مع توقيع إثيوبيا اتفاقاً مع "جمهورية أرض الصومال"، تصاعدت المخاوف من انفجار بؤرة توتر جديدة في منطقة القرن الأفريقي غير المستقرة أصلاً. وفيما أدانت الصومال وجيبوتي الخطط الإثيوبية، لم يصدر أي رد فعل من مصر والسودان بعد.
بؤرة توتر جديدة في القرن الأفريقي توشك على الانفجار، مع توقيع إثيوبيا اتفاقاً مع ما يسمى بـ" جمهورية أرض الصومال (صوماليلاند)" الانفصالية، وهو الاتفاق الذي يمنح إثيوبيا منفذاً على البحر من خلال مرفأ في الجمهورية المعلنة من طرف واحد.
غضب في الصومال وجيبوتي
عقب الإعلان عن الاتفاق، أعلنت الحكومة الصومالية استدعاء سفيرها في إثيوبيا للتشاور. وصرح رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري أن بلاده ستدافع عن أراضيها "بشتى السُبل القانونية الممكنة" بعد الاتفاق الذي يمنح إثيوبيا منفذاً على البحر الأحمر من خلال مرفأ بربرة في أرض الصومال.
وبربرة ميناء أفريقي على الساحل الجنوبي لخليج عدن، عند مدخل البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس. وتتيح المذكرة لإثيوبيا الاستحواذ على حصة غير محددة من الميناء، بعد أشهر على قول أبي أحمد إن بلاده بحاجة إلى تعزيز حقها في الوصول إلى البحر، في تصريح أثار مخاوف في المنطقة.
وأكدت الحكومة الصومالية في بيان أن "أرض الصومال جزء من الصومال بموجب الدستور الصومالي، بحيث أن الصومال تعتبر هذا الإجراء انتهاكاً فاضحاً لسيادتها ووحدتها"، مؤكدة أن الاتفاق لاغ ولا أساس قانونيا له.
على جانب آخر، أفادت مصادر مطلعة أن الرئيس الجيبوتي قام بتوبيخ السفير الإثيوبي لدى بلاده بسبب إخفائه تفاصيل المفاوضات الجارية مع صومالي لاند.
تم توقيع الاتفاق الاثيوبي بصورة مفاجئة مع زعيم المنطقة الانفصالية موسى بيهي عبدي، بعدما كانت الصومال وأرض الصومال اتفقتا الأسبوع الماضي على استئناف المفاوضات بينهما - بعد جهود وساطة قادتها جيبوتي - لتسوية المسائل العالقة، بعد سنوات من التوتر السياسي والعرقلة
ولم تحصل أرض الصومال على اعتراف دولي واسع النطاق، على الرغم من إعلانها الانفصال والحكم الذاتي عن الصومال في عام 1991. وتقول الصومال إن أرض الصومال جزء من أراضيها.
ويفتح الاتفاق - والذي يحمل أهمية سياسية بالغة - المجال أمام احتمال اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كدولة مستقلة في مرحلة لاحقة. ويشير خبراء إلى أن اعتراف دولة بحجم وقوة وتأثير إثيوبيا يمكن أن يكون له تأثير كبير في دفع مساعي أرض الصومال نحو الاعتراف الدولي.
وعلى الرغم من ردود الفعل العنيفة على بيانه من جانب جيبوتي وإريتريا والصومال، فقد خفف رئيس الوزراء أبي من لهجته وذكر أن إثيوبيا لن تغزو أي بلد من أجل حلمها في الوصول للبحر الأحمر. ولكن حتى لو لم يكن لدى آبيي احمد أي نية الآن لاستخدام القوة العسكرية، فإن كلماته أثارت الاستياء الذي من شأنه أن يزيد من عدم الاستقرار الإقليمي، وخاصة في الصومال.
منفذ على البحر الأحمر لإثيوبيا الحبيسة
وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في أول أيام العام الجديد عبر منصة إكس أن الاتفاق بين إثيوبيا وجمهورية أرض الصومال التي أعلنت إثر انشقاقها عن مقديشو عام 1991 ولم تعترف بها الأسرة الدولية، "سيفتح الطريق لتحقيق تطلعات إثيوبيا إلى ضمان وصولها إلى البحر وتنويع منافذها إلى الموانئ البحرية"، وأضاف أن الاتفاق يعزز أيضاً الشراكة الأمنية والاقتصادية والسياسية للطرفين الموقعين.
وذكر رضوان حسين، مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإثيوبي، أن مذكرة التفاهم التي وقعها أبيي ورئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي، تمهد الطريق لإثيوبيا للتجارة البحرية في المنطقة بمنحها إمكانية الوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة على البحر الأحمر.
وقال إن أرض الصومال ستحصل أيضاً على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة دون أن يدلي بمزيد من التفاصيل. ويشير خبراء إلى أن هذا الجزء من الاتفاق يمثل تقدماً مهماً أرض الصومال من الناحية الاقتصادية بتعزيز قدراتها في مجال النقل الجو وانفتاحها على العالم.
وتعتمد إثيوبيا - الدولة الحبيسة - على جيبوتي المجاورة في معظم تجارتها البحرية من صادرات وواردات. وتحاول إثيوبيا من خلال الاتفاق أيضاً الانضمام إلى مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن الذي تأسس عام 2020، ويضم مصر والسودان وإريتريا وجيبوتي والصومال من الضفة الأفريقية للبحر الأحمر، والسعودية والأردن واليمن من الجانب الآسيوي.
