اعتبرت صحيفة ذا أتلانتيك الأميركية، الإثنين 18 سبتمبر/أيلول 2017، أن المصالحة الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح، التي يبدو أنها اقتربت من أن تصبح واقعاً، محكوم عليها بالفشل.
وقالت الصحيفة الأميركية إن الحركتين كثيراً ما استجابتا لإرادة شعبهما، من خلال الإعلان عن اتفاقاتٍ مختلفة للتآلف. ولم يؤدِ أيٌ من هذه الاتفاقات إلى الوئام الوطني الفعلي؛ لذا فلا نعتقد أن إعلان حماس المفاجئ يوم الأحد 17 سبتمبر/أيلول، بأنها قد حلَّت لجنتها الإدارية في غزة ووافقت على المصالحة، سيكون أكثر مصداقية من سابقيه، لعدة أسباب.
ومنها، أولاً: يتعلَّق الأمر بالشؤون المالية أكثر من الوحدة. وفي مارس/آذار، أعلنت "حماس" تشكيل اللجنة الإدارية، وهي هيئة شبه حكومية تتولى ظاهرياً مهام تشبه مهام الدولة بشكلٍ أكبر. وكان قادة "فتح" يتفاعلون مع الغضب، مُتهمين "حماس" بتشكيل حكومة ظل من شأنها "إدامة الانقسام بدلاً من تعزيز المصالحة".
وبحسب الصحيفة الأميركية، فقد ردَّ محمود عباس، زعيم حركة فتح ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، باستعراضٍ غير مسبوقٍ للقوة. وأوقف تسديد مدفوعات قطاع غزة من الكهرباء؛ مما أدى إلى غرق المقاطعة الساحلية الفقيرة في الظلام، وخفَّض عباس رواتب موظفيه خارج العمل في السلطة الفلسطينية بغزة، وخفض المدفوعات لأسرى "حماس" في السجون الإسرائيلية، وأعلن أنَّ أكثر من 6000 من العاملين في السلطة الفلسطينية سيضطرون إلى التقاعد المُبكِّر. وكانت هذه العقوبات واسعة النطاق أصعب ما فرضه عباس على "حماس"، فضلاً عمَّا وقع على شعبه.
مطالب عباس من "حماس"
ومنذ البداية، جعل عباس مطالبه من "حماس" واضحة، وهي: حلّ اللجنة الإدارية، وإعادة غزة مرة أخرى تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، والاستعداد للانتخابات الوطنية. وجاء ردُّ "حماس" بأن أصرَّت على أنَّها لن تتزحزح حتى يتراجع عباس عن عقوباته المُعوِّقة. ولأشهر، بدا أنَّ الاثنين عالقان في طريقٍ مسدود مألوف حتى إعلان يوم الأحد، 17 سبتمبر/أيلول، في القاهرة، حيث يبدو أنَّ "حماس" أذعنت لجميع مطالب عباس، بحسب الصحيفة الأميركية.
والتفسیر الأمثل للتحول المفاجئ لـ"حماس"، بحسب الصحيفة الأميركية، ?و التغییر في قیادت?ا. ففي وقتٍ سابق من هذا العام، جرى الإعلان عن نتائج الانتخابات الداخلية السرية للحركة، وصار إسماعيل هنية، وهو رئيس وزراء سابق في حكومة الوحدة عام 2007، ويحيى السنوار، وهو قيادي في الجناح العسكري للحركة، القائدين الأول والثاني في قيادة الفصيل. وكلاهما يُمثل تحولاً في مركز الثقل الخاص بـ"حماس" من الفئة السياسية المنفيَّة في الخارج إلى القيادة العسكرية في غزة.
وفي البداية، أثار صعودهما قلق الكثيرين من أنَّ حرباً أخرى مع إسرائيل تصبح أمراً لا مفر منه. وكان السنوار، على وجه الخصوص، اضطلع بدورٍ بارزٍ كزعيمٍ عسكري في حرب عام 2014.
ومع ذلك، فإنَّ السنوار، والذي كانت مهامه داخل المنظمة تتضمن إدارة غزة، تحوَّل إلى شخص براغماتي بمنصبه في ذلك الوقت، في حين يعيش سكان غزة في فقر مدقع، ويتحمَّلون ظروفاً دون المستوى من حيث خدمات المياه والصرف الصحي، ويواجهون معدلات بطالة هائلة.
