[ "قمر يتبعني" حكايات يمنية صغيرة لم توقف ضجيج الحرب ]
واصلتُ السير
كان القمر يتبعني
خبأ بعض قصائدي وحكاياتي
ومضى خلف تلك الغيوم
يبحث عن سماء جديدة
وعن عاشق يتبعه
هكذا تكلم الشاعر والصحفي اليمني أحمد الشلفي في ديوانه الصادر حديثا بعنوان "قمر يتبعني"، وواصل السير شعرا باحثا عن سماء جديدة يحضر فيها الحب وتغيب الحرب، بعد ثلاثة دواوين سابقة لم توقف ضجيج الحرب.
ويقول الشلفي في حديث للجزيرة نت إن قصائده الشعرية تعد "استدارة شعرية جديدة إلى الداخل الذي تاه في عوالم الحرب والسياسة".
ويعتبر أن المجموعة الجديدة مختلفة في الأسلوب والشكل والمساحة الزمنية مقارنة بإصداراته السابقة، وفي دواوينه السابقة حضر نص التفعيلة أكثر، أما في "قمر يتبعني" -يقول الشاعر للجزيرة نت- "فبدوت أكثر ميلا للقصيدة أو النص المفتوح دون تخطيط".
ويتابع الشلفي أن "الحرب تشعل الأسئلة الحارقة، إذ هي بجحيمها تفتح الأبواب على أسئلة لا أجوبة لها"، ولأنه صحفي يتابع الأخبار يوميا يرى الشلفي ديوانه "أوبة من الحرب إلى الشعر والكلمات".
ويستدرك "صحيح أن هذه النصوص رأت النور خارج حدود بلادي لكنها رصدت أنفاس تلك البلاد التي تحاول أن تمنحنا قوتها بين أكوام الرماد والمتحاربين".
واعتبرت الناقدة اليمنية أميرة علي أن الشعر يمنح القارئ عالما آخر عبر لغة مفتوحة على أكوان عدة.
وأضافت أميرة في حديث للجزيرة نت أننا نلحظ في ديوان "القمر يتبعني" لأحمد الشلفي في بداية قصائده تصديرا لما سيبوح به حين يعنونها بقوله "حكايات صغيرة"، إلا أن كل حكاية تفتح شطرا من اللانهاية.
آخر تابوت
لم أكن أنوي الكتابة
كنت أتمشى..
وكانت الكلمات تتبعني..
أفكاري تسقط مني..
الحرب والضحايا..
الغربة والتشرد..
والأطفال الجائعون..
والأمهات اللواتي لا يعرفن..
لماذا غادر أبناؤهن للقتال!
يقول الشلفي إن الحرب لا تصدر سوى الموت والدمار ولكن طبول الحرب لم تخفِ الرواية والشعر اليمني من الساحة، وخلال هذه الفترة صدر الكثير بالفعل لكن "ما نحتاجه الآن هو توثيق أدبي لهذه الحرب البشعة وآثارها، وأتوقع أن الفترة المقبلة ستحفل بالكثير من الشعر والرواية والمسرح والفن".
في المقابل، تعتبر أميرة علي أن قصائد الديوان الجديد تعبر عن تحولات الشاعر من خلال أفكاره، وتحمل رغبة لاستيعاب وطن خالٍ من كل الحروب، ويقول الشاعر في القصيدة نفسها:
إنها الحرب..
كذبة المتحاربين..
الضحايا وحدهم لا يعرفون الكذب..
المتحاربون يذهبون للمفاوضات..
والقتلى للنعوش
ويرى الشلفي أنه حاور الحرب ورموزها ومعانيها في ديوانه محاولا رسمها من جديد كملمح على وحشية إنسان اليوم، ويتابع "لذلك قررت ألا أكون قاتلا أو قتيلا بعد الآن في رغبة بتوقف الحرب التي أنهكت روحنا وخطفت وجودنا وأحلامنا".
بالمقابل، ترى الناقدة أميرة علي أن بعض قصائد الديوان تصف حياة شبه يومية، لكنها مفعمة بالحركة والتناقضات، وتستدرك "لغته تمتاز بالبساطة، والغموض حينا، فمثلا حين يستدعي نجمة تكون حارسة (للمعاني)".
