قالت وكالة "أسوشيتد برس" (Associated Press) إن تحقيقها في ملابسات مقتل مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة يعزز تأكيدات السلطات الفلسطينية وزملاء الفقيدة بأن الرصاصة التي قتلتها جاءت من بندقية جندي إسرائيلي.
وأوضحت الوكالة أن صحفييها زاروا الموقع الذي قُتلت فيه شيرين على أطراف مخيم جنين في الضفة الغربية، واستمعوا إلى شهود العيان، كما فحصوا الصور ومقاطع الفيديو المتوفرة.
وذكرت أسوشيتد برس أن مقابلاتها مع 5 شهود عيان جاءت بنتيجة تتوافق مع ما توصلت إليه مجموعة "بيلينغكات" (Bellingcat) -وهي مجموعة للصحافة الاستقصائية مقرها هولندا- بشأن موقع القوات الإسرائيلية وقربها من شيرين أبو عاقلة، وهو ما يجعل استهداف جنود الاحتلال لها هو الاحتمال المرجح.
وأشارت الوكالة إلى أن صورا ومقاطع فيديو عديدة التقطت صبيحة 11 مايو/أيار الجاري تظهر مركبات للجيش الإسرائيلي تقف على رأس شارع ضيق، وكانت شيرين أبو عاقلة تقف في الطرف المقابل في مرمى واضح للجنود الإسرائيليين.
وأضافت أن تلك اللقطات تظهر الصحفيين والمارة وهم يهربون من النيران التي أطلقت من جهة مركبات الجيش الإسرائيلي.
وحسب تقرير الوكالة، فإن الوجود الوحيد المؤكد لمسلحين فلسطينيين كان على الجانب الآخر من القوات الإسرائيلية، وعلى بعد حوالي 300 متر، وتفصلهم عن أبو عاقلة مبان وجدران.
ولفتت أسوشيتد برس إلى أن الجيش الإسرائيلي زعم وجود مسلح فلسطيني واحد على الأقل في موقع بين القوات الإسرائيلية والصحفيين، لكن الوكالة أكدت أن الجيش لم يقدم أي دليل على ذلك أو يوضح مكان ذلك المسلح المزعوم.
ونقلت الوكالة عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أمنون شيفلر أن جنديا إسرائيليا داخل إحدى المركبات أطلق النار من بندقية مزودة بمنظار للقنص ردا على إطلاق نار من قبل ذلك المسلح الفلسطيني المزعوم.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه حدد تلك البندقية لكنه لن يتمكن من تقديم إجابة قاطعة بشأن مقتل شيرين أبو عاقلة، ما لم يسلمه الفلسطينيون الرصاصة التي قتلتها لمقارنتها بذلك السلاح.
في غضون ذلك، قال براين دولي كبير مستشاري مقرر الأمم المتحدة الخاص للدفاع عن حقوق الإنسان إن أمام المحكمة الجنائية الدولية وثيقتين بشأن اغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، قدمتا إلى المحكمة للبت فيهما.
وأوضح دولي -في مقابلة مع الجزيرة- أن إحدى الوثيقتين تقدم بها الاتحاد الدولي للصحفيين. وأضاف أن "على المحكمة أن تتخذ قرارا بشأن العرائض المقدمة وما إذا كانت ستنظر فيها أم لا".
وقد أعلن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أمس الاثنين أن وزارته رفعت تقريرا إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن اغتيال شيرين أبو عاقلة.
وبينت الخارجية الفلسطينية أنها قدمت تقريرها الشهري الذي يضم جرائم الاحتلال الإسرائيلي بما فيها جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة إلى المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق فيها. وطالبت الوزارة المحكمة بتحمل مسؤولياتها والإسراع بفتح تحقيق.
من جهة أخرى، قال عضو مجلس العموم البريطاني بامبوس تشارالامبوس في تغريدة على تويتر إنه التقى أنطون أبو عاقلة شقيق الزميلة شيرين في القدس.
وذكر تشارالامبوس أن أنطون سلمه رسالة يطلب من خلالها الدعم الدولي من أجل إجراء تحقيق مستقل في اغتيال شقيقته ومحاسبة من قتلها.
في غضون ذلك، دعت نقابة الصحفيين الفلسطينيين إلى محاكمة مرتكبي جريمة اغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة ومحاولة قتل الصحفي علي سمودي في أثناء تغطيتهما اقتحام قوات الاحتلال منطقة في جنين في 11 مايو/أيار الجاري.
