بعد حالة جمود شهدتها الساحة اللبنانية في ظل أزمات سياسية واقتصادية تمر بها البلاد، ازدحمت فجأة زيارات مسؤولين أمريكيين وإيرانيين إلى بيروت وسط صراع إقليمي محتدم بين الدولتين.
ويعاني اللبنانيون منذ عام 2019 أزمة اقتصادية غير مسبوقة أدّت إلى انهيار قياسي بقيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلا عن شح بالوقود والأدوية وانهيار القدرة الشرائية مع وجود حكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحية لعدم انتخاب رئيس جديد للبلاد منذ نحو عام.
زيارة الوسيط الأمريكي آموس هوكستين في 30 أغسطس/ آب الماضي ووزير خارجية إيران أمير عبد اللهيان بعده بيوم إلى بيروت، قوبلتا بالكثير من التأويلات حول تصادفهما، ما إن كانتا للتصعيد كما يحصل في العراق وسوريا، أم لاتفاق على الاستقرار، لا سيما بعد بدء التنقيب عن النفط جنوب لبنان.
ملفات الحدود مع إسرائيل والطاقة والرئاسة اللبنانية، استحوذت أيضا على أجندات الزيارتين الأمريكية والإيرانية إلى بيروت.
هوكستين خلال زيارته، دعا إلى الهدوء والاستقرار "ضمانا لأمن البر والبحر ومحيط آبار النفط المستثمرة في حقل كاريش (جنوب لبنان) ومحيطه في إسرائيل، وتلك التي تخضع للاستكشاف في البلوكين 8 و9 اللبنانيين".
وقبل مغادرته بيروت، أعلن المسؤول الأمريكي أنه بعد بدء الحفر واستخراج النفط جنوب لبنان "حان الوقت للعمل من أجل ترسيم الحدود البرية (مع إسرائيل)".
وبوساطة أمريكية دامت عامين نجح لبنان وإسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 بالتوصل إلى اتفاق لترسيم حدودهما البحرية، حددت بموجبه المناطق الاقتصادية الخاصة بالجانبين في البحر المتوسط حيث بدأت بيروت التنقيب عن النفط في 24 أغسطس الماضي.
وفي المقابل، أتت زيارة عبد اللهيان إلى لبنان في ظل تطورات إقليمية ودولية هامة، مع استئناف العلاقات الدبلوماسية الإيرانية السعودية، وكذلك التحركات الأمريكية في الشرق الأوسط والتهديدات الإسرائيلية لحلفاء إيران بالمنطقة.
وخلال زيارته لبيروت، قال عبد اللهيان إنه "واثق بأن أي تصعيد إسرائيلي سيفجر حرباً تطوي صفحة إسرائيل"، مشيرا أنهم "يدعمون استقرار لبنان وسرعة توافق القادة على انتخاب رئيس جديد للبلاد".
رسائل متبادلة
الكاتب والمحلل السياسي اللبناني وائل نجم (مستقل) قال إن "كل شخصية في زيارتي المسؤولين الأمريكي والإيراني حملت رسالة خاصة بها وبالساحة اللبنانية".
وذكر نجم للأناضول أن عبد اللهيان أراد أن يؤكد على وقوف إيران إلى جانب حلفائها في هذا الوقت العصيب الذي تشهد فيه المنطقة تطورات غير مسبوقة كما في شرق سوريا والسويداء وحتى في العراق أو فلسطين.
ومنذ 25 أغسطس تشهد مدينة كركوك شمال العراق احتجاجات أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى على خلفية إخلاء مبنى قيادة العمليات المشتركة وتسليمه إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، فيما تشهد عدة مناطق سورية في مقدمتها محافظتا درعا والسويداء، احتجاجات على قرار النظام رفع أسعار الوقود.
ولفت نجم إلى أن زيارة المسؤول الإيراني تأتي "في إطار التأكيد على تأثير طهران في ساحات المنطقة وتمسكها بذلك، وعدم تخليها أو تقديمها أي تنازل حالياً".