ويحذر خبراء من أن هذا الاتفاق يفتح - إن نجح - آفاقًا محتملة أمام إثيوبيا لإنشاء "قاعدة بحرية تحت الإيجار، وذلك بعد أن فقدت ميناءها البحري (عصب) عقب انفصال إريتريا في مطلع التسعينات. ومنذ تلك اللحظة، لم تتوقف جهود أديس أبابا الحثيثة للحصول على منفذ بحري دائم خاصة وانها تعد واحدة من أكبر الدول الحبيسة من حيث الكثافة السكانية على مستوى العالم.
ويرى هؤلاء أن إثيوبيا تحاول من خلال عودتها للبحر الأحمر الحفاظ على أمنها القومي بشكل أكثر فعالية مع تعزيز قدرتها على التدخل في الصراعات والأزمات الكبرى. ولهذا السبب أعرب أيي أحمد قبل عدة سنوات عن نية بلاده إعادة تأسيس القوة البحرية الإثيوبية التي تفككت مع تحولها لدولة حبيسة، كما سيقطع الطريق على أي محاولة لوقف إمدادات البلاد عبر البر بما تحتاج إليه وهو ما حاولت فعله جبهة تحرير تيغراي.
منطقة على برميل بارود
تقول حكومة الصومال إن الاتفاق الموقع بين إثيوبيا والدولة الانفصالية غير المعترف بها يشكل خطراً على الاستقرار والسلام في المنطقة.
وتواجه منطقة القرن الأفريقي بالفعل العديد من الأزمات الأمنية. وتعاني إثيوبيا نفسها من آثار الحرب في تيغراي وتخوض حالياً صراعات في إقليمي أمهرة وأوروميا.
واشار معهد "ال اي سي" البريطاني للدراسات الأفريقية إلى تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بأن بلاده تحتاج إلى الوصول إلى ميناء على البحر الأحمر، قائلا إن هذه الكلمات بمثابة رسالة تجنيد للجماعات الإرهابية في المنطقة وتعزز عدم الاستقرار في منطقة لا تستطيع تحمل ذلك، بحسب ما أشار مصطفى أحمد الباحث بالمعهد.
وكان رئيس وزراء إثيوبيا قد أدلى بتصريحات جريئة بشأن تأمين وصول بلاده إلى موانئ البحر الأحمر بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية. وقد يكون لهذه الخطوة آثار كبيرة على منطقة القرن الأفريقي المضطربة بالفعل.
وبينما تتصارع المنطقة مع الأزمات الأمنية والسياسية على جبهات متعددة، فإن سعي إثيوبيا المحتمل إلى إنشاء ميناء بحري من خلال القوة العسكرية من شأنه أن يضيف المزيد من التعقيد إلى التحديات القائمة بالفعل.
دور إماراتي خفي؟
يشار إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تعد من بين الدول القليلة للغاية التي تتعامل مع أرض الصومال كدولة مستقلة، كما أنها هي تدير ميناءها الهام على البحر الأحمر من خلال شركة DP World الإماراتية، المتخصصة في مجال الخدمات اللوجستية وإدارة الموانئ، من خلال عقد تم توقيعه في عام 2016 ويسري لمدة 30 عاماً باستثمارات تقدر بنحو 442 مليون دولار لتعزيز البنية التحتية اللوجستية للميناء، بحسب ما ذكر إدريس آيات الباحث بقسم العلوم السياسية بجامعة الكويت.
ويشير خبراء إلى أن هذا الأمر قد يعمق بشدة من الخلاف بين المصريين والإماراتيين، كما قد يؤثر سلباً على الدور المصري القيادي في البحر الأحمر فيما يخشى آخرون من تأثير الميناء الجديد تحت الإدارة الإثيوبية على قناة السويس والاستثمارات الهائلة التي تضعها مصر فيها، خاصة وأن أديس أبابا ستدخل بهذا الشكل ضمن الدول المستفيدة من حركة التجارة الدولية في البحر الأحمر وقد تقتطع حصة لا بأس بها.
مخاوف من الحركات الارهابية
وفي الصومال، تتعثر الحرب التي تشنها الحكومة ضد حركة الشباب، حيث من المقرر أن تخرج قوات بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS) من الصومال بحلول نهاية عام 2024، فيما لا يبدو أن هناك أفق لانتهاء الصراع الدامي في السودان حيث لقي أكثر من 10 آلاف شخص حتفهم ونزح الملايين، في حين تواجه إريتريا أزمة إنسانية وسياسية حادة تؤثر سلبًا على سكان الدولة الصغيرة.
وخاضت إثيوبيا والصومال حرباً في عام 1977 على إقليم أوغادين. وفي عام 2006، تدخلت إثيوبيا عسكرياً في الصومال لدعم الحكومة الفيدرالية الانتقالية الضعيفة في البلاد وهزيمة اتحاد المحاكم الإسلامية.
في هذا الوقت، ظهرت حركة الشباب الإسلاموية التي تتهم من عدة أطراف بالإرهاب على رأسها الولايات المتحدة، بسبب هذا التدخل وغذت من النظرة إلى إثيوبيا على أنها عدو الصومال على المدى الطويل، ونجحت الحركة في استغلال التاريخ السياسي المضطرب بين الصوماليين والدولة الإثيوبية لحشد وتجنيد المقاتلين في صفوفها.
وكانت دراسة أجراها معهد دراسات الأمن الدولي (ISS) قد حددت الاغتراب السياسي والهوية الجماعية باعتبارهما الدوافع الرئيسية للشباب الذين ينضمون إلى حركة الشباب في الصومال.
وأوضح أحد الأشخاص خلال الدراسة كيف عُرضت عليهم بشكل متكرر مقاطع فيديو تظهر تسجيلات فيديو "من جهاديين آخرين في العالم وكيف غزت بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال بلادنا".