[ قطر 96 ]
كشفت الجزيرة في فيلمها الاستقصائي "قطر 96" لأول مرة بالتفاصيل والأدلة، ضلوع كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين في دعم محاولة الانقلاب على نظام الحكم في قطرعام 1996.
وتضمن الفيلم شهادات قادة في الانقلاب تكشف الأدوار السرية لهذه الدول، فضلا عن وثائق للاستخبارات السعودية وملك السعودية الحالي سلمان بن عبد العزيز، الذي كان أميرا لمنطقة الرياض إبان محاولة الانقلاب التي وقعت في فبراير/شباط 1996.
وفي الجزء الأول من الفيلم الذي بثته الجزيرة مساء الأحد ضمن برنامج "ما خفي أعظم"، يكشف فهد المالكي -الضابط السابق في المخابرات القطرية وأحد أهم المتهمين في القضية- معلومات عن اللجنة القيادية العليا لإدارة الانقلاب التي تشكلت سرا في عدة دول خليجية بالإضافة إلى مصر.
ويقول المالكي إن أعضاء هذه اللجنة هم: من الإمارات الشيخ محمد بن زايد الذي كان رئيس هيئة الأركان، ومن البحرين الشيخ حمد بن عيسى الذي كان وليا للعهد، ومن قطر الشيخ حمد بن جاسم بن حمد قائد الشرطة سابقا، ومن السعودية جهاز المخابرات الذي تلقى التكليفات من الأمير سلطان بن عبد العزيز، إضافة إلى المخابرات المصرية بقيادة عمر سليمان.
ويشير المالكي -الذي أفرج عنه العام الماضي بعدما أمضى عشرين سنة في السجون القطرية بعد تخفيف حكم إعدامه بعفو أميري- إلى أن فكرة الانقلاب جاءت حين تمكن حاكم الإمارات آنذاك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من إقناع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني باستعادة السلطة في قطر عن طريق انقلاب عسكري.
وكان الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قد أعلن في يونيو/حزيران 1995 توليه الحكم في قطر خلفا لوالده الشيخ خليفة الذي كان خارج البلاد في ذلك الوقت.
وينقل الضابط القطري السابق فهد المالكي عن الشيخ خليفة قوله بعدما تلقى عرضا بشأن العملية من الأمير سلطان بن عبد العزيز، إنه يخاف من السعوديين إن دخلوا قطر ألا يخرجوا منها، بحسب قوله.
ثلاث محاولات
ويكشف باتريك ثيروس السفير الأميركي السابق في قطر أن ثمة محاولتين للانقلاب وقعتا في نهاية 1995، الأولى عبر تجنيد مرتزقة من جنوب أفريقيا وتمت بطريقة سيئة مثيرة للسخرية كما بيّن، والثانية باستخدام مرتزقة فرنسيين لكن فرنسا أحبطت الخطة وأبلغت الجانب الأميركي بذلك.
ويوضح الفيلم أن الدول الضالعة لجأت في النهاية إلى الخيار المحلي عبر قائد الشرطة حمد بن جاسم بن حمد الذي جند ضباطا كبارا منهم جابر حمد جلّاب المري.
تحدث المري عن تفاصيل ضلوعه في المحاولة بدءا من لقائه قائد الشرطة في الغردقة بمصر، ثم الشيخ خليفة بن حمد في روما وصولا إلى لقاء عقد في وزارة الدفاع السعودية.
أسلحة مصرية
ويقول المري إن عمليات التنسيق تمخضت عن غرفتين للتحضير للانقلاب، واحدة في مدينة الخبر السعودية والثانية في العاصمة البحرينية المنامة، كما يكشف أن النظام المصري قدم أسلحة لدعم الانقلاب دخلت عن طريق المنامة مرورا بجسر الملك فهد إلى الخبر، في نوفمبر/تشرين الثاني 1995 ثم دخلت الأراضي القطرية.
