يدخل العالم العربي عام 2021 مثقلا بأزمات عديدة وتحديات عميقة، فمن مشرقه إلى مغربه تتوزع بؤر النزاعات وتتفاقم الانقسامات. وبينما الكثيرون لديهم آمال أن يحمل العام الجديد فرصا للخروج من نفق الصراعات، تتحدث مؤشرات عن مخاطر تتربص بالعديد من الدول.
ومن بين أبرز الدول التي تواجه تحديات أمنية عميقة:
ليبيا.. حرب على الأبواب أو سلام عاجل
اتفقت الأطراف الليبية المجتمعة في تونس برعاية أممية على تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، لكن عملية تشكيل مجلس رئاسي جديد مع رئيس حكومة منفصل ما زالت متعثرة، ناهيك عن الإخفاق في توحيد مجلس النواب.
وكذلك المسار الدستوري لم يتم الاتفاق بشأنه، ولم يتقرر بعد عرض مسودة الدستور التي أعدتها لجنة الـ 60 المنتخبة على الاستفتاء الشعبي، أو الرجوع إلى الإعلان الدستوري أو إلى آخر دستور بعهد الملكية (عام 1963).
وهذه المؤشرات لا توحي أن الانتخابات ستجرى قبل نهاية 2021، رغم توقيع وقف إطلاق النار بين الجيش الحكومي وقوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ومؤخرا عادة حفتر لحشد مليشياته قرب خطوط التماس في محافظتي سرت (450 كلم شرق طرابلس) والجفرة (300 كلم جنوب سرت) ومن جانبها أرسلت القوات الحكومية تعزيزات عسكرية للمنطقة، مما يؤشر على أن الأوضاع مرشحة للانفجار، إن اختل التوازن العسكري ولم يتم تسريع الحل السياسي.
الصومال.. هل يبقى وحيدا في مواجهة "الشباب"؟
يواجه الصومال عام 2021 تحدي تنظيم الانتخابات البرلمانية التي أخفق في إجرائها بموعدها الذي كان مقررا مطلع ديسمبر/كانون الأول 2020.
لم تتفق الحكومة والأحزاب حول كيفية إجرائها بالشكل الذي يضمن نزاهتها، وليس هناك ما يؤكد إجراء الانتخابات العامة أيضا في فبراير/شباط المقبل.
وقرار الولايات المتحدة سحب معظم جنودها من الصومال مطلع 2021، والمقدر عددهم بنحو 700 عنصر، من شأنه مضاعفة التحديات الأمنية للبلاد.
وتزامن القرار الأميركي مع انسحاب 3 آلاف جندي إثيوبي من قوات حفظ السلام من الصومال في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إثر اندلاع حرب إقليم تيغراي.
ومن المزمع أيضا تخفيض قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي وقوامها 17 ألفا العام المقبل، في ظل نقص التمويل الذي تقدمه الأمم المتحدة لها.
والتهديد الأكبر للحكومة يتمثل في حركة "الشباب المجاهدين" التي تسيطر على نحو 20% من مساحة البلاد، خاصة الجنوب والوسط.
وتقول التقديرات إن "الشباب" تضم 10 آلاف عنصر، وقد تستغل تقلص الدعم العسكري الخارجي للحكومة لزيادة هجماتها، وتوسعة مناطق سيطرتها، مع عرقلة تنظيم الانتخابات.
العراق.. ساحة صراع بين واشنطن وطهران
تصاعد الصراع بين واشنطن وطهران منذ مقتل العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في ديسمبر/كانون الأول الجاري، وقبلها مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في 3 يناير/كانون الثاني 2020 قرب مطار بغداد.
ففي 20 ديسمبر/كانون الأول الجاري، تعرضت السفارة الأميركية في بغداد لقصف صاروخي لم يخلف ضحايا، واتهمت واشنطن إيران بالوقوف وراء الهجوم عبر أحد أذرعها في العراق.
وأصرت القيادة العسكرية الأميركية في المنطقة على أن الهجوم الصاروخي تم تنفيذه بشكل شبه مؤكد من قبل جماعة متمردة تدعمها إيران، الأمر الذي نفته طهران.
