رغم أنه يبلغ من العمر عتيا، خصص أموال الحج لحفر الآبار بمنطقته، فمعاناة الرحل لغياب الماء ازدادت استفحالا، ليحيي بذلك الأرض بعد مماتها، وينقذ المئات من أبناء جلدته، ويضرب المثل لرجل عرف مقصد الدين.
إنه البغاطي (69 سنة)، أب لـ9 أبناء، كان يعمل بشركة للخشب بمدينة الناظور أقصى شمالي البلاد، ولما وصل سن التقاعد، عاد إلى موطن ولادته، إلى أن قرر أن يحج ليكمل دينه.
وجاءت جائحة كورونا هذا العام لتلغي السعودية مراسم الحج، إلا أن أحمد كانت له كلمة أخرى لخدمة المواطنين.
بلغة بسيطة يتحدث أحمد عن استغلاله لأموال الحج، من أجل حفر الآباء بعد وقوفه على معاناة الرحل بالمنطقة التي ينحدر منها.
- معاناة الرحل
البغاطي روى لـ"الأناضول" قصته بالقول "شوف ابن عمي (لاحظ وشاهد يا ابن عمي)، كنت قد قررت أن أحج هذا العام وبعد إلغائه، قررت تخصيص أموال الحج لحفر الآبار الجديدة، أو إصلاح الآبار القديمة".
وأردف "قررت ذلك بعد وقوفي على المعاناة الحقيقية للرحل بهذه المنطقة المترامية الأطراف، (نواحي مدينة تنغير جنوب شرق البلاد، والمعروقة بقلة الأمطار)".
وأضاف "حفرنا نحو 9 آبار لحدود الآن، منها الآبار الجديدة ومنها، آبار نضبت الماء فيها، وقمنا بتعميق الحفر بها، حتى وصلنا مجددا للماء، خصوصا أن المنطقة تضررت كثيرا بسبب الجفاف الذي زاد من جراح المنطقة".
الجفاف صعب عيش وتنقل الرحل بنواحي مدينة تنغير، وباتوا في حيرة من أمرهم، خصوصا في ظل انحسار المطر وتحول الوديان إلى صور بدون ماء وروح.
أحس الحاج أحمد بمعاناة الرحل فالإنسان ابن بيئته، ليقرر حفر الآبار بسبب ندرة المياه.
- الحياة تدب من جديد
بدأ البغاطي بالبئر الأول، وبعد خروج المياه أحس أن الحياة دبت من جديد بالمنطقة، وقبل ذلك دبت الحياة في أعماقه، فالأمر لا يقتصر على المواطنين، بل إن الحاج أحمد يبني أحواضا صغيرة بالقرب من البئر حتى تروى الماشية.
وانتقل أحمد إلى منطقة أخرى ليحفر بئر آخرا، وهكذا مواصلا جهوده.
وقال الحاج على جهوده هذه إن "حفر بئر بمنطقة أخرى ساهم في سقي النخيل القريب"، وهذه الأعمال جعلت الحاج المغربي يفرح لفرح أبناء جلدته.
"أحس بالفرح ويفرح عقلي وكأني في الجنة"، هكذا يعلق البغاطي بعد انتهائه من حفر البئر، حيث يقوم بعمل يتطلب إمكانات كبيرة، ليبدأ تلقى اتصالات من سكان بالمنطقة ليحفر لهم الآبار.
ودعا الحاج المحسنين إلى مساعدة السكان بالمنطقة والمناطق الأخرى التي لا تتوفر فيها المياه.
وقال بهذا الصدد "بعض المحسنين يساعدونني بالإسمنت والأجور، ومحسن مغربي مغترب اتصل بي وعرض علي المساعدة المالية، الحمد لله، عندما يعلم المواطنون بالخير ينخرطون فيه".
- ترحيب شعبي
خطوة الحاج أحمد لاقت قبولا شعبيا، فالناشط الحقوقي عزيز العقاوي، قال إن "الحج أحمد مقبول، بعد مبادرته هذه"، مضيفا في صفحته بمنصة التواصل الاجتماعي فيسبوك، "مواطن أمازيغي من تنغير تبرع بفلوس (مال) الحج لبناء آبار للرحل، الحج ديالك(حجك) مقبول".
وأوضح أن هذه الخطوة، تبين "تغير نوعي في الوعي الشعبي".
أما خالد البكاري، الأكاديمي المغربي، فقد أشاد بدوره بمبادرة حماد البغاطي، رغم أنه لا يمتلك إمكانيات مادية كبيرة.
وأضاف البكاري، عبر فيسبوك، أن "الرجل لم يتلق مساعدة لا من السلطات، ولا من برامج المبادرة الوطنية (برنامج حكومي يعنى بمحاربة الفقر)، ويعتمد فقط على إمكانياته الذاتية، ومساعدة من شخص يوفر له الآجر والإسمنت، وقد توفق في بناء وترميم العشرات من الآبار التي توجد بمناطق مهجورة، ومازال مستمرا في عمله التطوعي".
وزاد "طبعا هو رجل بسيط لا يفهم مقاصد الدين نظريا، ولكنه يطبقها عمليا، وهو ربما لم يسمع لا بالشاطبي، ولا بابن عاشور، ولا بعلال الفاسي، ولا بأحمد الريسوني، ولكنه استشعر معاناة الرحل والماشية، وفهم أن الدين رحمة، (ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء)".
وبحسب البكاري، فإنه "في أشهر الجائحة هذه، أوقف هذا الشيخ البسيط وقته وماله على التخفيف من معاناة البشر والحيوانات في هوامش قروية منسية، (فحتى الشاردة منها ستجد ماء على الطريق، إذ وضع أمام كل بئر مكانا مخصصا لاروائها)".