وفي الماضي، كان الناس يحتشدون وراء قادة "حماس" في أوقات الأزمات، ولكن تلك الأيام تبدو بعيدة. وفي شهر يناير/كانون الثاني، خرج أكثر من 10 آلاف شخص إلى الشوارع خارج أحد مكاتب الكهرباء التابعة لـ"حماس"؛ احتجاجاً على سياسات الحركة. وقد أصبح الاستياء العام من "حماس" والسلطة الفلسطينية أكثر شيوعاً، وقد شعر قادة "حماس" الجدد بالضغط، بحسب الصحيفة الأميركية.
السنوار ورفع الحصار
وكان السنوار، على وجهٍ خاص، يتواصل مع أي شخص وكل شخص للحصول على المساعدة، ومن ضمنهم محمد دحلان، رئيس جهاز الأمن الوقائي السابق في غزة، الذي توصَّل إلى اتفاقٍ مع المصريين والإماراتيين ليُدخِل الوقود والمال إلى القطاع. وعلى الرغم من أنَّ السنوار قد يبدو أنَّه يعيد العلاقات المتصالحة مع دحلان، مهندس حملة "فتح" الدموية ضد "حماس" في التسعينيات والألفينيات، تظهر شدة محنة "حماس".
وفي ضوء ذلك، بدا أنَّ الأمر مجرد مسألة وقت حتى تذعن "حماس" أو تشن حرباً أخرى مع إسرائيل. وفي الماضي، تسبَّبَت الضغوط المالية في أنَّ تشن "حماس" هجوماً عنيفاً (قبل أسابيع من حرب عام 2014، داهم أعضاءٌ من حركة حماس بنوكاً محلية في غزة وأغلقوها). ومع ذلك، فإنَّ القيادة الجديدة للمجموعة اختارت السنوار بشكلٍ غير متوقع، وإن لم يحدث ذلك من دون محاولة الالتصاق بمنافسيهم من "فتح". وأعلنوا انفتاحهم للمصالحة قبل أيام من اجتماع الرئيس عباس المرتقب بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي سيضع رئيس السلطة الفلسطينية في مأزق. وقد أُبرِمَ اتفاقٌ مماثل للمصالحة في عام 2014، ولكنه أنهى عملية السلام بقيادة جون كيري، ولا يمكن أن يتوقع عباس أن توافق الولايات المتحدة على شروطه التفاوضية إذا كان قد وقَّع اتفاقاً آخر مع مجموعة تُصنَّف على أنَّها إرهابية، بحسب الصحيفة الأميركية.
وتبدو "حماس" أنَّها تحاول التضييق على عباس. ومع الاستجابة لمطالبه من الناحية الظاهرية، سوف تُحوِّل "حماس" الضغط العام عليه حتى يُخفِّف حملته ضد غزة. وقال المُتحدِّث باسم "حماس"، فوزي برهوم، الإثنين، 18 سبتمبر/أيلول: "إنَّ هذا يضع أبو مازن وفتح في اختبارٍ حقيقي". وكلما طال أمد عقوباته، سيبدأ الفلسطينيون كل يوم بالتساؤل لماذا لم يرفع الضغط عن شعبه. ومن المُرجَّح أن يبطئ عباس الإفصاح عن رده؛ من أجل شراء الوقت لنفسه مع ترامب قبل أن يردَّ بالإصرار على أنَّ مطالبه لم تُلبَّ، وإصدار مطالب أخرى يعرف عباس أنَّ "حماس" لا تستطيع أنّ تفي بها، أو الالتزام بإجراء جولة جديدة من المفاوضات.
وفي كلتا الحالتين، فإنَّ الأمر بأكمله مجرد تحسين ظاهري في هذه المرحلة. ولن يتمكَّن أيٌ من الجانبين من سد الفجوة الأيديولوجية أو نسيان الخلافات الكبيرة بينهما.
وإذا كانت الوحدة الفعلية ممكنة، كان من الممكن أن تتمكن الفصائل الفلسطينية من التوصُّل إلى الصيغة المناسبة في اتفاقياتها السابقة: بمكة في 2007، وصنعاء في 2008، والقاهرة في 2011، والدوحة في 2012، والقاهرة مرة أخرى في 2012، وبمخيم الشاطي للاجئين في 2014.
والحقيقة أنَّه من غير المُرجَّح أنَّ تتخلى "حماس" فعلياً عن سيطرتها العسكرية على غزة. ويريد الفصيل أن يدفع عباس تكاليف توليه الحكم، بينما يريد عباس القبول الكامل ونزع السلاح. وفي نهاية المطاف، لا يوجد هنا حل وسط. ويعد إعلان يوم الأحد خطوةً أخرى في لعبة الشطرنج التي استمرت عقداً كاملاً، حيث يستمر الفلسطينيون في دفع الثمن كل يوم.