على متن طائرة مروحية، أجلى الجيش قادة ما اعتبره محاولة انقلابية من سلاح المدرعات في ضاحية الشجرة جنوبي الخرطوم، ليلجها على متن سيارات رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي" الذي كانت هذه المنطقة العسكرية محرمة عليه.
وإبان اعتصام الثوار أمام قيادة الجيش عام 2019، واجه قائد سلاح المدرعات اللواء نصر الدين عبد الفتاح والقائد الثاني بالمدرعات العميد عبد الباقي بكراوي، قائدَ قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو في أكثر من مناسبة.
وحينها تمركزت قوات الدعم السريع أمام غالب وحدات الجيش فيما يبدو أنه للسيطرة على أي تحرك، لكن العميد -حينها- بكراوي رفض أي وجود لقوات الدعم السريع قرب المدرعات، مهددا باستخدام القوة، مما اضطرها للانسحاب.
وبحسب ضابط رفيع في الجيش زاملَ اللواء عبد الباقي بكراوي، قائد المحاولة الانقلابية التي أعلنت الحكومة إحباطها فجر أمس الثلاثاء، فإن بكراوي -المتحدر من شمال السودان- شخص طموح يتسم بالشجاعة والكاريزما القيادية.
بكراوي رجل المدرعات المتمرد
ويقول الضابط الذي رافق بكراوي مدة طويلة إنه عندما سمع بتورطه في المحاولة الانقلابية لم يستبعد ذلك، نسبة لامتلاكه الطموح فضلا عن اتسام شخصيته بالانفعال والمواجهة.
ويضيف أن الرجل طوال فترة خدمته انتسب للمدرعات، السلاح الحاسم في انقلابات السودان، عدا الفترات التي انتقل فيها لمسارح العمليات في جنوب السودان.
وبعد فض الاعتصام، عقد البرهان لقاءً مع كبار الضباط في المدرعات، وأبدى قائد السلاح اللواء نصر الدين آراء لم يقبلها المجلس العسكري، لتتم إحالته للتقاعد.
وعلى إثر ذلك، بث القائد الثاني بالمدرعات بكراوي تسجيلا صوتيا، انتقد فيه قوات الدعم السريع وقائدها حميدتي، ليتم وضعه في الإيقاف الشديد في حين أن رتبته حينها "عميد" كانت تقتضي تقديمه لمحاكمة أو إحالته للتقاعد.
ويقول الضابط الرفيع الذي فضل حجب اسمه، "لاحقا شكلت محاكمة لبكراوي لكنها لم تحاكمه بشكل واضح، ثم استحق ترقية وتمت ترقيته رغم أنه -وفقا للوائح- كان يجب البت في محكمته قبل الترقية".
وتابع "يبدو أن متخذ القرار لم يكن حريصا على إحالته للتقاعد، بل كان حريصا على ترقيته لرتبة اللواء".
ماذا كان يفعل قائد المحاولة الانقلابية في مصر؟
ويشير الضابط إلى أن الرجل بعدها ألحق بإدارة شؤون الضباط وظل بلا مهام، وكان يفترض -تبعا لرتبته- أن يكون قائد سلاح أو مديرا إداريا في القيادة العامة.
ولاحقا، سافر قائد محاولة الانقلاب إلى القاهرة للعلاج، وعاد للبلاد قبل أيام بعد أن بترت قدمه، ليعلَن أنه قائد محاولة انقلاب فاشلة.
ورغم أن القائد الثاني في سلاح المدرعات العميد أيوب عبد القادر يوجد بدوره حاليا بمصر في رحلة استشفاء، لكن الضابط الرفيع يستبعد اشتراكه في محاولة الانقلاب لتباين القناعات بينه وبكراوي.
ويؤكد أن بكراوي ليس من كوادر الإسلاميين في الجيش، لكن مما عزز حظوظه في الاستمرار في الجيش إمكاناته الكبيرة وقدرته على المواجهة واتخاذ القرار، فضلا عن كاريزما القيادة التي اكتسبها من ممارسة التوجيه بالأكاديمية العسكرية العليا، أعلى معهد تعليمي للجيش.
والتحق اللواء عبد الباقي بكراوي بالجيش عبر الكلية الحربية، الدفعة 39 التي سبقت انقلاب الرئيس المعزول عمر البشير في يونيو/حزيران 1989 بسنة واحدة.
وتتحدر جذور بكراوي من رومي البكري بالولاية الشمالية، لكنه ترعرع وأمضى مراحله الدراسية في مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض.
