التجارة في المنطقة وحدوث مشاكل في سلاسل التوريد، وربما إلى نقص في بعض السلع ومدخلات الإنتاج، وهذا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتزايد الضغوط على المواد الأساسية.
ويضيف مرجي أن الحلول الأخرى التي قد تبدو متاحة أو التصدير والاستيراد من خلال منافذ أخرى مكلفة جداً، وتستغرق وقتاً وجهداً إضافيين لنقل السلع.
ما يقارب ثلث واردات الأردن يأتي عبر مضيق باب المندب، وبالتالي إن أي إغلاق للمضيق قد يؤثر بشكل ملموس في السوق الأردني
وتبلغ حصة بعض السلع الواردة إلى الأردن عبر مضيق باب المندب حسب تقرير منتدى الاستراتيجيات نسبة كبيرة، إذ تصل في الأقمشة مثلاً إلى نحو 89% من إجمالي استيراد الأردن من المنتج نفسه من جميع دول العالم. فيما بلغت الواردات من الآلات والمعدات الكهربائية والميكانيكية 73%، أما المركبات فقد شكلت 55%.
وأشار التقرير إلى أن ما يقارب ثلث واردات الأردن يأتي عبر مضيق باب المندب، وبالتالي إن أي إغلاق للمضيق قد يؤثر بشكل ملموس في السوق الأردني من خلال رفع كلف العملية الإنتاجية نتيجة الانقطاعات المحتملة وارتفاعات كلف الشحن والنقل.
وبخصوص صادرات الأردن عبر مضيق باب المندب، فقد وصل متوسط قيمتها إلى بلدان العالم إلى أكثر من 2.1 مليار دولار سنوياً خلال الفترة 2020ـ2022، وهي تشكل ما نسبته 21.4% من إجمالي صادرات المملكة.
وتمثلت أبرز البلدان المصدر إليها من خلال المضيق بكلّ من الهند، وإندونيسيا، والصين، وبنغلادش، وماليزيا، وأستراليا، واليابان.
وجاءت الصناعات الكيميائية والتعدينية كالأسمدة والأملاح والمركبات غير العضوية كأبرز المنتجات المصدرة إلى بلدان العالم عبر المضيق، وبنسبة تركز عالية تصل إلى 92% من إجمالي الصادرات الوطنية الكلية عبر هذا الممر.
ومن المتوقع أن تتأثر صادرات الأردن من الأسمدة بشكل رئيسي في حال إغلاق المضيق، إذ تشكّل حصة تلك الصادرات ما نسبته 54% من إجمالي الصادرات الأردنية الكلية للأسمدة عبر جميع المنافذ.