وتتابع أن الشاعر يعود في بعض نصوصه لعناصر الطبيعة التي هي بالطبع عودة إلى الأرض، الوطن، وترى في القصائد "نقدا لأوضاعنا المأساوية التي تعج بالغربة، وتعيش على أثر الحنين"، فمثلا يقول في بداية حكاياته "أطلب من الورد أن يبتسم فينفتح، أطلب من الغصن أن ينحني فيتبرعم".
وتلاحظ أن مفردات الشلفي تنبض بالأمل والحنين في الغربة كما تظهر في عناوين الديوان ثنائيات "الأنا والآخر"، و"الحضور والغياب"، و"الوطن والمنفى"، ويقول الشاعر في ديوانه الجديد:
ما الذي يجبرك على النسيان؟
ما الذي يحيلك إلى التذكر؟
النهايات تتهجى البدايات..
وأنت أعزل..
إلا من صمتك وكلماتك..
وبعض الأجوبة
الحب في زمن الحرب
وعن "العاشق الحزين" الذي يتسلل بحزنه وحبه في القصيدة، يقول الشاعر إن في قلب كل منا قصة، مضيفا أن "الشاعر تضطرب في داخله عشرات القصص والحكايات، هو عاشق حينا، فارس حينا، وحزين أحيانا كثيرة".
ويعتبر الشلفي أن الحزن "يخيم على أرواحنا وتذوي الكلمات، لربما لاحظت ذلك بدءا من قصيدة حكايات صغيرة التي رسمت مشهدا قديما للطفل في قريتي الصغيرة بمحافظة إب اليمنية حيث نلوذ بذاكرتنا لترتيب مشاعرنا من جديد".
ويقول في قصيدة بعنوان "أنتِ"
تسكنين دمي..
تسكنين قافيتي..
المسافة بيني وبينك صفر..
المسافة بيني وبيني.. أنت..
كلما هبّت الريح أطفأت شوقي
وترى أميرة علي أن عنوان الديوان يلتقطه الشاعر في لحظة ما، لتكون إشارة إلى وقع الشوق في قلبه، و"إلى ارتداء الضوء الساكن في قلب السماء، حيث إن اختياره لأنصاف الأشياء (نصف حزن، نصف وجه، نصف امرأة..) يجعل منه شخصا باحثا عمن يشاطره الآلام".
وترصد الناقدة اليمنية كذلك ظهور التساؤلات التي تبرز في كلمات الشاعر مثل لماذا يولد عشاق كثيرون في زمن الحروب؟، حيث يشبع صمته وتساؤلاته وابلا من الكلمات يعبر بها جسور النسيان حينا، والبوح حينا آخر.
اعلان
الشعر والإلهام اليمني
ويعتبر الشلفي أن "الزمن الجميل تبدد"، فلا شاعر بحجم اليمني عبد الله البردوني أو محمود درويش أو نزار قباني، وهناك حضور طاغي للسياسة وقمع الإبداع والحريات، وفي المقابل فرض الإعلام الجديد نفسه على الساحة التي غاب عنها الفن والشعر والأسماء الكبيرة.
ومع ذلك، يرى الشاعر اليمن كقصيدته الأولى "ورحيلي ورحيل الملايين منه كان قسريا"، ويبقى الشعر تعبيرا عن هذا التوق الحارق لليمن الذي خلفت الحرب فيه بؤسا نراه في عيون الكبار والصغار، ويقول في ديوانه:
أحب اليمن..
ولا أحب أرضا سواها..
ولا أحب أن أصير غريبا..
كغراب أواري سوأة أخي..
أحب أن أرجع إلى وطني..
ولا أحب أن أصير من النادمين
ويقر الشاعر بأن الحرب هي التي ألهمته القصيدة، وكذلك "جراح خلفتها الأيام عن حب غارب".
وعن تجربة الحديث مع القارئ بالأبيات المكتوبة بدلا من الحديث عبر الشاشة، قال الشلفي إن الصحافة تأخذ من الشاعر الكثير، لكن "بعض المداد الذي بقي في القلب قد يزهر قصائد وسردا، وأوبة الشاعر إلى ألمه وأحزانه هي أوبة للسكون والتأمل ورفض الاعتياد".