[ الروائي والكاتب الغنائي البرازيلي باولو كويلو رفض معرفة هوية المخبر الذي أبلغ عنه وتسبب في اعتقاله (ويكي كومون) ]
كان الروائي البرازيلي المشهور عالميا باولو كويلو واحدًا من بين الآلاف الذين سجنوا وتعرضوا للتعذيب خلال حقبة النظام العسكري في البرازيل (1964-1985) الذي يدافع عنه الرئيس البرازيلي الحالي جائير بولسونارو حاليا.
وحكى الروائي والقاص البرازيلي المولود عام 1947 تجربته مع الاعتقال السياسي والاختفاء، وكتب لصحيفة لوموند الفرنسية مقالاً عن ذكرياته في يوم 28 مايو/أيار 1974 عندما اقتحمت مجموعة من الرجال المسلحين وقوات الشرطة شقته، وبدؤوا بتفتيش الأدراج والخزائن، وأضاف "لا أعرف عما يبحثون، فأنا مجرد كاتب أغاني روك".
ويتابع في مقاله للصحيفة الفرنسية "طلب مني أحدهم بطريقة أكثر لطفا أن أرافقهم فقط لتوضيح بعض الأشياء"، وأضاف كويلو "رأى جاري كل هذا ونبّه عائلتي التي ذعرت على الفور، إذ كان الجميع يعرفون ما كانت تعيشه البرازيل في ذلك الوقت، حتى لو لم تكن الصحف تغطيه".
اختطاف روائي
ويضيف صاحب رواية الخيميائي أنه جرى نقله لما تسمى "إدارة النظام السياسي والاجتماعي"، حيث تم حجزه وتصويره، وعندما سأل ما الذي فعله أجابوا بأنها مجرد أسئلة، وسأله ملازم بعض الأسئلة ثم سمح له بالرحيل.
وبعد هذه النقطة لم يعد كويلو الذي كان في نهاية العشرينيات من عمره آنذاك مسؤولاً عنه من قبل السلطات، وعندما غادر أشار له الشرطي الذي أخذه للإدارة قائلا "لدينا قهوة معا"، وأوقف سيارة أجرة وفتح له الباب بلطف، وطلب كويلو من السائق الذهاب لمنزل أبويْه فهما بحاجة لمعرفة ما حدث.
وفي الطريق، يتم إيقاف سيارة الأجرة من قبل سيارتين أخريين، وظهر رجل يحمل بندقية من إحدى السيارتين وسحبه إلى الخارج، ويضيف "لقد سقطت على الأرض، وشعرت بفوهة البندقية في مؤخرة رقبتي، بينما كنت أنظر إلى فندق أمامي وأعتقد أنه لا يمكنني أن أموت قريبًا".
ويتابع الكاتب البرازيلي أنه لم يعد يشعر بالخوف ولا بأي شيء عند هذه النقطة، مضيفا "أعرف قصص الأصدقاء الذين اختفوا، وهكذا سأختفي، وآخر شيء سأراه هو فندق". ويصحبه الرجل المسلح ويضعه على أرضية سيارته ويطلب منه أن يرتدي غطاء محرك السيارة، بحسب مقاله المنشور في صحيفة لوموند.
المصير المؤلم
ويحكي كويلو عن شعوره بأنه في طريقه للإعدام وتقبله لمصيره، قبل أن تتوقف السيارة ويتم دفعه فيما يبدو أنه ممر، ويتعرض للضرب وصياح رجال يخبرونه "يا إرهابي تستحق أن تموت، أنت تقاتل ضد بلدك. ستموت ببطء، ولكنك ستعاني كثيرًا أولا".
ثم يتعرض لاستجواب وأسئلة لا يعرف الإجابة عليها، وينقل إلى غرفة تعذيب ويخلع ملابسه، ويُطلب منه الوشاية بأشخاص لا يعرفهم، قبل أن يعتبره المحققون غير راغب في التعاون معهم، وتبدأ حفلة التعذيب بوجود جهاز الصعق الكهربائي لمناطق حساسة في الجسم.
