أفادت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن المحتجين في السودان يشكّون في دوافع السعودية والإمارات من تقديمهما دعما ماليا للمجلس العسكري الانتقالي، وحذروهما من التدخل في شؤون بلادهم.
وذكرت الصحيفة في تقرير مطول أن من بين الهتافات التي يرددها المعتصمون أمام مقر القيادة العامة للجيش في العاصمة الخرطوم وتمجد ثورتهم الشعبية، شعارا يرفض أي دعم سعودي.
وورد في التقرير أن ذلك الشعار يعكس شكوك المعتصمين في دوافع السعودية و"حليفتها الوثيقة" الإمارات، من تقديمهما معا دعما بقيمة ثلاثة مليارات دولار للمجلس العسكري الانتقالي في السودان الذي أطاح بالرئيس عمر البشير في وقت سابق من هذا الشهر بعد ثلاثين عاما له في الحكم.
الاحتجاجات الأضخم
ووصفت الصحيفة الاحتجاجات التي عمت أرجاء البلاد بأنها الأضخم من نوعها طوال ثلاثة عقود، ولا تزال تزداد زخما حتى بعد خلع البشير، مما يضع ضغوطا على العسكر للإسراع في نقل السلطة إلى مجلس مدني لحين إجراء انتخابات.
وتلفت واشنطن بوست إلى أن العديد من الثوار المحتجين يخشون من أن النظامين الملكيين "القويين" في السعودية والإمارات، يستخدمان ثرواتهما الهائلة في قمع الديمقراطية ودعم "الثورة المضادة" في السودان، مثلما فعلوا في بقاع أخرى من المنطقة.
ونقلت الصحيفة عن رئيس تجمع المهنيين السودانيين محمد يوسف المصطفى، قوله في أحد اللقاءات التي أُجريت معه إن ما سماهم "بعض القوى في الشرق الأوسط" تخطط لإحداث "تغيير سلمي لكي تُبقي حلفاءها في السلطة".
دعم الطغاة
لكن المصطفى لا يرى في تلك القوى أعداءً لبلاده، إلا أنها -كما يقول- "تخاطر بفقدان ثقة الشعب السوداني فيها".
وكان رد فعل السعودية والإمارات على موجات الانتفاضات الشعبية السابقة مشوبا بالقلق، فقد استخدمتا المساعدات المالية والعسكرية في مصر والبحرين وليبيا ومناطق أخرى "تعضيدا لحلفائهما الطغاة أو دعما للزعماء الأقوياء الجدد"، فكانت النتيجة أن أُخمد الحراك الموالي للديمقراطية في العديد من الحالات، بحسب تقرير واشنطن بوست.
ولقد تبنت الدولتان -طبقا للصحيفة نقلا عن محللين- "رؤية مشتركة للمنطقة، تهدف إلى التصدي للنفوذ الإيراني، وسحق جماعات الإسلام السياسي، ووأد عدوى الديمقراطية التي قد تؤجج التطلعات السياسية لشعبيهما".
يدرون بالمخططات
وتنسب الصحيفة إلى خالد مصطفى مدني أستاذ العلوم السياسية المشارك رئيس برنامج الدراسات الأفريقية بجامعة مكغيل الكندية، أن المحتجين السودانيين على دراية تامة بتلك المخططات، فقد ظلوا يبحثون طوال شهور عديدة السبل التي تجنبهم مسار الثورة المصرية عام 2011، التي أعقبتها انتخابات تمخضت في نهاية المطاف عن انقلاب عسكري وحكومة "مستبدة" مدعومة من السعودية والإمارات.
من جانبه، يقول المحلل السياسي السعودي محمد اليحيى رئيس تحرير موقع قناة العربية الإنجليزي، إن السعودية والإمارات كلتيهما تعتقدان أن من مصلحتهما الحيوية التأكد من أن حالة عدم الاستقرار الناجمة عن التحولات السياسية في العالم العربي "لا يستغلها أطراف غير عرب"، في إشارة إلى إيران وتركيا على وجه الخصوص، واحتمال أن تدعم تلك الأطراف جماعات الإسلام السياسي.
وتخشى السعودية والإمارات -بحسب الصحيفة الأميركية- أن يصبح السودان "أرضا خصبة للتدخلات الأجنبية".
بحثا عن صديق موثوق
ويعتقد اليحيى أن الدعم السعودي للمجلس العسكري الانتقالي في السودان يهدف كذلك إلى إيجاد شريك "موثوق به" في الخرطوم، بعد حقبة طويلة من العلاقات "المضطربة" بين المملكة والبشير "المتقلب المزاج".
ويضيف أن القيادة السعودية تريد "سودانا مستقرا يركز على التنمية الاقتصادية، وأن تكون له علاقات جيدة مع السعودية والإمارات والغرب".
غير أن رئيس تجمع المهنيين السودانيين محمد يوسف المصطفى، يقول إنه التقى بممثلين عن الحكومات الغربية، إلا أن الكتلة التي تقودها السعودية لم تُبد اهتماما كبيرا لمعرفة مطالب المحتجين.
ويتابع قائلا إن السعوديين والإماراتيين "لم يلتقوا بنا حتى الآن"، كاشفا أن الحكومة المصرية أوفدت إليهم قنصلا بينما يبعث الأميركيون والبريطانيون والألمان كبار المسؤولين.
ويقول في ذلك "كأن المصريين ظنوا أننا نريد تأشيرات دخول وليس انتقالا ديمقراطيا".