[ ناقلة نفط يابانية مسجلة في بنما راسية قرب العاصمة البرتغالية لشبونة (رويترز-أرشيف) ]
خلّف حادث احتجاز حكومة جبل طارق التابعة للتاج البريطاني ناقلة نفط إيرانية يوم 4 يوليو/تموز الحالي للاشتباه في خرقها الحظر النفطي الأوروبي على سوريا، تداعيات عدة، منها ما يتصل بملكية الناقلة والدولة التي ترفع علمها.
ففي اليوم الموالي، أعلنت هيئة بنما البحرية أن الناقلة "غريس1" التي تحمل مليون برميل، كانت قد شُطبت من سجلاتها للسفن الدولية اعتبارا من 29 مايو/أيار الماضي.
وأرجعت بنما هذا الشطب إلى إنذار تلقته بأن ناقلة النفط استخدمت في تمويل الإرهاب أو مرتبطة به، في إشارة واضحة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.
ورغم أن الناقلة ترفع علم بنما، فإن إيران أعلنت ملكيتها لها، ووصفت احتجازها من لدن سلطات جبل طارق بالقرصنة.
فلماذا تحمل الكثير من ناقلات النفط التي تجوب بحار العالم أعلام دول ليست المالكة أو المصنعة لها، بل هي أعلام دول صغيرة على رأسها بنما وجزر مارشال وليبيريا؟ وكيف كان تأثر ذلك بتشديد أميركا عقوباتها على القطاع النفطي الإيراني، سواء في ظل ولاية الرئيس الحالي دونالد ترامب، أو الرئيس السابق باراك أوباما قبل توقيع الاتفاق النووي الإيراني عام 2015؟
إحصائيات أممية
تفيد إحصائيات الأمم المتحدة الخاصة بالنقل البحري أن أغلب السفن التجارية في العالم مسجلة في دول غير تلك التي صنعتها، أو التي يحمل مالكو هذه السفن جنسيتها.
وذكر التقرير السنوي لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة الخاص بالنقل البحري للعام 2018، أن دول بنما وجزر مارشال وليبيريا -على التوالي- تتصدر قائمة دول العالم التي تسجل فيها السفن التجارية ومن ضمنها ناقلات النفط، وبالتالي فهي تحمل أعلامها.
ويشير التقرير إلى أنه سجل في بنما 7914 سفينة تجارية، أي بنسبة 8.4% من الأسطول العالمي و17.4% من الحمولة الإجمالية في العالم، بينما سجل في جزر مارشال 3419 سفينة (3.6% من العدد و12.3% من الحمولة)، وفي ليبيريا سجلت 3321 سفينة (3.5% من العدد و11.6% من الحمولة).
وحسب الإحصائيات الأممية للعام 2018 فإن هناك 94 ألفا و171 سفينة تجارية في العالم، بلغت حمولتها الإجمالية 1.92 مليار طن. وتمثل سفن شحن المواد الغذائية والفحم ما نسبته 42.5% من الحمولة، تليها ناقلات النفط بنسبة 29.2%، بينما تستحوذ سفن الحاويات على ثلث الحمولة.
القانون الدولي
ويقضي القانون الدولي بأن يتم تسجيل كل سفينة تجارية في دولة ذات سيادة تسمى دولة العلم، وهو ما يلزم هذه الدولة بضرورة مراقبة احترام السفن المسجلة لديها لشروط تنظيمية تتعلق بمعداتها وطاقمها وإجراءات السلامة والبيئة.
ويلجأ مالكو السفن التجارية في العالم إلى دول بعينها لتسجيل سفنهم لاعتبارات مرتبطة بسهولة إجراءات التسجيل، وقلة الرسوم المترتبة عليه، وقلة الضرائب المفروضة على هذا النشاط، وأيضا للبحث عن دول تعتمد تشريعات فيها قيود أقل فيما يتعلق بأجور العاملين في السفن التجارية وظروف عملهم.
وبدأ العمل بهذه الممارسة -أي تسجيل السفن التجارية في دول غير التي صنعتها أو تملكها- في العقد الثاني من القرن العشرين، حين بدأ ملاك السفن في الولايات المتحدة بتسجيل سفنهم في بنما هربا من القيود التنظيمية وغلاء تكاليف العمالة في بلادهم.
عقوبات إيران
وفي السنوات الماضية، كان لتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران على خلفية البرنامج النووي الإيراني ونفوذ طهران الإقليمي تداعيات على نشاط تسجيل السفن التجارية، وخصوصا ناقلات النفط، في ظل سعي واشنطن لتضييق الخناق على إيرادات طهران من تصدير النفط.
ففي فبراير/شباط الماضي، شطبت سلطات الشحن البحري في بنما 60 سفينة إيرانية كانت مسجلة لديها، وذلك لصلاتها بتمويل الإرهاب وتهديد السلم والأمن الدوليين. وكانت الشركة الوطنية الإيرانية للنقل البحري قد سجلت أكثر من 50 سفينة تابعة لها في بنما بعدما رفعت الولايات المتحدة العقوبات المفروضة عليها عام 2016 بموجب الاتفاق النووي.
وقد أعادت الولايات المتحدة بعد الانسحاب من الاتفاق في مايو/أيار 2018 فرض العقوبات التي تطال شركات الشحن المستمرة في التعامل مع إيران.
وقبل ما قامت به بنما بسنوات، أعلنت تنزانيا في أغسطس/آب 2012 إلغاء تسجيل 36 ناقلة نفط إيرانية رفعت علم تنزانيا دون علم الأخيرة أو موافقتها، وذلك عقب اتهام أعضاء في الكونغرس الأميركي السلطات التنزانية برفع علمها على ناقلات نفط إيرانية رغم العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران.
ويؤدي رفع أعلام دول أخرى على السفن الإيرانية إلى إخفاء أصل ملكيتها وبالتالي يسهل الطريق لحصول الناقلات على تغطية تأمينية وتمويل شحنتها، فضلا عن إيجاد مشترين لحمولاتها دون جذب انتباه الولايات المتحدة التي تراقب مدى تنفيذ عقوباتها على إيران.
وقد عمدت إيران إلى استبدال أعلام دول مثل توفالو وتنزانيا بأعلام دول أوروبية كانت ترفعها ناقلاتها مثل مالطا وقبرص. كما غيرت شركة الناقلات الإيرانية الوطنية أسماء الكثير من ناقلاتها النفطية من اللغة الفارسية إلى الإنجليزية قبل بدء سريان حظر أوروبي على استيراد الخام الإيراني دخل حيز التنفيذ بداية يوليو/تموز 2012، قبل أن يتغير الأمر وترفع دول الاتحاد الأوروبي العقوبات بموجب الاتفاق النووي الإيراني.