وحول زيارة هوكستين، قال نجم إنه "أراد أن يفحص الموقف اللبناني بغرض الدخول في مفاوضات أو مباحثات غير مباشرة للوصول إلى ترسيم أو تحديد الحدود البريّة مع فلسطين المحتلة".
وأشار إلى أن المسؤول الأمريكي كان "يهدف لتوصيل رسالة من خلال جولاته يؤكد خلالها أن لبنان لا يقع بشكل كامل تحت سيطرة حزب الله، أو أن الحزب واقع تحت ضغط كبير بحيث أنّه لا يمكنه منع تجوّل هوكستين في أرجاء لبنان".
ووفق نجم "لبنان يُستخدم كساحة رسائل بين الأطراف كافة المؤثرة بمشهد المنطقة، وأخذت ربما هذا الشكل بهذا الوقت، ولكن الخشية أن تأخذ أشكالاً أخرى في مرحلة لاحقة تكون الفوضى المنضبطة أو غير المنضبطة عنوانها الرئيسي".
وفي هذا الإطار، قال الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير (مقرب من حزب الله) إنه "يستبعد أن تكون هناك علاقة مباشرة بين ما يحصل في العراق وسوريا برسائل أمريكية أو إيرانية في المنطقة، إلا إذا تطورت الأمور إلى صراع كبير".
وأوضح قصير للأناضول أن زيارة عبد اللهيان تأتي في إطار التواصل مع المسؤولين اللبنانيين والقيادات اللبنانية لوضعها في أجواء التطورات التي تحصل بالمنطقة وخصوصا الاتفاق السعودي الايراني والوضع في سوريا والاتفاق الايراني الأميركي".
ترسيم الحدود
ينفي قاسم قصير أن يكون تزامن زيارة المسؤولين الأمريكي والإيراني إلى لبنان مقصودا، ولكنه رأى أن الزيارتين تصبان في دعم الاستقرار وتدعوان إلى إيجاد حلول سياسية لأزمات البلاد.
وأشار قصير إلى أن "دعم لبنان والشعب اللبناني وقوى المقاومة ثابت في السياسة الإيرانية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي" على حد تعبيره.
وعن المشكلة العالقة على الحدود قال قصير: "هناك جهات لبنانية رسمية تتواصل مع الأمريكيين لمعالجة ملف الحدود والخيمتين وملف قرية الغجر ويبدو أن هوكستين دخل على الخط لملف الحدود البرية".
ومنذ منتصف يوليو/ تموز الماضي شهدت المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل توترا أمنيا، بسبب محاولات القوات الإسرائيلية تجريف أراض وإنشاء جدار إسمنتي بالمنطقة، وهو ما يرفضه الجانب اللبناني لكون المنطقة تحتلها تل أبيب ترافق ذلك مع إطلاق صواريخ من جهة مجهولة إلى إسرائيل.
وفي 11 يوليو المنصرم، قدم لبنان شكوى رسمية لدى الأمم المتحدة ضد إسرائيل على خلفية "تكريس" احتلالها للجزء اللبناني من بلدة "الغجر" الحدودية.
بدوره، لفت المحلل السياسي اللبناني طوني بولس (معارض لحزب الله) إلى أن "الطرفين (الأمريكي والإيراني) أعطيا دفعا بسيطا لقضية ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل وحل النقاط العالقة".
وأوضح بولس للأناضول أن زيارة المسؤولين الأمريكي واللبناني "تركت نقطة الاشتباك في الغجر والتي يريد بها حزب الله الاستمرار في الاحتفاظ بسلاحه بحجة أن هناك أراض ما زالت محتلة من قبل إسرائيل".
ووفق بولس فإن "الزيارتين تعكسان رسائل طمأنة داخل وخارج لبنان وأن هذا البلد ليس ساحة صراع".
وفيما يخص الملف الرئاسي المتعثر منذ نهاية أكتوبر 2022، قال بولس إن "الطرفين ينفيان دعمهما لأي من المرشحين، ويربطان ذلك (الحل) باتفاق القوى السياسية اللبنانية".