[ صورة لعدد من مهاجمي بيت الله الحرام 1979 (الصحافة الأميركية) ]
ضمن سلسلة تحت عنوان: "كوماندوز أسطوري.. قصص عمليات عسكرية غيرت مجرى التاريخ"، استحضرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية قصة الهجوم على بيت الحرام عام 1979، مستعرضة كيف تم هذا الهجوم وكيف أجهض.
وقالت الصحيفة إن مجموعة من المسلحين تمكنوا ولمدة أسبوعين من التحصن داخل بيت الله الحرام بمكة المكرمة 1979، منفذين بذلك ما وُصف بأنه "عمل إرهابي لم يسبق له مثيل"، وكانت له تداعيات في العالم الإسلامي، ودق ناقوس الخطر لدى الغربيين بشأن استقرار أكبر منتج للنفط في العالم.
ولتحديد السياق الزماني الذي وقع فيه هذا الهجوم، أبرزت الصحيفة أنه حسب الرزنامة الإسلامية كان يوم الثلاثاء العشرين من نوفمبر/تشرين الثاني 1979 له رمزية خاصة؛ إذ وافق غرة محرم 1400 للهجرة، أي بداية قرن هجري جديد.
وحسب لوفيغارو، فقد اعتبر جهيمان العتيبي، قائد هذه المجموعة، الحديث الشريف الذي يقول "يبعث الله على رأس كل مئة عام من يجدد لأمتي دينها"، أنه يخاطبه هو وجماعته بالذات، خاصة أنهم رأوا في أخي زوجة جهيمان "محمد بن عبد الله" القحطاني ما جعلهم يجزمون أنه المهدي المنتظر.
وتورد الصحيفة العديد من التفاصيل، مثل أن المهاجمين قرروا اقتحام بيت الله الحرام وقت صلاة الفجر، وأدخلوا معهم نعوشا زعموا أنها لموتى يريدون أن تصلى عليهم صلاة الجنازة، وفور انتهاء الصلاة فتحوا تلك النعوش التي كانت تغص بالأسلحة والذخيرة ووزعوا الأسلحة على مجموعتهم التي كانت تضم نحو مئتي عنصر.
وبدأ العشرات من هؤلاء المسلحين إطلاق النار في الهواء؛ مما تسبب في حالة من الذعر بين المصلين والمعتمرين.
وسيطروا على الحراس الذين لم يكونوا مسلحين إلا بالعصي، حسب العرف المعمول به، ثم هرعوا إلى البوابات الواسعة واحكموا إغلاقها لمنع وصول القوات الأمنية.
بعدها أعطى جهيمان لرجاله الأمر باستخراج أسلحة كانت مخبأة في المسجد والصعود إلى المنارات السبع، وتثبيت رشاشات فوقها لرصد أي تهديد والتعامل معه عن بعد.
وبعد أن تأكد جهيمان من السيطرة على الوضع أخذ مكبر الصوت، وأعلن أمام المصلين مبايعة صهره بوصفه "المهدي المنتظر"، كما بايعه كل أعضاء مجموعته، بل وحتى بعض المعتمرين.
وتقول لوفيغارو إن وقع هذه الهجوم كان كالصاعقة على السلطات السعودية، وكان هوله عظيما للغاية.
والواقع أن القضية لم تكن بسيطة، خاصة أن بطل هذه العملية جهيمان العتيبي ينتمي لقبيلة عربية كبيرة، ويحسب لها حسابها في السعودية، حسب الصحيفة.
والمعضلة الكبيرة -حسب الصحيفة- كانت في استخدام السلاح داخل هذا الصرح الذي يحرم فيه القتال، وتغلب عليها الملك السعودي آنذاك خالد بن عبد العزيز، إذ تمكن من استصدار فتوى من العلماء السعوديين أباحت له استخدام القوة لطرد "الإرهابيين".
لكن أول محاولة لتحقيق ذلك تحولت إلى ما يشبه "المذبحة"، فقناصة جهيمان المتحصنون في المنارات والمزودون بأسلحة دقيقة كانوا بالمرصاد للقوات السعودية، وبمجرد اقتراب هذه القوات أمطروها بوابل من النيران، مما أسفر عن عشرات الضحايا.
