يضيق الخناق شيئا فشيئا على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي تشير إليه أصابع الاتهام في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وتواجه بلاده ما يشبه العزلة الدولية إثر هذه الجريمة التي حظيت باستنكار وتنديد وغضب عالمي.
تحركات بن سلمان خلال الآونة الأخيرة ومنذ اعتراف المملكة بجريمة القتل داخل قنصليتها في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد طول إنكار، تبدو مرتبكة ولا تخضع لأي تخطيط، تماما كما تعاملت الرياض مع الأزمة منذ بدايتها.
قبل أيام فاجأ بن سلمان المعتمرين والمصلين في المسجد الحرام بدخول الحرم الشريف فجرا محاطا بطوق من مئات رجال الأمن، بعد أن تم إخلاء صحن الكعبة المشرفة تماما من المعتمرين والمصلين، لكن المفاجأة الكبرى كانت اعتلاءه سطح الكعبة، في تصرف غريب ونادر لم يعهده المسلمون من أي حاكم.
وسائل الإعلام السعودية التي أشادت بزيارة ولي العهد قالت إنه كان يتفقد مشروعات توسعة الحرم الشريف، لكن مواقع التواصل الاجتماعي ضجت بتعليقات عديدة انتقدت الخطوة واستهجنتها، بل اعتبرها البعض محاولة من ولي العهد السعودي لغسل يديه من الدماء التي سالت في عهده، ولا سيما دماء خاشقجي.
وقال حساب "نحو الحرية" على تويتر إن "الكعبة بالنسبة لمحمد بن سلمان مجرد مكان يجلب له المليارات.. وبالتالي عندما يتفقدها فهو يتفقدها كمشروع سياحي.. فقط لا أكثر".
المحامي والناشط الحقوقي محمود رفعت اعتبر -في تغريدة له على تويتر- اعتلاء بن سلمان سطح الكعبة "أشد إهانة يتعرض لها الإسلام، فمحمد بن سلمان: سفك دم شعب اليمن. جوع وحاصر المسلمين باليمن. قتل وقطع البشر. اعتقل نساء ودنس أعراضهن. اعتقل شبابا وشيوخا وعذبهم حتى الموت. يسرق مال شعب ليشتري يخوتا وقصورا ولوحة بنصف مليار دولار".
مغرد آخر اعتبر اعتلاء بن سلمان سطح الكعبة المشرفة "مهزلة"، وتساءل عن سبب صمت علماء المسلمين وأئمتهم على هذا التصرف الذي لم يجرؤ عليه أي خليفة أو حاكم منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
14 قرن من الإسلام لم يجرؤ اي خليفة أموي او عباسي او مملوكي او سلجوقي أو عثماني ان يعتلي ظهر الكعبة لم يفعلها إلا بلال بن رباح بأمر من رسول الله إعلانا بانتهاء عصر الشرك، وبداية عصر الإسلام ...أين أئمة الحرم المكي وأين علماء المسلمين عن هذه المهزله #محمد_بن_سلمان_فوق_الكعبه pic.twitter.com/6oFMHxM3VV
التوجه شرقا
ويبدو أن ولي العهد السعودي يحاول جاهدا الخروج من لعنة دماء خاشقجي التي تطارده في حله وترحاله، فبعد اعتلاء سطح الكعبة والتمسح بجدرانها وبالحجر الأسود، ها هو يبدأ جولة آسيوية يزور خلالها خمس دول، حاملا معه استثمارات واتفاقيات اقتصادية وتجارية بعشرات مليارات الدولارات.
ويرى مراقبون في هذه الجولة -التي بدأت اليوم الجمعة بزيارة باكستان- محاولة جديدة من بن سلمان للخروج من "عزلة خاشقجي"، في ظل غلق أبواب غربية ودولية أمام المملكة، والتي كان آخر حلقاتها وضع المفوضية الأوروبية السعودية ضمن قائمة سوداء تتهمها بالتهاون في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، فضلا عن المطالب الأوروبية المتكررة بالكشف عن قتلة خاشقجي.
في جولته الأخيرة التي قام بها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عقب شهر من اعتراف المملكة بمقتل خاشقجي، زار بن سلمان الإمارات والبحرين وتونس ومصر والجزائر وموريتانيا، كما حضر قمة العشرين في الأرجنتين، لكنه قوبل في بعض هذه الدول بمظاهرات وتنديد ورفض للزيارة، على خلفية قضية خاشقجي.
أما الجولة الجديدة التي تشمل -إلى جانب باكستان- كلا من ماليزيا والهند وإندونيسيا والصين، فيتوقع أن يغلب عليها الجانب الاقتصادي، وفق تصريحات صادرة من هذه الدول، حيث قال وزير الإعلام الباكستاني شودري فؤاد حسين إن نحو ثماني اتفاقيات سيتم التوقيع عليها بين باكستان والسعودية خلال الزيارة، تبلغ قيمتها نحو عشرين مليار دولار.
كما نقلت وكالة الأنباء الماليزية عن وزير الخارجية سيف الدين عبد الله، أن الزيارة ستكون أكثر زيارة اقتصادية وتجارية، كما يتوقع أن تشهد في الهند توقيع اتفاقيات في مجالات الطاقة والاستثمار والبنية التحتية.
ما بين صعود ولي العهد السعودي فوق سطح الكعبة، والتوجه شرقا باستثمارات تقدر بعشرات المليارات، يعتقد كثيرون أن ذلك يأتي في إطار محاولات حثيثة لتحسين صورته داخليا وخارجيا، والتخلص من لعنة دماء خاشقجي التي لا يبدو أنها ستهدأ قريبا.