وقال عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين عمر نزال إن النقابة تنتظر التقرير النهائي للنيابة العامة الفلسطينية وتعمل على كافة المستويات وبالتعاون مع الفدرالية الدولية للصحفيين والاتحاد العام للصحفيين العرب على فضح هذه الجريمة وضمان توفير الحماية الدولية للصحفيين.
وشدد نزال على ضرورة ملاحقة الاحتلال واتخاذ كافة التدابير المناسبة لمنع تكرار جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة.
ولا تزال سلطات الاحتلال الإسرائيلي تمتنع عن فتح تحقيق في مقتل شيرين أبو عاقلة، بالرغم من أن فحوصها الأولية أثبتت أن جنودها أطلقوا الرصاص باتجاه الموقع الذي كانت فيه مراسلة الجزيرة.
إسرائيل تتنصل
وقالت المدعية العسكرية العامة في الجيش الإسرائيلي يفعات تومر يروشالمي -خلال مؤتمر لنقابة المحامين الإسرائيليين أمس الاثنين- إنه إذا تبين أن أحد الجنود الإسرائيليين أطلق النار على شيرين أبو عاقلة، فإنه لا وجود لشبهة جنائية في هذه الحالة، لأن الراحلة كانت تعمل في منطقة قتال نشط، وفق تعبير المدعية.
وذكرت يروشالمي أنه على الرغم مما وصفته بضبابية المعركة، سيبذل الجيش جهده لفهم كيف أصيبت أبو عاقلة.
وأضافت المدعية العسكرية الإسرائيلية أن عدم التمكن من فحص الرصاصة التي تحتجزها السلطة الفلسطينية "يترك شكوكا بالنسبة لملابسات موتها".
وتمتلك يفعات تومر يروشالمي صلاحية أن تقرر إذا كان يجب إحالة أي من جنود الاحتلال إلى إجراء تأديبي أم لا، على خلفية حادثة مقتل الزميلة شيرين أبو عاقلة.
وكانت شبكة الجزيرة قالت إن الجيش الإسرائيلي اغتال شيرين أبو عاقلة "بدم بارد وبرصاص حي بينما كانت تقوم بعملها الصحفي".
وكشفت التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة الفلسطينية ومعهد الطب العدلي الفلسطيني عن أن شيرين أبو عاقلة قُتلت بعيار ناري أصابها خلف الأذن اليسرى، وأن نوع الرصاصة التي قتلتها تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلي فقط.
ولا تزال القضية تثير تفاعلات في محافل عدة، وعلى مستوى العمل الحقوقي والصحفي عالميا.
وقد طالب أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني المجتمع الدولي بعدم التسامح في قضية اغتيال شيرين أبو عاقلة، وألا يقبل بمعايير مزدوجة تعامل الإنسان على أساس انتمائه الإقليمي أو العرقي.
وقال أمير قطر -في كلمته لدى افتتاح منتدى دافوس العالمي في سويسرا أمس- "قبل أسبوعين قتلت شيرين أبو عاقلة في فلسطين وهي صحفية فلسطينية أميركية مسيحية، وقد حرمت من جنازة تصون كرامة الموتى. كانت شيرين تغطي معاناة الفلسطينيين لعقود".
وتابع "تفطرت قلوبنا لمقتلها. إن مقتلها لا يقل رعبا عن الصحفيين السبعة الذين قتلوا في أوكرانيا في مارس/آذار من هذه السنة، والـ18 صحفيا الذين قتلوا في فلسطين منذ عام 2000".
وفي إسبانيا، ندد حقوقيون وإعلاميون في مدينة إشبيلية باغتيال الزميلة الراحلة والاعتداء على بيتها والهجوم على نعشها وعلى موكب الجنازة.
وأكد بيان لجمعية الصحافة في إشبيلية ولجنة النساء الإعلاميات أن الاعتداء على الإعلاميين يهدد الحقوق الأساسية للمواطنة وحرية التعبير.
وفي استمرار للتفاعل العالمي أيضا، رفع لاعبو نادي بالستينو في تشيلي لافتة كبيرة كتب عليها تاريخ ميلاد شيرين وتاريخ اغتيالها مع صورة كبيرة لها.