وبذلك تكون محاولة السعودية للتعامل مع هذه القضية قبل أن ينتشر خبرها -إذ كانت تحاول في البداية التعتيم عليها- باءت بالفشل، كما أثارت هذه الأخبار مشاعر الناس في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وهددت بإثارة توترات في المنطقة برمتها، وفقا للوفيغارو.
اتهام أميركا
وحسب الصحيفة، فقد اتهم زعيم الثورة الإيرانية آية الله الخميني أميركا بالوقوف وراء المهاجمين، فقامت جموع المسلمين الغاضبين بمهاجمة كل ما يرمز إلى أميركا في تركيا وبنغلاديش وليبيا والكويت، فهوجمت البنوك والسفارات والمراكز الثقافية، بل إن الباكستانيين أحرقوا السفارة الأميركية في بلادهم وقتلوا جنديين كانوا بها.
وأدت هذه الاحتجاجات إلى إجلاء وزارة الخارجية الأميركية جميع موظفي سفاراتها وقنصلياتها الأميركيين من كل البلدان الإسلامية، وإعادتهم إلى واشنطن، ولم يستثن من ذلك إلا الدبلوماسيون الأميركيون في السعودية.
وبعد فشل المحاولة الأولى، قررت السعودية استخدام الوسائل الكبيرة، فتقاطرت عربات الجنود المدرعة إلى المكان واقتحمت البوابات، وقامت بتمشيط المنارات، كما قصفت الفناء الداخلي للمسجد الحرام.
وبعد أن أجبر هؤلاء المسلحون على التقهقر؛ لجؤوا إلى قبو المسجد، حيث كانوا قد خزنوا الأسلحة والطعام تحسبا للحصار، كما أخذوا معهم عددا من المعتمرين كرهائن.
ولأن هذه الأقبية تضم مئات الغرف المتصلة مع بعضها، فيما يشبه المتاهة ذات الممرات المظلمة، فإن القوات السعودية وجدت صعوبة كبيرة في تعقبهم، إذ كانت كلما طاردتهم أمطروا عناصرها بالنيران الكثيفة.
لم يدخلوا الإسلام ولا دخلوا مكة
وبعد أن طال الحصار عدة أيام، لجأت السلطات السعودية إلى خبرة القوات الخاصة الفرنسية التي أرسلت ثلاثة من قادتها إلى الطائف، حيث دربوا عددا من القوات السعودية على اقتحام تلك الغرف من خلال إحداث فتحة في أسفل المبنى وضخ غاز من مركب كيميائي قوي يؤدي إلى تصبب الدموع والإحساس بحرقان في الجلد والأغشية المخاطية، كما وفرت هذه القوات الخاصة عددا كافيا من السترات الواقية من الرصاص والأقنعة الواقية من الغازات للقوات السعودية.
وتنقل الصحيفة عن قائد هذه المجموعة الفرنسية قوله إن السعوديين كانوا يشكون في نجاعة ما يعرضه الفرنسيون عليهم، لدرجة أن القائد الفرنسي جرب الغاز أمامهم على أحد أعضاء فريقه كما جرب أمامهم إطلاق النار عليه وهو يرتدي سترة واقية من الرصاص.
ويؤكد هذا القائد -واسمه بول باريل- أن الفرنسيين لم يتجاوزوا أبدا مدينة الطائف، وأن من قال إنهم دخلوا مكة فقد افترى كذبا، كما أنهم لم يدخلوا الإسلام كما أشيع.
ويضيف باريل أن خطة القوات الخاصة الفرنسية آتت أكلها في النهاية، إذ قامت القوات السعودية التي ترتدي أقنعة للوقاية من الغاز ودروعا واقية من الرصاص بحفر ثقوب في بلاط المسجد الحرام، وسكبت من خلالها المادة الكيميائية المذكورة، ثم تسلل عناصر تلك القوات إلى داخل الغرف ليجدوا الإرهابيين قد احترقت وجوههم ورئاتهم، وهم يختنقون والدموع تنهمر من أعينهم فاستسلموا دون مقاومة في الرابع من ديسمبر/كانون الأول 1979، أي بعد أسبوعين من الحصار.
وقتل العشرات من هؤلاء المهاجمين، كما صدرت في حق 61 منهم أحكاما بالإعدام، وكانوا من جنسيات سعودية ومصرية ويمنية وكويتية وعراقية.