ورغم إلحاحه على المحققين وقوله إنه مستعد للاعتراف بكل ما يريدون والتوقيع على ما يشاؤون وأنهم غير مضطرين لتعذيبه، فإن ذلك لم يجد نفعا، ويخدش كويلو بشرته ليغطي نفسه بدمائه حتى يتركوه وحده، ويطلب منه أحدهم خلع الغطاء ليجد نفسه في غرفة عازلة للصوت بها ثقوب رصاصات على الجدران.
وفي اليوم التالي تعرض كويلو لجلسة تعذيب جديدة مع الأسئلة نفسها والرجاء ذاته، قبل أن ينقل إلى غرفة صغيرة مطلية باللون الأسود بالكامل والمزيد من الظلام والبرد وصفارات الإنذار التي تقود للجنون، بحسب المقال الذي نشره في صحيفة لوموند.
وأغمي على كويلو مرارا وتكراراً في "الثلاجة" كما كان يسمونها، وحاول طرق الباب بلا فائدة، وكان يشعر بأن تعرضه للضرب أفضل من بقائه في هذه الغرفة الباردة.
ولم يستطع الكاتب البرازيلي تحديد عدد الأيام والليالي التي مرت، ويحكي أنه بعد سنوات من هذه التجربة أخبرته أخته أن أبويهما لم يستطيعا النوم، وكانت أمه تبكي طوال الوقت، بينما ظل أبوه في صمت ولم يتكلم، بحسب الصحيفة الفرنسية.
الخروج المفاجئ
وظل كويلو لاحقاً في حبس انفرادي، وفي أحد الأيام ألقى له أحدهم ملابسه وأمره بارتدائها وأخذه في صندوق السيارة قبل أن يأمره بخلع غطاء الرأس والخروج من الصندوق ليجد نفسه في ساحة عامة مليئة بالأطفال في مكان ما في ريو دي جانيرو، بحسب مقاله الذي روى فيه تفاصيل تعرضه للتعذيب.
وذهب كويلو لمنزل والديه ليبدأ مع عائلته تجربة التعافي من محنة الاعتقال والاختفاء، وبعد مرور عقود من هذه التجربة أصبحت أرشيفات الدكتاتورية البرازيلية علنية، وحصل كاتب سيرة كويلو على كل المواد المتعلقة بهذه الواقعة، وسأل كويلو لماذا اعتقلت؟ وعرف أن أحد المخبرين اتهمه، لكنه رفض أن يعرف هوية المخبر الذي أبلغ عنه قائلاً إن "هذا لن يغير الماضي".
جدل برازيلي يتجدد
وأشاد الرئيس البرازيلي بولسونارو أخيرا بالعقيد كارلوس ألبرتو أوسترا رئيس وحدة استخبارات دوي كودي الشهيرة في عهد الدكتاتورية باعتباره "بطلا قوميا"، في حين ينظر له برازيليون عاشوا هذه الحقبة بأنه أحد أخطر المعذبين.
ووصف بولسونارو فترة حكم العسكر في البرازيل بأنها حقبة "مجيدة" في تاريخ البلاد، ونُقل عنه عام 2008 قوله إن "خطأ الدكتاتورية كان أنّها مارست التعذيب دون أن تقتل".
ومنذ توليه منصبه وبولسونارو يكيل المديح لحكام أميركا اللاتينية العسكريين في السبعينيات والثمانينيات مثل ألفريدو ستروسنر في باراغواي وأوغستو بينوشيه في تشيلي.
وخلال حقبة الحكم العسكري التي دامت 21 عاما في البرازيل قُتل أو اختفى 434 شخصا على الأقل. ولكن على عكس جيرانها في أميركا الجنوبية، لم تحاكم البرازيل المسؤولين العسكريين على جرائم عهد الدكتاتورية، وتركت أحداث تلك الفترة المظلمة دون محاسبة مرتكبيها.