مفاجأة مثالية كانت من نصيب محبي السينما عامة، وأفلام المخرج والمؤلف تشارلي كوفمان خاصة إثر طرح فيلمه الجديد "أفكر في إنهاء الأمور" (I’m Thinking of Ending Things) عبر منصة نتفليكس بعد غياب دام 5 سنوات، مما بدا تعويضا ملائما بعد كل ما لحق بقطاع السينما هذا العام.
وهو العمل الذي أثار جدلا كبيرا على منصات التواصل لاختلاف التأويلات التي تلته، كعادة أفلام كوفمان التي تجمع بين الفلسفة والرمزية، ويحاول من خلالها استكشاف الذات والمشاعر والأهم المخاوف التي تعتمر بداخل النفس، دون منح المتفرج إجابات نهائية لأي أسئلة وجودية قد تطرح نفسها عليه. فإذا كنتم أحببتم هذا الفيلم ربما عليكم آخذ جولة بين أهم أفلام كوفمان الأخرى.
جولة بين أروقة الذكريات
"إشراقة أبدية لعقل نظيف" (Eternal Sunshine of the Spotless Mind) ربما يكون هذا العمل هو الأقرب لقلب متابعي كوفمان، ليس فقط لأن بطليه هما كيت وينسليت وجيم كاري، وإنما بسبب طبيعته الفانتازية والمعقدة.
فالعمل يحكي عن شاب وفتاة يلتقيان صدفة، وبالرغم من التناقض الصارخ بين طباعهما إلا أنهما يقعان في الحب ويقرران الارتباط. غير أن البطلة التي تتنفس حرية ولا تعرف كيف تستمر بأي شيء دون شغف سرعان ما تشعر بالملل، فتنفصل عن البطل، ومن ثم تجري عملية تمحو بها ذكرياتها الرومانسية معه.
الأمر الذي يثير حنق البطل، فيقرر هو أيضا فعل المثل، هكذا يأخذنا العمل في جولة بين ذكرياته وعالمه الداخلي، بينما يرفض عقله الباطن نسيان حبيبته محاولا الهروب من عملية المحو رغم كونه تحت تأثير التخدير.
أن تكون جون مالكوفيتش
فيلم آخر يأخذنا كوفمان من خلاله في جولة داخل عقل إحدى الشخصيات، بدأ الأمر بمحاولة كوفمان للعمل على فكرتين، الأولى لشخص يجد سبيلا للدخول إلى عقل شخص آخر، والثانية عن رجل يخون زوجته مع زميلته في العمل، ما لم يحسب حسابه كان أن يقرر دمج الفكرتين معا، وينشأ عنهما فيلم "أن تكون جون مالكوفيتش" (Being John Malkovich).
العمل يتمحور حول محرك عرائس يمر بمرحلة صعبة بزواجه ووظيفته قبل أن يكتشف وسيلة تجعله ينفد إلى داخل عقل الممثل جون مالكوفيتش، فيصبح قادرا على السيطرة عليه، وهي التجربة التي يجدها مثيرة وقادرة على انتشاله من حياته الروتينية المليئة بالهزائم، مما يترتب عليه تعقيدات بحياة الأبطال سواء على المستوى الشعوري أو العملي، وصولا لنهاية عبثية لا يتوقعها أحد.
فيلم داخل فيلم
وحدة، وفقد للشغف، وعالم من الزهور هذه هي الأجواء الرئيسية التي يدور داخلها فيلم "التكيف" (Adaptation) الذي اقتبس عن قصة حقيقية، وإن جاء مزيجا من الواقع والخيال، وقام ببطولته ميريل ستريب ونيكولاس كيدج.
العمل يتتبع حياة كاتب غريب الأطوار يكلف بكتابة سيناريو لكتاب "سارق الأوركيد" لمؤلفته "سوزان أورلين"؛ لكنه يظل شهورا طويلة دون إنجاز يذكر، خاصة أن الكتاب لا يحتوي على أي خط درامي واضح أو أحداث تصاعدية بما يكفي لصناعة فيلم.
فإذا به يقرر أن يلجأ لشقيقه التوءم لمساعدته مع أنه على النقيض منه في كل شيء، بالوقت نفسه يكتشف أن الكاتبة على علاقة ببطل الكتاب، اللص المهووس بزهرة الأوركيد النادرة حد السرقة، ثم تتوالى الأحداث.
ملل وتعاسة أم خلل عقلي؟
مع كل ما قدمه كوفمان حتى الآن، لم تخلُ مسيرته من الرسوم المتحركة، وفيلم "أنوماليزا" (Anomalisa) الذي أنتج 2015، وإن جاء كتجربة مختلفة مناسبة للكبار أكثر من الصغار، فالعمل الذي قدم بتقنية "إيقاف الحركة" حمل أفكارا فلسفية وعكس الحياة الواقعية بما قد تحمله من ضجر مميت.
فقصته تحكي عن مؤلف كتب ناجح وخبير بمجالات الأعمال، يسافر لإلقاء محاضرة على مسامع ممثلي خدمة العملاء، وهناك يظهر الجميع أمامه كشخص واحد بالملامح والصوت نفسهما أيا كان سنه أو جنسه، مما يعكس قدر الملل والتعاسة بحياته.
إلى أن يستمع فجأة لصوت مختلف يبحث عن صاحبته، فإذا بها امرأة ذات شكل مميز، فيظن معها أنه عثر على ضالته، فهل تتحول بدورها مع الوقت إلى نسخة من الآخرين ويفقد شغفه بها أم يظل الاحتفاء قائما؟