استمعت إلى تعليقات قانونيين عديدين، مثل دانيال مشوڤر (إسرائيلي- بريطاني) وفرنسيس بويل، المحامي الذي ربح قراراً من العدل الدولية لصالح البوسنة. يؤكدون، جميعهم، على أن الملف الذي قدمته جنوب أفريقيا سيربح المحاكمة، وسيكون هناك قرار تاريخي قبل نهاية يناير.
بالتوازي هناك قضية لدى محكمة الجنايات الدولية أيضا، وقد تحصل العدالة على قرارين من المحكمتين.
بالطبع ستكون حلبة صراع، ترأس أميركا المحكمة ممثلة بالقاضية چوان دونوغو. سبق لدونوغو أن خدمت كمستشارة في الخارجية الأميركية ومن المتوقع أن يخضع تقييمها القانوني للاعتبارات السياسية لبلدها. ولكنها فرد.
هناك اليابان، استراليا، فرنسا. إلى أي مدى سيتحفظ قضاة تلك البلدان في تقديراتهم "العدلية"؟
ملف القضية عامر بالأدلة، ثمة عملية إبادة لا تخطئها العين. أما المحكمة فربما ستخوض جدلا حول "القصد الجنائي". فالتعريف المعتمد لجريمة الإبادة البشرية، أعلى مرتبة في سلم جرائم البشر، يشترط توفر "نية التصفية العرقية"، وليس الجريمة المادية وحسب. الملف عامر بما يؤكد القصد الجنائي، فالإسرائيليون كانوا كرماء في هذا الشأن. ما الذي سيحدث فيما لو اعتبرت المحكمة الحرب على غزة "إبادة بشرية Genocide"؟
ستتغير قواعد اللعبة، سيكون ممكنا ملاحقة رجال الإبادة فرادى وجماعات، حتى بلينكن ستمكن ملاحقته داخل وخارج المنصب. سيتغير الكود الأخلاقي المتعلق بالقضية الفلسطينية، وحتى الكود اللغوي. ستوضع إسرائيل، التي سترفض القرار، في خانة الدول الأكثر مروقاً في التاريخ، وسيغدو ممكناً وضعها مع النازية على قدم المساواة، وحتى هراوة معاداة السامية ستنكسر. دولة الإبادة لن تكون قادرة على سرقة المزيد من الأراضي ولا حتى الدفاع عن نفسها بالبجاحة المعهودة، وسيخجل أصدقاؤها في كل مرة يستتفرون لأجلها.
لا بد أن تكسب جنوب أفريقيا المواجهة لتفسح الطريق لأحرار العالم لتدبير الخطوة التالية. يقترح دانيال مشوڤر، أستاذ القانون الإسرائيلي- البريطاني، أن يلاحق سفراء إسرائيل ممن رددوا عبارات الإبادة البشرية على منصات النقاش، كما في لندن وواشنطن. وهذا مجرد مثال، ويتوقع مشوڤر أن تفر السفيرة من لندن إلى إسرائيل فيما لو صدر الحكم.
على الجانب الآخر تقوم محكمة "الجنايات الدولية" بجمع شهادات شفوية استشارية من عشرات الدول حول العالم بخصوص الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، في طريقها لإصدار أحكامها المتعلقة بالمسألة. لتحصل أميركا على مزيد من العزلة الدولية، وتضع نفسها إلى جانب نتنياهو ورجاله في خانة مرتكبي الإبادة البشرية.
غدا وبعد غد ستجري جلسات الاستماع، ومن أسبوع إلى أسبوعين سيصدر الحكم/ القرار. لنتأمل، ولكن علينا أن لا نخضع كلياً للآمال. فالفلاحون الألمان علمونا أن الأمل إفطار جيد، ولكنه عشاء بائس.