شهد العام 1999 بداية الصعود المبهر لضابط المخابرات السعودية السابق، ثم كانت بداية الانهيار الكبير في العام 2015، وبين العامين كتبت الأقدار أبرز محطات الرجل الذي نظر إليه بن سلمان بعين الريبة بعد لقاء له مع مدير وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" (CIA)، قبل أن يتحول لاحقا إلى أحد أبرز خصومه ومطارديه.
سعد الجبري اسم ظل قرابة عقدين من الزمن متواريا عن الأنظار، يترقى بصمت في كواليس الاستخبارات السعودية، ويمسك بأهم ملفاتها الأمنية وأكثرها حساسية، قبل أن تقذف به أزمات الحكم وصراعات العرش فجأة إلى واجهة الأحداث ودوائر الأضواء.
شغل الجبري منصب وزير دولة، وكان أحد كبار الضباط بالداخلية السعودية، وهو خبير في الذكاء الاصطناعي، ولعب أدوارا رئيسية في معركة المملكة ضد القاعدة وتنسيقها الأمني مع الولايات المتحدة.
لكن مهمته في الداخلية انتهت كضحية للصراع بين أميرين قويين بشأن من سيحكم المملكة، فقد فوجئ منتصف عام 2015 بإعلان التلفزيون السعودي خبر إقالته من وظيفته.
ومنذ ذلك التاريخ انقلبت حياة ضابط الاستخبارات الأثير ومستودع الأسرار الأمين رأسا على عقب.
رحلة الهروب
ولئن استطاع الرجل بمهارته الخروج المبكر من بلاد الحرمين قبل أن تلتف الأصفاد حول معصميه، فقد اضطر للتنقل بين 4 دول هي تركيا وألمانيا والولايات المتحدة وأخيرا كندا، فرارا من يد بن سلمان التي بدأت حينها تبطش دون رحمة بكل من تصلها من خصوم ومعارضين.
كما استطاع خبير الذكاء الاصطناعي ورجل الأمن العارف بكواليس الاستخبارات السعودية التقاط إشارات التحول الكبير في السياسات والتوجهات بعد صعود بن سلمان، فخرج بأقل الخسائر، وإن بقيت نقطة ضعفه الأهم أنه لم يتمكن من إخراج ولديه سارة وعمر، فبقيا ورقة مساومة وضغط عليه.
في رحلة الهروب واللجوء نجا الجبري من محاولات اعتقال وتسليم، اثنتان منهما في كندا، وواحدة عن طريق الإنتربول، وتحدث موقع "ميدل إيست آي" (Middle East Eye) نقلا عن مصادره أنه تعرض أيضا أثناء وجوده داخل الولايات المتحدة لمحاولة تسليم قسري إلى السعودية، ومن الواضح أن محاولة الاعتقال الأهم التي نجا منها كانت داخل بلاده حين خرج منها، قبل أن يقع في قبضة أجهزة الأمن التي كان حتى الأمس القريب أبرز رجالها وقادتها.
العلاقة مع محمد بن نايف
من المؤكد أن علاقة الجبري بالأمير وولي العهد السابق محمد بن نايف مثلت الجسر الذي صعد عبره الرجل، وحقق به شهرته وتأثيره في دوائر الاستخبارات السعودية.
وبدأت هذه العلاقة في عام 1999 حين دخل الجبري في كواليس العمل الأمني في السعودية بعد تعيينه في وزارة الداخلية، وتعرفه على الأمير محمد بن نايف الذي كان مساعدا لوالده وزير الداخلية آنذاك.
– بعد 4 سنوات، وعلى مدى عقدين أصبح الجبري مستشارا رئيسيا لمحمد بن نايف، وحلقة وصل بين المملكة وأجهزة الاستخبارات الغربية، وتشير التقارير إلى دوره في تحديث الأجهزة الأمنية السعودية وأساليب مكافحة الإرهاب.
– في يوليو/تموز 2015، وبموافقة من وزير الداخلية وولي العهد آنذاك محمد بن نايف عقد الجبري اجتماعات مع مدير وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) جون برينان، من دون معرفة محمد بن سلمان، كما عقد في الأثناء ذاتها لقاء آخر مع وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في لندن.
– في الشهر التالي (أغسطس/آب 2015) زار الجبري واشنطن لمناقشة التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن مع مسؤولين أميركيين.
بداية رحلة المتاعب
في سبتمبر/أيلول من العام نفسه، وبعد عودته من الولايات المتحدة فوجئ الجبري بخبر إعلان التلفزيون السعودي إقالته من طرف بن سلمان، ورغم إقالته واصل تقديم المشورة للأمير محمد بن نايف بصفة شخصية إلى أن غادر السعودية.
– في يونيو/حزيران 2017 لجأ الجبري إلى كندا، بعد أن قضى نحو عامين في الولايات المتحدة التي مكث فيها إلى وقت الإطاحة بمحمد بن نايف.
– بعد نحو شهرين طلبت السلطات السعودية من الإنتربول عبر إشعار أحمر القبض على الجبري، لكن الإنتربول ألغى الإشعار بعدما اعتبره ذا دوافع سياسية.
– طلبت السعودية من كندا مرتين في عامي 2018 و2019 تسليمه إليها، لكنها رفضت الطلب في الحالتين.
– في مارس/آذار 2020 اعتقلت سلطات الرياض اثنين من أولاد الجبري هما سارة وعمر، ومنعتهما من السفر، وهو القرار الذي فسره خالد الجبري الشقيق الأكبر لهما بأنه محاولة من الرياض لاستخدامهما ورقة مساومة لإجبار والدهما على العودة.
– في يوليو/تموز 2020 -وحسب صحيفة "وول ستريت جنرال" (The Wall Street Journal)- زعم مسؤولون سعوديون أن الجبري مطلوب أمام القضاء السعودي بسبب إهداره ما يقارب 11 مليار دولار خلال فترة عمله بوزارة الداخلية.
ترغيب وترهيب
في 24 يوليو/تموز 2020 قالت صحيفة "نيويورك تايمز" (The new York times) إنها حصلت على وثائق تثبت أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حاول جلب سعد الجبري مستشار ولي العهد السعودي السابق الأمير محمد بن نايف عبر عدة وسائل، بينها الإنتربول، وبالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى.
وأضافت الصحيفة أن إحدى الرسائل الموجهة من ولي العهد إلى الجبري تقول إنه متورط في قضايا فساد كبيرة وعديدة تم إثباتها.
وكشفت أن رسالة أخرى قال فيها ولي العهد السعودي للجبري "إنه لا توجد دولة في العالم سترفض تسليمك".
وقالت "نيويورك تايمز" إن الإنتربول حذف اسم الجبري من قوائم الملاحقة، معتبرا أن قضيته سياسية.
وأوضحت أن الإنتربول شكك في التزام السعودية بالإجراءات القانونية وبمعايير حقوق الإنسان في التحقيق بشأن قضايا الفساد.
كما أشارت الصحيفة إلى رسائل هاتفية طالب فيها الجبري ولي العهد السعودي بالسماح لولديه الممنوعين من السفر والموجودين في السعودية بمغادرة البلاد، فكان جواب بن سلمان أنه يريد حل مشكلة أبنائه لكنه يتعامل مع ملف حساس، في إشارة إلى ملف الأمير محمد بن نايف، وأنه سيشرح له الأمر حين يلتقيه.