قدم فيلم "قطر 96" جملة من الوثائق السرية ومنها تعليمات الاستخبارات السعودية فرع الطائف لتسهيل دخول 107 عناصر من مليشيات قبلية عبر المنفذ الحدودي مع قطر، كما كشفت وجود ضابطين مصريين يعملان في الجيش القطري برتبة لواء كانا مساهمين بترتيب ساعة الصفر.
ومن أبرز الوثائق خطاب سري يتضمن موافقة أمير منطقة الرياض وقتذاك الملك الحالي للسعودية على نقل مليشيات قبلية بصورة سرية، وصرف مستحقاتهم طوال العملية.
ويسلط الفيلم الضوء على العسكري السعودي وبران اليامي الذي كان له دور بارز في إدخال أربع شاحنات محملة بالأسلحة، وقد أظهرت التحقيقات في القضية أن اليامي كان مجندا لدى مسؤول المخابرات في منفذ سلوى الحدودي (معبر أبو سمرة) بين السعودية وقطر، وأنه بعد نجاحه في إدخال الأسلحة إلى قطر كوفئ بخمسين ألف ريال.
وكانت مشاركة العميد بخيت مرزوق العبد الله منعطفا مهما في المحاولة الانقلابية، فهو أحد قيادات القوات المسلحة القطرية، إضافة إلى المالكي الضابط في المخابرات الذي تلقى -كما يوضح- مكالمة من محمد بن زايد يشجعه ويطمئنه بأن المقاتلات الإماراتية ستسيطر على الأجواء القطرية.
ساعة الصفر كانت في الخامسة فجرا من يوم 27 رمضان الموافق 16 فبراير/شباط 1996، حيث المناوبون في الوحدات العسكرية لا يزيدون على 20%.
ودون سابق إنذار، جرى تقديم العملية إلى يوم 14 فبراير/شباط، ثم تقديم ساعة الصفر إلى الثالثة فجرا. تجمعت القوة الانقلابية قرب مكينس جنوب غرب الدوحة، وكانت الخطة تقضي بمحاصرة منزل أمير قطر والسيطرة على جميع الاتصالات وتجهيز إذاعة محمولة من البحرين تبث البيان رقم واحد.
كيف فشلت المحاولة؟
ما لم يحسب حسابه هو أن شخصا برتبة عسكرية صغيرة كشف ما كان يعرفه من أماكن تخزين السلاح، فأعلنت حالة الطوارئ واستدعيت كل العناصر العسكرية وفشل عنصر المفاجأة وبدأ اعتقال الضالعين في المحاولة. وبذلك فتح فصل جديد في القضية ستتابعه الجزيرة في الجزء الثاني من "قطر 96".
وتعليقا على ما جاء في الجزء الأول، قال ناصر الدويلة عضو مجلس الأمة الكويتي السابق للجزيرة إن التفاصيل التي كشف عنها الفيلم مؤسفة، وإنها "أصابته بالصدمة لوقوع هذه الأفعال بين دول شقيقة".
وأضاف الدويلة أن هذا التحقيق أظهر أيضا أن الأزمة الحالية بين الدول الخليجية ليست أزمة طارئة وإنما أزمة قديمة تتعلق بنظرة دول الحصار لقطر، وتحملها للرأي الآخر ولمنهج قطر الذي اعتمد على الشفافية والإعلام وبناء الدولة الحديثة.
من جانب آخر، قال الكاتب الصحفي القطري جابر الحرمي إن الأشخاص نفسهم الذين أشرفوا على محاولة الانقلاب عام 1996 هم من يتولون القيادة الآن في دول الحصار.
وأضاف للجزيرة أن دول الحصار تتذرع في هجومها على قطر بدعم الدوحة لحركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين والإرهاب وبوجود قناة الجزيرة، في حين أنه في عام 1996 لم تكن هناك لا الجزيرة ولا حماس ولا الإخوان، بحسب تعبيره.
وذكر الحرمي أن ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد -الذي وصفه بأنه قاد محاولة الانقلاب- لم يتآمر على قطر وحدها بل تآمر أيضا على سلطنة عمان.