حظيت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنفوذ وهيبة كبيرة في الشارع السعودي على مدار سنوات عديدة، قبل تجريدها عمليا من صلاحياتها في 2016، بالتزامن مع حملة الانفتاح التي يقودها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
ويقول فيصل، وهو اسم مستعار، استقال قبل أشهر من الهيئة؛ إنه "تم انتزاع صلاحيتنا كافة، ولم يعد لنا دور واضح على الإطلاق"، مضيفا في حديث لفرانس برس: "أصبح كلّ ما كنت أعمل لمنعه مباحا تماما، فقررت الاستقالة".
ومنذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في 2017، تشهد المملكة حالة انفتاح كبير شملت السماح للنساء بقيادة السيارات، والسماح بالحفلات الغنائية، والسماح بالاختلاط بين الرجال والنساء.
وأضاف فيصل ساخرا، "في الماضي كانت هناك هيئة واحدة معروفة في السعودية وهي هيئة الأمر بالمعروف... اليوم أهم هيئة هي هيئة الترفيه"، في إشارة إلى هيئة الترفيه التي استحدثتها السعودية في أيار/ مايو 2016 والمنوط بها إدارة وتنظيم فعاليات ترفيهية متنوعة تشهد إقبالا كبيرا من كلا الجنسين.
في حين قال تركي، وهو اسم مستعار لعضو سابق في الهيئة أيضا؛ إن "وجود الهيئة بات شكليا تماما، ولم يعد مسموحا لنا التدخل وتغيير أي سلوكيات كنّا نعتبرها غير لائقة"، مشيرا إلى أن الكثيرين مستمرون بالعمل "من أجل الراتب فقط".
وكانت للهيئة في السابق صلاحيات كبيرة، من بينها التأكد من تطبيق الناس لقواعد الآداب العامة ومنع الاختلاط، الأمر الذي كان يشمل الحقّ بطلب وثائقهم الشخصية وتوقيفهم.
وكانت سيارات الهيئة تطوف في الشوارع، ويتأكد أفرادها من التزام النساء بارتداء العباءة السوداء حصرا، ويلاحقون روّاد المقاهي والمراكز التجارية، ويجبرون المحلات على الإغلاق وقت الصلاة.
وتدريجيا، اختفى الموظفون من الشوارع، بينما زادت مساحة الحريات الشخصية الممنوحة للسكان، خصوصا النساء.
ومع تقليص دورها في الشارع، باتت الهيئة أخيرا تطلق حملات للتوعية بالأخلاق ومواجهة الوباء والتحذير من مثيري الفتن، من على الشاشات الرقمية واللوحات الإعلانية في الشوارع ومنصات التواصل الاجتماعي.
ويقضي عدد كبير من عناصر الهيئة حاليا غالبية وقتهم في مكاتبهم دون الاحتكاك بالناس بالشوارع، ما يثير إحباط وحنق الأكثر تشددا منهم، على ما أفاد مصدران مطلعان على أنشطة الهيئة.
وقال مسؤول سعودي طلب عدم ذكر اسمه لفرانس برس "الهيئة باتت معزولة"، مشيرا إلى "تقليص كبير لعدد عناصرها، خصوصا من غير المؤهلين للدعوة".
وباتت الشابة السعودية لمى التي تعرضت سابقا لمضايقات من رجال الهيئة بسبب ملابسها الملونة، قادرة على الخروج بلا غطاء للرأس، بل والتدخين في الشارع.
وقالت الشابة البالغة 26 عاما بينما كانت تدخن رفقة زميلتها في وسط الرياض في أثناء استراحة من العمل: "لم نكن نفكر في التدخين بالشارع من الأساس قبل سنوات". وأضافت ضاحكة: "كانوا سيضربوننا بالخيزرانة"، في إشارة للعصي الرفيعة التي كان يستخدمها موظفو الهيئة لنهر الناس.
في المقابل، قال أحمد بن قاسم الغامدي، وهو مسؤول كبير سابق بالهيئة أطيح من منصبه في 2015 بسبب آرائه التقدمية: "أعظم أخطاء الهيئة أنها كانت تتّبع الأخطاء الفردية للناس"، وهو ما قال إنه "تسبّب بأثر عكسي وسلبي" على صورتها.
وأقر رئيس هيئة الأمر بالمعروف عبد الرحمن السند في مقابلة في تشرين الأول/أكتوبر الفائت مع محطة "الإخبارية" التلفزيونية الحكومية، بارتكاب الهيئة سابقا "مخالفات".
وأرجع السند، وهو أستاذ جامعي، ذلك إلى أنّ أعضاء الهيئة كانوا يمارسون "مسائل أمنية من دون أي مرجعية أو خلفية أو تأهيل مسبّق".
وتعتزم الهيئة التي طالما تعرضت لانتقادات بخصوص قمعها للنساء، "توظيف نساء" في صفوفها في القريب العاجل، بحسب السند.
وأقر الكاتب السعودي سعود الكاتب بحدوث "تغيير كبير وجذري" في عمل الهيئة التي قال؛ إن "دورها لا بدّ أن يكون محدودا، ولا يتجاوز دور الهيئات الرقابية الرسمية".