من بقية المشاركين في الانقلاب العسكري الفاشل؟
بحسب معلومات مسربة تلقتها الجزيرة نت، فإن الانقلاب شارك فيه لواء و4 ضباط برتبة عميد و6 برتبة عقيد واثنان برتبة مقدم و3 برتبة رائد ومثلهم برتبة نقيب واثنان برتبة ملازم أول، إلى جانب ضابط متقاعد برتبة العقيد.
وكان مستشار البرهان الإعلامي العميد الطاهر أبو هاجة، قد أعلن عن توقيف 21 ضابطا وعددا من الجنود، بينما أفادت معلومات لاحقة بارتفاع عدد الضباط المشاركين فيها.
وفيما يأتي أسماء الضباط الموقوفين على ذمة المحاولة الانقلابية، والذين تحقق معهم قيادة الجيش لمعرفة ما إذا كان هناك مدنيون متورطون في الانقلاب، خاصة بعد أن أتلفت خلية الانقلاب شرائح اتصالات مخصصة للضباط الانقلابيين قبل توقيفهم، وهم:
اللواء عبد الباقي بكراوي، العميد إبراهيم المنصوري، العميد ماهر علي حسن، العميد خالد الصادق، العميد عبد الحليم جبريل، العقيد بشرى عبد الرحمن، العقيد ذكي عبد الله خير الله، العقيد عامر هجو، العقيد يس محمد مصطفى، العقيد عصام الدين عبد الله أحمد، العقيد مصعب الحسن، المقدم مأمون عبد القادر، المقدم بشير إبراهيم حامد، الرائد مصطفى قمر، الرائد علي فتح الرحمن علي الأمين، الرائد عامر العبيد، النقيب محمد مختار، النقيب عصام الدين التوم، النقيب أيمن محمود عبد الله الحاج، الملازم أول مصعب أبو بكر الحاج، الملازم أول محمد المودودي، العقيد المتقاعد عماد أبو ديس.
ويذكر أن العمداء الأربعة هم من الدفعة 41 بالكلية الحربية التي أشرف على تخرجها المعزول البشير، وبينهم القائد الثاني بسلاح المظلات العميد إبراهيم منصوري، ومظلي آخر هو العميد ماهر حسن.
ما قصة سلاح المدرعات مع الانقلابات؟
وبحسب المعلومات، فقد شاركت 4 أسلحة في المحاولة الانقلابية هي: المدرعات، والمظلات، وسلاح الجو وسلاح الإدارة.
ودائما ما مثل سلاح المدرعات العامل الحاسم في جميع الانقلابات التي وقعت في السودان، ويليه أهمية سلاح المظلات.
ويوضح اللواء ركن "م" عبد الرحمن أرباب مرسال -للجزيرة نت- أن العادة جرت على اعتماد الانقلابات على الأسلحة والوحدات الموجودة داخل العاصمة الخرطوم، لأنها قوية ومسلحة جيدا ودائما ما لديها رؤية واحدة لوجودها في مكان واحد.
ويذكر أن الاعتماد على سلاح المدرعات في الانقلابات العسكرية ينطلق من نيران المدرعات الكثيفة وشكلها المهيب الذي يدخل الرهبة في النفوس، فضلا عن استخدامها في إغلاق الطرق والجسور.
ويقول مرسال إن سلاح المظلات أيضا له مهام في الانقلابات لا تقل أهمية عن المدرعات، نسبة لقوة مراس منسوبيه والتدريب العالي لعناصره، فهم كقوات خاصة لديهم قدرة عالية على الاحتكاك البدني في الاعتقال والتوقيف.
هل كانت الأجواء مهيأة لانقلاب عسكري؟
ورغم توفر عناصر من سلاحي المدرعات والمظلات، يقول مرسال إن نجاح أي انقلاب يعتمد على الأجواء السياسية، والجو الحالي في السودان لا يساعد على نجاح أي انقلاب حتى لو شارك فيه كل الجيش.
واعتبر محاولة الانقلاب الأخيرة "عملية انتحارية" ربما يكون خلفها مخطط حزبي أو جهة خارجية امتطت صهوة الجيش، ولا يستبعد أن يكون إسلاميون خلف التحرك العسكري الأخير.
وتوقع ألا تتم محاكمة المجموعة الانقلابية، شأنها شأن المجموعة التي اتهمت بانقلاب بعد فض الاعتصام بقيادة رئيس هيئة الأركان الفريق هاشم عبد المطلب.
ومنذ استقلاله مطلع 1956، شهد السودان 3 انقلابات ناجحة نفذها الفريق إبراهيم عبود في 1958، والعقيد جعفر نميري في 1969، والعميد عمر البشير في 1989، مقابل عدد كبير من الانقلابات الفاشلة أحبطت خلال حقب الحكم العسكري والديمقراطي.