[ غلاف الرواية ]
منذ استقرارها في باريس عام 1983، ما برحت الكاتبة الإيرانية سرور قاسمي تستكشف الظروف التي دفعتها إلى مغادرة وطنها، كما يتجلى ذلك في سيرتها الذاتية "وادي النسور" (2006)، وفي روايتيها "المقبرة الزجاجية" (2002)، و"يوم قبل نهاية العالم" التي صدرت حديثا عن دار "روبير لافون" الباريسية.
أحداث القصة التي تسردها قاسمي في عملها الأخير تقع في طهران خلال الخريف الأول بعد الثورة الإيرانية. بطلة الرواية مريم، شابة في السادسة عشرة من عمرها، تكتشف يوما في إخراج قيد عائلي أن تاريخ ولادتها يتوافق مع تاريخ وفاتها.
وحين تسأل والدها عن هذا الأمر، يكشف لها أنها كانت لا تزال في بطن أمها حين توفيت الأخيرة إثر انهيار سقف المنزل عليها، وأن أختا لها تحمل الاسم نفسه توفيت في الحادث نفسه. وبما أن مريم وُلدت بعد ساعات من وفاة الأم، اعتُبرت ولادتها معجزة، فقيل للأب إن روح ابنته المتوفية تقمصتها، وهو ما دفعه إلى منحها الاسم نفسه.
البحث عن الحقيقة
هذه القصة ستدفع مريم إلى الانطلاق في بحث عن الحقيقة وعن هويتها، وهو ما سيقودها أولا إلى ضرورة تغيير اسمها كي تتحرر من هذه الأسطورة وتكون لها كينونة مستقلة بذاتها. لكن ما اعتبرته في البداية مجرد إجراء إداري سهل لن يلبث أن يتحول إلى مشكلة كبيرة ذات نتائج خطيرة على حياتها وحياة والدها.
فما إن تتوجه إلى الجهات المختصة لتسجيل طلبها حتى تصطدم برفض الموظفين الرضوخ لمشيئتها قبل التحقيق في فرضية "قيامتها". وبسرعة، يأخذ ملفها أهمية كبيرة في عين السلطة السياسية الجديدة التي ستجهد في فهم آلية "عودتها إلى الحياة" لمعالجة الخسائر البشرية الفادحة التي كانت تتكبدها في حرب الخليج الأولى.
ولأنه سيتعذر على هذه الشابة سحب طلبها، وتصبح مطلوبة من قبل اللجنة المكلفة بقضيتها؛ تتوارى عن الأنظار للسعي في السر إلى إجلاء الحقيقة. لكن سعيها هذا لن يلبث أن يكشف لها عن أسرار عائلية تتجاوز بخطورتها ظروف ولادتها، وعن فصول من تاريخ إيران القديم لها تأثير مباشر على قصتها.
هكذا، نتابع تنقل مريم المحموم داخل شوارع طهران الذي سيقودها -في ظروف فريدة من نوعها- إلى أماكن غير عادية، كمعبد زرادشتي قديم تم تحويله إلى مركز للياقة البدنية، ودير نسطوري للراهبات، وعيادة مخصصة "للمصعوقين"، أي الجنود الإيرانيين الذين تعرضوا لصدمة إثر ما شاهدوه على الجبهة وتنظر السلطات إليهم كأصحاب رؤى.
تاريخ إيران
وفي رحلتنا مع الروائية، نصادف أماكن وأحداثا كثيرة تشكل مجتمِعة دوامة جهنمية تذهب بمريم ومحيطها إلى حدود الكارثة، داخل متاهة مدينة يطغى عليها حراك سياسي وديني مشبع بالقلق والغضب.
وكما في روايتها الأولى، تسافر قاسمي بنا في روايتها الجديدة داخل تاريخ إيران الحديث والقديم، مستعيدة -بمعرفة لا تخلو من طرافة أحيانا- بعض الأساطير المؤسسة للهوية الفارسية، منذ زرادشت ومدينة الري القديمة حتى مدينة طهران في الأيام الأولى من ثورة 1979.
وفي هذا السياق، تختلط شخصياتها داخل عملية السرد بشخصيات أسطورية من منطلق ضرورة زيارة الماضي لتفسير الحاضر وتضميد جروحه.
وسواء بشكلها أو بالموضوعات المقاربة فيها، تشدنا هذه الرواية التي أرادت الكاتبة من خلالها تسليط الضوء على المعتقدات الدينية المختلفة في إيران بهدف إظهار كيف ينحرف بعض الناس أحيانا بهذه المعتقدات وفقا لرغباتهم، كما سيحدث مع اللجنة المكلفة التحقيق في مسألة "قيامة" مريم، والتي ستنظر إلى هذه المسألة كما لو أنها مفتاح الثورة، أو مع الراهبات اللواتي كن أول من روج لهذه "القيامة" بوصفها معجزة إلهية.
لكن قيمة هذه الرواية تكمن خصوصا في تشييدها بدقة المناخ الخانق لمجتمع يواجه تطرفا دينيا عنيفا يهدد حرية أفراده والتعايش التاريخي لمختلف طوائفه المذهبية.
وتكمن قيمة الرواية أيضا في الأسلوب الأخاذ الذي صقلته قاسمي لها ويعكس تمكنا كبيرا من اللغة الفرنسية، وفي حبكتها المتينة التي تجسد -في طريقة تشييدها الفريدة ووتيرة أحداثها المتسارعة- دوامة حقيقية يلهث القارئ داخلها حتى الصفحة الأخيرة.