ومن شأن رحيل الرئيس دونالد ترامب من البيت الأبيض، في 20 يناير/كانون الثاني 2021، أن يخفف حدة الاحتقان مع إيران، خاصة إذا اتبع الرئيس المنتخب جو بايدن سياسة الحوار مع طهران، لحل أزمة ملفها النووي، وهذا ما قد يجعل العراقيين يتنفسون الصعداء.
أما إذا انتهج بايدن سياسة تصعيدية مع طهران، أو ورّطه ترامب في حرب قبل رحيله، فالعراق سيكون أول من سيدفع ثمن هذا الصدام عام 2021.
وليس وحده الصراع الأميركي الإيراني بالعراق ما يؤرق حكومة بغداد، فتنظيم الدولة الإسلامية ما زال ينشط وسط البلاد، كما ينشط في الشمال حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة حركة إرهابية.
سوريا.. 10 سنوات من الآلام
تقلصت حدة القتال بسبب التفاهمات التركية الروسية، إلا أنه من المتوقع أن يشن النظام السوري هجوما بدعم روسي على معاقل المعارضة في إدلب.
وقد مر على اندلاع الثورة نحو 10 سنوات، وحتى الآن لا توجد أي مؤشرات على حل سياسي يلبي مطالب الديمقراطية والحرية والحياة الكريمة التي رفعها الثوار في مارس/آذار 2011.
وسياسيا، يسعى النظام السوري لتنظيم انتخابات رئاسية عام 2021، لا تعترف المعارضة بشرعيتها، خاصة أنها لم تأت عبر اتفاق شامل يضمن نزاهتها.
السودان.. الجيش بمواجهة مليشيات إثيوبية منفلتة
تواجه الخرطوم تحديا حدوديا جديدا مع إثيوبيا قد يتفاقم عام 2021، رغم أن جذوره قديمة، حيث تقوم مليشيات من إقليم الأمهرة الإثيوبي المجاور من حين لآخر بالاستيلاء على الأراضي الزراعية بمحافظة القضارف شرقي السودان.
ونهاية 2020، تدخل الجيش السوداني واستعاد جميع هذه الأراضي التي استولت عليها منذ 26 سنة المليشيات الإثيوبية في منطقة الفشقة بالقضارف.
وتلجأ المجموعات الإثيوبية المسلحة عادة لأسلوب حرب العصابات في مواجهة الجيش السوداني الذي قُتل عدد من أفراده في كمين على الحدود مؤخرا، لذلك ليس من المستبعد أن تعاود هذه المليشيات هجماتها في المناطق المتنازع عليها.
فرغم ترسيم الحدود بين إثيوبيا والسودان منذ 1902، فإن قبائل الأمهرة الإثيوبية ما تزال تعتبر الأراضي الزراعية على الطرف الآخر من الحدود ملكا لها، خاصة أنها تفتقر لأراض خصبة، مما يجعل هذا الخلاف متجددا.
لكن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أعرب عن عزم حكومته على تجفيف بؤرة الخلافات وإيقاف الاشتباكات نهائيا على المناطق الحدودية مع السودان، بعد يوم من اختتام اجتماع اللجنة السياسية حول قضايا الحدود بين البلدين.
وما قد يضاعف عدم الاستقرار على الحدود تدفق عشرات آلاف اللاجئين الإثيوبيين إلى السودان بسبب تداعيات حرب تيغراي (نوفمبر/تشرين الثاني 2020) فضلا عن أزمة سد النهضة وتعقيداتها.
ويواجه السودان، بالإضافة إلى أزمة الحدود مع إثيوبيا، نزاعا حدوديا مع دولة جنوب السودان في منطقة آبيي الغنية بالنفط، علاوة على نزاع حدودي ثالث مع مصر في مثلث حلايب المطل على البحر الأحمر.
وليست هذه الدول وحدها من يدخل العام الجديد مثخنة بجراح العام المنقضي وحاملة معها آمالا لنهاية قريبة لأزماتها، فهناك دول عربية أخرى تعاني من نزاعات متفاوتة الحدة تشاركها نفس الألم والأمل.